حين يخاف أبناؤنا من أصوات الصواريخ ...

15يونيو2025
الوعي الذهني
بناء الإيمان
0 مشاهدة
cover

تمرّ اللحظات التي تختبرنا... لا بكم نعرف، بل بكيف نشعر. حين يُسمع صوت في السماء، لا ينتظر الطفل شرحًا، بل نظرة مطمئنة. لا يسأل: "ما هذا؟" بل يبحث في عيني أمه عن الأمان.

لكلّ عمر طريقته في التعبير، ولكلّ نفس مساحة مختلفة في استقبال الأحداث. الصغير يلتجئ إلى الحضن، إلى صوتٍ هادئ يهمس: "الله معنا"، إلى لعبة يعرفها، إلى قصةٍ تُقال بنبرة محبّة. الطفل الأكبر، يبدأ بالسؤال. لا يريد كل التفاصيل، بل يحتاج إلى وضوحٍ مشبع بالسكينة. أن نقول له بثقة: "هناك رجال كرام يسهرون لحمايتنا، ونحن الآن بخير، والله أقرب إلينا من كل شيء."

أما من كبر فكرُه ونما وعيه، فهو لا يبحث عن إجابة بقدر ما يبحث عن احترام لما يشعر به. قد يصمت، أو يتأمل، أو يطرح تساؤلاته بتردّد. وما يحتاجه هو صدرٌ يسمع، وكلمة تقدّر، وحوار يفتح له بابًا لفهمٍ أعمق... لا لإقفال مشاعره. في هذه اللحظات، الأم ليست مطالبة بإلغاء الحدث، ولا بتقديم أجوبة كاملة، بل بأن تكون مرآةً للسكينة. فالقلق مشروع، والخوف طبيعي، لكن السكون ينتقل بالعدوى مثلما ينتقل الاضطراب. وما ينقله وجه الأم، يسكن قلب الطفل قبل أيّ كلمة.

أن نحمي أبناءنا لا يعني فقط أن نُبعدهم عن الأصوات، بل أن نقرّبهم من الله، من ذواتهم، من محبتنا، من كلمات تدفئ الروح وتزرع الثقة في داخلهم. أن نعلّمهم أن الحياة مليئة بالمواقف المختلفة، وأن قلوبنا متى ما تعلقت بالرحيم، سكنت. في كل لحظة صعبة، فرصة لتثبيت قيمة، وتعزيز علاقة، وبناء أمن داخلي يبقى. فليكن حضورنا مع أطفالنا مرفأ استقرار، لا تعبيرًا عن الخوف. ولنعلّمهم، بالحبّ، أن السلام يبدأ من الداخل، وأن الله أقرب إليهم من أيّ صوت عابر في السماء.

مها شحاده

اقرأ المقال كاملاً

كيف تتحول الإيجابية إلى سلبية تبث السموم في صحتك النفسية؟

02أغسطس2023
بناء الإيمان
التربية الجنسية
0 مشاهدة
cover

عندما تمر بتحديات صعبة وأزمات تقول لنفسك "كن إيجابياً" فتحاول ألا تفكر بما يحدث معك من وقائع مؤلمة، لتركز على أهدافك وحياتك، فتسير أمورك على ما يرام، بالرغم من التحديات التي تحيط بك، تمضي قدما إلى الأمام، ولكنك تشعر أنك لا تمشي بوزنك الطبيعي، بل كأنك محملاً بأثقال، تجرها معك حيث مضيت.

ومع تراكم التحديات، والاستمرار في الرغبة في التفكير الإيجابي، تمشي وأنت تحمل جبالاً على كاهلك وأنت لا تدري، لأنك مصر على الإيجابية والتقدم في الحياة، ثم تتساءل:

لماذا أشعر أني لا أستمتع بالحياة؟ ولماذا أشعر أن صحتي وطاقتي الجسدية في تراجع؟ ولماذا؟ ولماذا؟

إن كان هذا الوصف ينطبق عليك فأنت شخص دخل في قفص السلبية باسم الإيجابية الكاذبة.

ما المقصود بالإيجابية السامة؟

كثيراً ما يتم الإساءة إلى مصطلح الإيجابية.. "كن إيجابياً".. "وإيجابياً".. "وإيجابياً".. دون وعي كافٍ بما تعني الإيجابية حقاً، فتتحول إلى "مُخدّر" يسمح بتراكم السموم داخلنا، ونحن لا نريد أن ننظر أو نشعر أو نفكر!

ثلاث خطوات لحماية نفسك من الإيجابية السامة

أولاً: اسمح لنفسك بالمشاعر السلبية

من الطبيعي أن تشعر بالحزن أو الغضب أو الإحباط، لا تتجاهل هذه المشاعر لتبدو إيجابياً. اسمح لنفسك بالتعبير عنها بطرق صحية. تذكر أن النبي محمد ﷺ بكى وحزن، وكان له عام كامل يسمى "عام الحزن".

طرق صحية للتعبير عن مشاعرك:

  • كتابة اليوميات
  • التحدث مع شخص تثق به (وليس أطفالك)
  • مواجهة من يؤلمك
  • وضع الحدود لمن يؤذيك
  • زيارة مختص نفسي إذا لزم الأمر

ثانياً: فهم وتسمية مشاعرك

عندما تطفو مشاعرك السلبية إلى السطح وتدركها، يمكنك البدء في فهم أسبابها ووضع حلول حقيقية.

أمثلة على مشاعر قد تحتاج للتسمية:

  • الوحدة
  • الضغط النفسي
  • عدم الإحساس بالقيمة
  • الغضب المتراكم
  • الخوف أو القلق

الصبر لا يعني التجاهل، بل الاعتراف بالضعف مع الإيمان والاستمرار في السعي.

ثالثاً: ضع حدوداً واضحة في علاقاتك

إذا كانت معاناتك مرتبطة بأشخاص حولك، فتعلم أن تضع حدوداً. لا تبرر الإيذاء بحجة الطيبة أو الرغبة في السلام. الإيجابية تعني احترام الذات أيضاً.

عبارات تساعدك على التعبير ووضع الحدود

  • من حقي ألا أُهان، وأن أشعر بالاحترام
  • من حقي ألا يتخذ أحد القرار عني
  • من حقي ألا يتدخل أحد في شؤوني الخاصة
  • من حقي أن يسمعني من أتحدث إليه وينصت

استخدم أيضاً هذه الصيغة البسيطة:

أنا أشعر بـ... وأحتاج أن...

أمثلة:

  • أنا أشعر بالإحباط عندما تسخر مني، وأحتاج أن تشجعني
  • أنا أشعر بالوحدة عندما لا تتواصل معي، وأحتاج أن تهاتفني يومياً
  • أنا أشعر بالإرهاق، وأحتاج أن تتعاون معي

الخاتمة

ستبقى الحياة تتقلب معك، ساعة شكر، وساعة صبر. تقبلك للمشاعر المختلفة والنمو من خلالها هو جزء من عيش الحياة الحقيقية بألوانها.

اقرأ المقال كاملاً

علم ولدك التعاطف في خمس خطوات لينجح في علاقاته مع الآخرين

28مايو2023
بناء الإيمان
0 مشاهدة
cover

لا يستطيع ولدك أن يسعد عندما يكبر إلا إذا نجح في علاقاته مع الناس المحيطة به، سواء على صعيد الأسرة أو العمل، أو الأهل والأصدقاء، ولكي ينجح في ذلك؛ يحتاج أن يمتلك أهم مهارة من مهارات الذكاء العاطفي؛ ألا وهي مهارة "التعاطف". ما هو التعاطف؟ يعرّف التعاطف بأنه الوعي بمشاعر الآخرين، والقدرة على تصور نفسه مكان الآخر الذي يعاني، والشعور بالتعاطف مع ما يمر به مع تقديم العون عند القدرة على ذلك. من المهم أن يستغل الآباء مرحلة الطفولة لتنمية مهارة التعاطف، حيث يكون من السهل جداً تنميتها في سن صغيرة بسبب لدونة الدماغ العالية.

كيف تنمي مهارة التعاطف مع ولدك في خمس خطوات؟

  1. تعرف على المشاعر: عرّف ولدك في عمر 3-4 سنوات على معاني مفردات المشاعر البسيطة مثل: سعيد، حزين، متضايق، خائف، غاضب،.... عندما يكبر ويبلغ السبع سنوات عرّفه على معاني مفردات المشاعر الأعمق مثل: مُحبط، قلق، غيران، مُحرَج، خجلان،...
  2. اكتشف الشعور: عندما يرى طفلك أخته أو أخيه (أو أي أحد) متضايقاً أو حزيناً أو خائفاً اسأله: هل تعلم ما هو شعوره الآن؟
  3. ما السبب؟: اسأله: لماذا هو متضايق؟ دعه يكتشف السبب ويذكره (شجعه أن يكتشف إذا لم يعرف) مثلاً: إنه متضايق لأنه يريد لعبتي
  4. ما الحل؟: اسأله: ماذا يحتاج أخوك حتى يتخلص من الضيق؟ دعه يكتشف حلولاً لمشكلة أخيه حتى يتخلص من الضيق. (شجعه أن يكتشف إذا لم يعرف) مثلاً: يمكن أن أعطيه لعبة بديلة، يمكن أن أعطيه حضن، يمكن أن أعطيه لعبتي، ..(كلما كان أكبر كلما سهل عليه ذكر حلول أكثر)
  5. طبّق: اسأله: كيف يمكن أن تساعده الآن حتى يتخلص من الضيق؟ دعه يجيب (سيختار من الحلول السابقة مثل سأعطيه لعبة بديلة) قل له: ما رأيك أن تساعده الآن؟ دعه يساعده واشكره أنه إنسان حنون ورحيم. (الشكر مهم لأنه يفرز مشاعر سعادة مع السلوك المطلوب مما يساعد على تكراره)

طبق نفس الخطوات على طفلك عندما يشعر هو بشعور سلبي، دعه يسمِّ الشعور، ثم يكتشف السبب ويجد حلاً، ثم يقوم به لتنمي مهارة "إدارة المشاعر الذاتية". إن تنمية مهارة التعاطف على صعيد المجتمع تؤدي إلى تكوين مجتمع رحيم وأمّة رحيمة، بينما الافتقار إلى التعاطف يدل على وجود اضطراب في الشخصية، ويؤدي إلى تكوين الشخصية النرجسية، وهي الشخصية التي تزداد انتشاراً في كل يوم بسبب ضعف مهارات المربين في تربية "إنسان".. تنمية مهارة التعاطف ليست ترفاً فكرياً بل أساساً في تربية أبنائنا.

اقرأ المقال كاملاً

هل أنت حقيقي Authentic؟

26أغسطس2022
الموهبة والذكاء
بناء الإيمان
التربية الجنسية
0 مشاهدة
cover

خمس خطوات لتكون "أنت" النسخة الأصلية من نفسك

هل أنت النسخة الأصلية من نفسك؟ أم أنت نسخة مما يجرك إليه من حولك من أشخاص أو إعلام أو غيره من المؤثرات الخارجية المترامية هنا وهناك؟..

ربما يكون هذا الزمن هو الزمن الأصعب أن نكون حقيقيين لأن التأثيرات الخارجية التي تصب في مساحة وجداننا أصبحت تتراكم بطرق معقدة ومتسارعة بداخلنا، حاجبة عنا ذواتنا الحقيقية مؤدية بنا إلى الشعور بالتخبط والضياع والضيق وربما مرض العصر "الاكتئاب".. فكيف نبصر ذواتنا الحقيقية ونشعر بالقيمة والثقة والرضا والسعادة؟

خمس خطوات لتكون حقيقياً:

أولاً: حتى تعرف ذاتك وتجمع نفسك عليها تحتاج أن تسأل أهم سؤال في حياتك وهو: ما هي قيمي العليا؟ بماذا أؤمن؟

ثانياً: تحتاج أن تسأل نفسك السؤال الثاني المهم جداً وهو: ماذا أريد؟

ثالثاً: يجب أن تتوافق أهدافك مع قيمك العليا لتصب في طريق تحقيقها فتجمع نفسك بذاتك الحقيقية، وإلا ستبقى في ضياع وتعب.. مستعيراً ذاتاً غير ذاتك.. ذاتاً رسمها لك التأثير الخارجي أو مخاوف ألقتها عليك هذه التأثيرات وجعلتك تجري متخبطاً تائهاً عن ذاتك..

رابعاً: تحتاج أن تضع خططاً لحياتك تنبثق من قيمك العليا، وتُبسّطها إلى أهداف يومية تعيش لذاتها لأنك أنت من اختارها، ولأنك تتقدم نحو ما تريد، عندما تجد أن ما تقوم به يصب في قيمك العليا سترتاح وتسكن وترضى، نعم لا شك أننا جميعاً نُبتلى ونعاني ونصبر، ولكن لن تضرنا العواصف ما دمنا نسير في مركبنا الذي اخترناه وتشبثنا به، وستمر عنا ونبقى ثابتين، وكم ستكون العواصف متعبة إذا واجهتنا ونحن لا ندري أين نحن ولم نختر أين نكون.

خامساً: نحتاج أن نقف وقفات استكشافية خلال يومنا، ونتساءل: كيف أشعر الآن؟.. وبم أفكر؟.. وماذا أفعل؟..

هل أفكاري ومشاعري وسلوكي يصب فيما أريد؟ أم أنا مشتت وتائه؟ فإذا وجدت نفسك – مثلاً- مستغرقاً بحوار داخلي متعب حدث بينك وبين أحد من الناس، اجمع نفسك بذاتك مجدداً بالأسئلة التالية: هل ما أفكر به يساعدني لأتقدم نحو ما أريد؟ فإن لم يكن فاختر أن تفكر بشيء تريده يصب في أهدافك..

وإذا مررت بتجربة صعبة ومحبطة؛ قف مع نفسك متسائلاً: هل هنالك شيء ما يمكن أن أتعلمه يساعدني لأتقدم نحو ما أريد؟ تعلم مما حدث وعد للتركيز على ما تريد.. وإذا شعرت بالانبهار من شيء يلمعه الإعلام أو يطري عليه الناس يشدك بعيداً عنك؛ اسأل نفسك مجدداً لتعود لقواعدك سالماً: هل هذا حقيقة ما أريد؟ أين أنا ذاهب وماذا أريد؟

من الطبيعي أن نتشتت أحياناً عن طريقنا، فالتشتت سيجعلنا نشعر بالضيق، ثم نعود بحب وشوق لما نريد.. ومن الطبيعي أن ننسى أحياناً ونُجر إلى ما لا نريد.. عندها سنشعر بالضياع فنعود ونقف مع أنفسنا وقفة الاستكشاف الداخلي متسائلين: ماذا أشعر؟.. وبم أفكر؟.. وماذا أفعل؟.. وماذا أريد؟..

فنسترجع وعينا ونعود إلى ذواتنا الحقيقية التي تعرف بم تؤمن وأين هي ذاهبة وبم هي راغبة.. فتشعر بالرضا والسعادة لأنها على الطريق.. وهذه حكمة من أننا مخيرون.. أكرمنا الله بالقدرة على الاختيار.. فلن نسعد إلا إذا امتلكنا حرية الاختيار وحرية القرار لنعيش حياتنا أحراراً متوجهين لا عبيداً مجرورين..

قد يمضي بعض الناس حياته وما استدل على قيمه العليا وما استطاع أن يعرف ماذا يريد من هذه الحياة وهم كُثر تائهون.. وقد يستدل آخرون على قيمهم العليا ويعرفون ما هي أهداف هذه القيم ولكنهم يمضون أنفاسهم في مكان آخر يرجون أن يجدوا قيمة لحياتهم في أوهام وصور يرسمها الآخرون لهم وأولئك هم المُزيّفون..

وقلة قليلة تعرف هدفها من هذه الحياة وتجتهد لتكون حياتها بأيامها ودقائقها انعكاساً لما تؤمن به، وأولئك هم المؤمنون حقاً.. أولئك هم الحقيقيون..

نسأل الله أن نكون منهم.. وأن يكون رضاه أكبر همنا.. وأفكارنا ومشاعرنا وسلوكنا يصب كل يوم في طريق حبه ورضاه.. متحررين عما سواه.. اللهم آمين..

اقرأ المقال كاملاً

هل أنت مربي العبيد أم الأحرار ؟

17نوفمبر2021
بناء الإيمان
تقدير الذات
التربية الجنسية
0 مشاهدة
cover

كيف تتعامل مع خطأ ولدك؟..

هل تخيفه؟ هل تنتقم منه؟..

هل تتركه دون تصحيح؟..

كيف كان رسول الله يتعامل مع الخطأ؟

هل كان يخيف الشخص؟ هل كان يعبس في وجهه؟

أم يصححه برفق ورحمة؟..

عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: (بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكْلَ أُمِّياه (وافَقْد أمي لي)، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -فبأبي هو وأمي- ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه،

فو الله ما كهرني (ما نهرني ولا عبس في وجهي)،

ولا ضربني ولا شتمني،

قال صلى الله عليه وسلم: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم.

من أين جئنا بفكرة أنني يجب أن أخيف ولدي وأجعله يكره نفسه ليحسن من سلوكه؟!

وهل الإحباط والخوف يحسن السلوك أم يربي العبيد؟

التخويف يربي عبيد جبناء، والثقة والرفق وحسن الظن يربي أحرار شجعان..

فهل أنت مربي العبيد أم الأحرار؟

صحح الخطأ من دون تخويف!

اقرأ المقال كاملاً

الذكاء الروحي بين العالمية وخصوصية العقيدة الإسلامية

02مايو2020
الموهبة والذكاء
العقلية النامية
بناء الإيمان
0 مشاهدة
cover

انتشر مفهوم الذكاء الروحي عالمياً في الآونة الأخيرة، ويعد هذا المفهوم مفهوماً حساساً بسبب ارتباطه بالعقيدة وغايات الوجود، لذا تحتاج كل أمة أن تطور مفهومها الخاص المرتبط بفلسفتها وقيمها الروحية، مع الاشتراك مع كثير من القيم العالمية التي ترتبط بسمو الإنسان وارتقاء روحه وأخلاقه.

ما هو الذكاء الروحي؟

يذكر ستيفن كوفي في كتابه العادة الثامنة بأن الذكاء الروحي هو مركز وأساس الذكاءات الأخرى لأنه يصبح مصدرَ التوجيه للذكاءات الأخرى، ويعرف كوفي الذكاء الروحي بالبحث عن المعنى والارتباط بالخالد " أي الارتباط بشيء أكبر وأعظم من أنفسنا وأعمارنا".

  • تربط مارشا سينيتار في كتابها الذكاء الروحي عند الأطفال بين الذكاء الروحي وتنمية الفطرة، حيث تعرف الذكاء الروحي بأنه ذكاء الفطرة.
  • يشير كرستيان إلى أن أهم ما يميز أصحاب الذكاء الروحي هو الوعي بالآخرين، والتساؤل والهيبة والإحساس بما هو روحي، والحكمة وبعد النظر والإحساس بوجود الله وسماع نداء التذكير به.
  • تعرف دانا زوهار الذكاء الروحي بأنه الأساس الضروري لتفعيل وظائف الذكاء العقلي والذكاء العاطفي، إنه ذكاؤنا المطلق.

ما هي أبعاد الذكاء الروحي؟

يعرف إيمونز الذكاء الروحي وفق خمسة أبعاد:

  • القدرة على التسامي والسمو الذاتي
  • القدرة على بناء علاقات روحانية منزهة عن الغرض والمصلحة الشخصية
  • القدرة على الدخول في حالات عالية من الوعي الروحي
  • القدرة على استخدام المصادر الروحية في مواجهة المشكلات اليومية
  • القدرة على الاندماج في سلوك الفضيلة كالتسامح، والاعتراف بالجميل، والتواضع، والرحمة، والحكمة.

هل الذكاء الروحي فطري أم مكتسب؟

الذكاء الروحي يتكون من عدة قدرات، هذه القدرات هي فطرية ومكتسبة في آن واحد، فالذكاء الروحي هو ذكاء الفطرة، ويولد الإنسان على الفطرة، ولكن أبواه يساعدانه في السمو الروحي والأخلاقي، أو يهبطا به، ومن ثم يكمل الإنسان طريقه في الحياة، متخذاً قرارات إما يسمو بها أو يدنو.

هل يختلف الناس في ذكائهم الروحي عند الولادة؟

نعم، يختلف الناس في ذلك، فهناك من أبناء البيت الواحد من تظهر عليه مؤشرات مرتفعة منذ صغره في هذا الذكاء، وقد لا تظهر بنفس الكيفية على أخيه.

تعريف الذكاء الروحي في ضوء العقيدة الإسلامية

يرتبط الذكاء الروحي بغايات الوجود الإنساني، تختلف تلك الغايات باختلاف العقائد والملل، وبالتالي يتأثر تعريف الذكاء الروحي بحسب الغايات التي يؤمن بها الفرد.

كلما صحت العقيدة منحت أتباعها فرصة حقيقة للسمو الروحي الكامل، وبالتالي فإن الإيمان بعقيدة سليمة واتباعها بصدق، يؤدي إلى التنمية الأعلى لقدرات الذكاء الروحي

ما علاقة الذكاء الروحي بالعقيدة السليمة؟

العقيدة السليمة هي عقيدة الفطرة، هي العقيدة التي تؤمن بإله واحد خالق مدبر لهذا الكون، لا شريك له، إليه يرجع الأمر كله.

اقرأ المقال كاملاً

كيف تبني ثقتك بنفسك؟ (الجزء الثاني) - علاج ضعف الثقة بالنفس

05مارس2019
بناء الإيمان
أخرى
0 مشاهدة
cover

حتى نبني ثقتنا بأنفسنا علينا أن نتحرر من عقلية المقارنة اللاواعية، ونتحرر من انتظار استحسان الناس، لأن الثقة بالنفس لا تبنى من الخارج، بل من الداخل، من خلال معرفة الذات، وتقبل الذات بدون شروط، بنقاط ضعفها ونقاط قوتها مع السعي للتحسين، برغبة ذاتية، دون انتظار مكافأة معنوية أو مادية من الخارج.

تعرضنا في المقال الأول للأسباب التي تولد ضعف الثقة بالنفس [اضغط هنا لقراءة المقال السابق]، وفي هذا المقال سنتطرق لخطوات العلاج:

فتحرر من مقارنة نفسك بالناس، وركز على قيمتك الحقيقية لتكبر وتنمو.

أولا: قيمتك عالية بما أكرمك الله واصطفاك به بغض النظر عن الرسائل السلبية التي سمعتها أو تسمعها، فأنت أروع مخلوق خلقه الله، وأجمل وأفضل مخلوق، أسجد الملائكة إكراماً لأبيك آدم، وإكراماً لك فأنت منه، خلقك بهذا الإكرام لتقوم بالغاية من خلقك وهي الخلافة في الأرض، قيمتك عالية باصطفائك، ولتحافظ على هذا الإكرام والاصطفاء، عليك أن تسير للغاية التي خلقت من أجلها، وهي العبادة وعمارة الأرض بالخير، وما عليك أن تقوم به هو ضمن استطاعتك وضمن إمكاناتك، لترضي الله، وتشكره على إكرامه، وليس مطلوباً منك أن تقوم بعمل خارق أو فوق طاقتك.

فتحرر من مقارنة نفسك بالناس، وركز على قيمتك الحقيقية لتكبر وتنمو.

ثانياً: إن عقلية المقارنة السلبية هي عبارة عن تشابكات في الدماغ تكررت حتى أصبحت طريقة تفكير، وبالتالي سيرتكز العلاج إلى تكوين عقلية تفكير جديدة تلغي العقلية القديمة من خلال تمارين معينة، وهذا سيحتاج إلى وقت، ولكنه هو الحل، ستشعر بالراحة والقوة والثقة بالنفس كلما تعمقت تشابكات الطريقة الجديدة في دماغك، فاصبر واستمر.

ثالثاً: ينبغي أن تتقبل أنك شعرت بمشاعر سلبية اتجاه نفسك أو اتجاه غيرك عندما تشعر بذلك، وتسمح لهذه المشاعر أن تطفو على السطح بوضوح أمام عينيك، فتستغفر وتسامح نفسك على ذلك لتتجاوز جلد الذات، إلى إيجاد الحلول، مما يجعل مهارة الوعي الذاتي تتطور لديك، فتنتبه متى شعرت بالضعف، وكيف قمت بالمقارنة السلبية لنفسك مع الآخرين، لتستطيع أن تحل المشكلة.

رابعاً: إذا شعرت أن المقارنة في بيئتك مستمرة، تُضعف محاولتك في التغيير الإيجابي، تحدث مع الأشخاص الذين يستخدمون هذا الأسلوب معك برحمة، وكلمهم عن ضرره عليك، واطلب منهم أن يوقفوه، وعندما ينسوا ويستخدموا الأسلوب مجدداً، قم بعمل إشارة بيدك لتذكيرهم بالتوقف عن ذلك بابتسامة وأسلوب لطيف، وانسحب من الموقف، وذكر نفسك دوماً بأن تصرفهم خاطئ ولا يعبر عن قيمتي الحقيقية لنفسي.

حاول أن تتجنب الأشخاص التنافسيين أو السلبيين لأنهم يخرجوك من دائرة التركيز الإيجابي على نفسك.

خامساً: حرر نفسك من وهم تحقيق القيمة بأعين الناس، فرضى الناس غاية لا تدرك، ولا يوجد إنسان فائق أو كامل، فقد خلق الإنسان ضعيفاً، وكل إنسان مليء بالعيوب، يغطي ضعفه ويتحرك بعطاء الله وعونه وستره، يتقلب بالنعم والبلاء.

إن عقلية المقارنة السلبية تعارض حكمة الله سبحانه وعدله في عطائه، فالله جعلنا مختلفين لحكمة، في القدرات والذكاء، والمال، والأعمال، والجمال، والعائلة، والاهتمامات وغيرها، لنتكامل ونشكر ونصبر ونرضى، حتى يرضى الله عنا، والله العدل أعطى جميع الناس بعدل، ولكن بنسب متفاوتة ليبلونا، فالحكمة أن نركز على ما أعطانا الله من قدرات أو إمكانات، لنستفيد منها ونتقدم إلى الأمام، دون أن نضيع طاقتنا النفسية في ملاحظة رزق الله للآخرين بتألم أو سخط، فالله هو العدل، وهو ليس ظالماً كما يوسوس لنا الشيطان أحياناً دون أن نشعر، لنسير في طريق السخط.

 لذا.. لتنمو نمواً إيجابياً عليك أن تضع قاعدة للتفكير الإيجابي في عقلك وهي:

" ركز على إمكاناتك واشكر ولا تقارن".

سادساً: عندما تمسك تفكيرك وهو يقوم بمقارنة سلبية، غيّر التفكير فوراً وادع للشخص الذي تقارن نفسك به بالخير والبركة من أعماق نفسك، وأن ينفع الله به هذه الأمة، وهذا مهم جداً في إعادة الارتباط الإيجابي بالدماغ، وتوقيف برنامج المقارنة الذي يشتغل بطريقة لا واعية، ولا تنس أن الملائكة ستدعو لك بالمثل، وكلما دعوت للناس بالخير تحررت من برنامج المقارنة، فالدعاء علاج مهم للغاية، ضعه على قائمة أولوياتك.

سابعاً: عندما تمسك تفكيرك بمقارنة مع أحد الأشخاص، اسأل نفسك: هل هناك شيء إيجابي يمكن أن أتعلمه؟ هل هناك عمل أطمح أن أتقدم به؟ اسأل نفسك وأنت تشعر بمشاعر إيجابية اتجاه نفسك واتجاه الشخص الذي تود أن تتعلم منه، فالمشاعر السلبية تقمع عملية التعلم وتؤدي إلى حجب الحكمة عن الدماغ.

تذكر أن كل إنسان فريد بقدراته ومشاعره وظروفه، لذا فما يلائمك قد لا يلائم غيرك، والعكس صحيح، فلا ينبغي أن تكون كل ميزة للآخرين هي مجال اهتمام حقيقي لنا، علينا أن نحرر اهتماماتنا من عملية التمني المؤلم أو التقليد غير الواعي.

ثامناً: إن علاج عقلية المقارنة يكمن في التركيز الإيجابي على نفسك وعلى ما تريد، لذا عليك ان تبدأ بالتعرف الحقيقي إلى نفسك، والذي فاتك الكثير منه في الغالب، بسبب ضعف الحرية النفسية في مجتمعاتنا، وكثرة السيطرة والتقبل المشروط بشكل عام، ونحن لا نستطيع أن نلومهم الآن، لأنهم كانوا يعتقدون أن هذا أفضل ما يمكن أن يقدموه لنا لنرتقي، ولم يدركوا الأثار النفسية المرتبطة بهذا الأسلوب، فهذا كان أفضل ما لديهم، والآن آن الأوان للسير على خطة لحل المشكلة التي سببتها لنا تلك الأيام، والتخلص من آثارها السلبية.اقرأ المقال كاملاً

علاج روحي لأنانية أبنائنا ومجتمعاتنا

16نوفمبر2018
الموهبة والذكاء
العقلية النامية
بناء الإيمان
تقدير الذات
0 مشاهدة
cover

إنك لا تعمل عملاً - ولو كان صغيراً بحجم الذرّة - إلا ويكافئك الله الشكور عليه في الدنيا قبل الآخرة..

فلا تحقرن من المعروف شيئاً..

حقيقة إيمانية.. ما من أحد منا إلا وقد لمس أثرها في حياته.. بل وفي حياة من حوله..

أساس هام نرفع به إيماننا وإيمان أبنائنا.. ليبدد القيم الواهية التي تنشر شباكها على مجتمعاتنا التي مرضت بالأنانية واللؤم والعمل للمصلحة الشخصية دون الالتفات إلى الرحمة والحرص على الآخرين..

يقول المثل "اعمل خير وارميه في البحر".. أعتقد أننا يجب أن نكمل هذا المثل قائلين:

"والله سيخرج لك من البحر درراً وجواهر لأنه الشكور"..

قد تكون الجواهر حفظاً أو بركة أو كف أذى أو شفاء أو تيسير أو توفيق أو رزق أو محبة أو نصر أو بر الأبناء أو فتح أو علم أو هداية أو انشراح.. إلخ ما لا يحصى من النعم..

أنت مع الله في ربح دائم.. فافعل الخير من أجله وثق أنه سيكرمك..

حقيقة يجب أن نتغنّى بها مع أنفسنا وأمام أبنائنا في كل يوم ليقبلوا على الخير ويقدّروا فعل الخير مهما كان صغيراً..

  • إحضار كوب ماء لأخيه
  • مساعدة أخته في مشروعها
  • بر الوالدين
  • بر الجد والجدة والأعمام والأخوال
  • مساعدة زميل في الصف
  • الامتناع عن السخرية من زميل
  • الصدقة ولو بالقليل
  • التفوق المدرسي طلباً لمرضاة الله وليس للتنافس المرضي
  • رحمة المعلم واحترامه
  • محبة الخير للناس
  • تسبيح بعد الصلاة
  • صلاة الفجر
  • قراءة آيات من القرآن
  • الابتسامة
  • ترتيب الغرفة
  • إعداد طعام
  • مساعدة في تنظيف

عندما نذكر أبناءنا بحب أن الله الشكور يكافئنا على أعمالنا في الدنيا قبل الآخرة، ولكن بشرط:

أن نعمل العمل فقط ليرضى الله عنا.. ونقوم به بحب ورغبة من قلوبنا لا لأننا مكرهين..

فإننا سنربطهم بقاعدة إيمانية عميقة تقوم على التقدير والثقة بالله وبعطاء الله وبخير الله.. في الوقت الذي تحيط بأبنائنا الكثير من المشوشات التي تعمل على تلاشي تلك القاعدة في قلوبهم ليعيش أبناؤنا في فراغ تحكمه الأنا والعمل فقط لأجل إثبات الذات.. متناسين أن الله يكبّر الخير القليل ويربيه لنا ليبلغ مبلغ جبل أحد.. لأنه الشكور..

فعندما يطلب أحد المساعدة في المنزل يتقاعس الجميع (في العادة) .. وكل واحد يقول "اشمعنى أنا".. ولو آمن باسم الله الشكور لعلم أن الله سيكافئه في الدنيا قبل الآخرة عندما يساعد غيره لله ويخرج من أنانيته..

وعندما تسخر مجموعة من الطالبات من زميلة لهن في الصف.. يضحك الجميع ولا يتورع أحد عن رفض الموقف.. ولو آمنت الواحدة منهن باسم الله الشكور لعلمت أن الله سيكافئها في الدنيا لو رفضت الموقف بدل حرصها على مرضاة الناس بسخط الله..

وعندما تطلب طالبة مساعدة من طالبة متفوقة.. ترفض أو تشح عليها بالمعلومات حتى لا تتفوق مثلها.. ولو آمنت باسم الله الشكور لعلمت أن الله الشكور سيكافئها على مساعدتها في الدنيا بتوفيق وانشراح في الصدر يجعلها تذوق السعادة الحقيقة بدل أوهام السعادة التي يزينها الشيطان أمام أعيننا بتعظيم الأنا..

مفاهيم خاطئة أخذت تسود.. مع تقديم القناعة والمبررات لها باستمرار.. "لا تكون أهبل".. "تخليش حدا أحسن منك".. "تخليش حد يجي بطرفك".. " لا تقدم شي ما حدا بيقدّر".. ونسينا أن الله هو الشكور.. وأنه من يكافئك.. فقط اعمل لأجله..

تصرفات كثيرة انتشرت في مجتمعاتنا ومدارسنا وبيوتنا يندى لها الجبين.. يؤلمنا أنها تخرج من مسلمين.. ومن أصلاب المسلمين.. تظهر ضعف العلاقة بالله وضعف الإيمان والأنانية التي تفتك بصاحبها في الدنيا قبل الآخرة فتحرمه الجواهر والكنوز الربانية التي تساق له كل يوم عندما يفعل الخير لله.. كنوز من رضا وطمأنينة وانشراح في الصدر وسلام داخلي وبركة وتوفيق وحفظ وتيسير ورزق ومحبة وألفة بين الأبناء والإخوة والزوج والزوجة ونصر وهداية وبصيرة وكفاية وشفاء وولاية وغيرها من خير الله، الذي تعجز عن كتابته: لو أن ما في الأرض من شجر أقلام والبحار أحبارها..

التفكر في اسم الله الشكور وبركته في حياتنا ينشر الطمأنينة ويطلق بواعث الخير فينا بمحبة وطيبة..

كل مكافأة من الله الشكور تجعلنا نذوق السعادة والحياة الطيبة..

"مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" 

يجب أن نغرس في أبنائنا أن كل خير نقوم به لوجه الله سيعود إلينا أضعافاً في الدنيا.. وكل عمل سوء سيعود علينا بسوء أيضاً.. "مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا".. والله هو الغني ونحن الفقراء..

"أنت مع الله في ربح دائم.. فافعل الخير من أجله وثق أنه سيكرمك.. وامتنع عن السوء لأجله وثق أنه سيكرمك"..

قاعدة إيمانية مهمة في مراقبة السلوك الذاتي ورفع الرقابة لدينا ولدى أبنائنا.. فنحن نفعل الخير لأجل نفع أنفسنا بالخير.. وليس لأن الله يحتاج إلى أعمالنا.. وسيئاتنا مهلكات لنا في الدنيا قبل الآخرة ولو زينها الشيطان..

قاعدة إيمانية تستحق أن نجعلها ديدناً في حياتنا وفي حياة أبنائنا.. وسنرزق ألطافها كوالدين عندما ي

اقرأ المقال كاملاً

هل نحن مهزوزو الثقة بأنفسنا؟

07يونيو2018
العقلية النامية
بناء الإيمان
تقدير الذات
أخرى
0 مشاهدة
cover

تمر بنا أيام نشعر فيها أن ثقتنا بأنفسنا باتت واهية ونشعر بالحساسية من ريشة تمر بجانبنا وأنها تثقل على صدورنا، فكيف نخرج من هذا القبو الذي يضغط على أنفاسنا ويجعلنا نشعر بأنه لا قيمة لنا في هذه الحياة؟

أود أن أوضح بداية حقيقة علمية تساعدنا للخروج من هذا القبو، وهي أن الثقة بالنفس تنبع من الداخل، وهذه النقطة مهمة للغاية، فهي الحبل الذي نمده بداية لنخرج من هذا القبو الذي يضغط على أنفاسنا.

هناك عدة أسباب تجعلنا نفقد الثقة بالنفس وأبرزها:

امتلاك آلية تفكير داخلية تقوم على المقارنة، بحيث أشعر أني رائع وأن لي قيمة إذا رأيت إنساناً بيته أقل من بيتي، أو شعبيته الاجتماعية أقل من شعبيتي، أو شهاداته أقل، أو وسامته أقل، أو قدراته أقل، أو علمه أقل، أو عائلته أقل.. الخ.. عندها أشعر أني أفضل منه فتنتشر مشاعر الارتياح بداخلي لامتلاك الأفضلية، وقد أشعر بالفخر عليه أو الزهو أو الكبر.

وأما إذا رأيت أو جالست من يفوقني في شيء من المظاهر التي يتفاخر بها الناس من مال أو جاه أو جمال أو صيت أو منصب أو أبناء أو علم أو شعبية اجتماعية أو نجاح معين عندها أشعر بأني أقل أو أني لا شيء فإما تتراجع ثقتي بنفسي أو أسعى للإساءة له ظاهراً أو باطناً لأرسم صورة جديدة له مشوهة بداخلي تبرد على قلبي ألم تميزه عني.

المقارنة هي آلة تفكير لا واعية تجعلنا نحفر بأنفسنا قبورنا لندفن فيها ثقتنا بأنفسنا، وهي آلية تفكير ربما اكتسبها البعض من آبائهم الذين كانوا يستخدمون أسلوب المقارنة لدفعهم للعمل، أو من خلال البيئات الصفية التي تدفع للتعلم من خلال المقارنة أيضاً، أو غيرها، والنتيجة أنه مع الوقت يصبح لدينا آلية تفكير لا واعية تقوم على فرز هرمونات السعادة أو فرز هرمونات التوتر من خلال المقارنة، لتجعلنا ننفش داخلياً بطريقة غير واعية أو نُحبط أو نغتاظ بطريقة لا واعية أيضاً.

وأؤكد لك بأن هذه النفشة الداخلية التي نشعر بها عندما نتعامل مع شخص نعتقد أننا نتفوق عليه لا تعني الثقة بالنفس بل على العكس هي علامة على تدني الثقة. 

فكيف نتخلص من آلية المقارنة اللاواعية؟

وكيف تبدأ ثقتنا الحقيقية بأنفسنا بالنمو لتبدأ مشاعر السعادة والرضا بالدخول إلى قلوبنا وحياتنا؟

أولاً: الوعي بوجود المشكلة والرغبة الحقيقية في التخلص منها، إن صَدقنا مع أنفسنا هو الباب الأول للتغيير، أما التستّر على مُشكلاتها سيزيد المشكلة سوءًا، وهذه نقطة البداية.

ثانياً: أن ننتبه إلى هذا التفكير عندما يحدث بداخلنا ونخرجه للوعي ثم نوقفه بكلمة نقولها لأنفسنا:

"توقف أيه التفكير فإنك تؤذيني وتؤذي إيماني"..

وبالتأكيد ستؤذي غيرك أيضاً بهذا التفكير وأنت لا تشعر، وسَتُفاجأ يوم القيامة بميزان سيئاتك وقد لَمّ ما لم وأنت غير واعٍ بما تفعل، لأن التوتر الداخلي الذي تحدثه المقارنة يتحول إلى ألم يخرج من خلال الإساءة لغيرنا سواء شعرنا بذلك أو لم نشعر، ولا يمكن للتوتر أن يبقى محبوساً بداخلنا.

ثالثاً: أن نستبدل التفكير بالناس بالتفكير بأنفسنا، أي معرفة ما نريده نحن ونحبه ويجعلنا نستمتع ونشعر بالرضا، حتى لو كان ممارسة تمارين رياضية معينة لمدة 20 دقيقة يومياً، أو مجال علمي نحب أن نتعلمه ونبدع به مثل لغة جديدة نرغب بتعلمها أو نتقوى بها، أو عمل خيري نحب أن نتطوع فيه، أو مشروع صغير نريد أن نبدأ به، أو أي شيء نشعر حقيقة أننا نريده.

إذا كنت لا تعرف ماذا تريد وماذا يُسعدك ابدأ بأشياء صغيرة تحب أن تفعلها لتبدأ دائرة الوعي بنفسك بالاتساع فتتعرف على نفسك أكثر وتميّز ما يرضيك ويسعدك.

رابعاً: إذا كنت تعتقد أن ما يرضيك مرهون بما يقدمه الناس من أجلك فستزداد تعاستك يوماً بعد يوم وتصل مع الوقت إلى السخط التام وانعدام الثقة بالنفس، لأن الثقة بالنفس تنمو كلّما قدمنا للآخرين وتخلصنا من أنانيتنا، وتتراجع عندما ننتظر منهم المقابل، فاخرج من إطار التفكير بالناس وحاول أن تتعرف على نفسك وتُصاحبها بالتركيز على نموها وليس بتنمية التركيز على غيرك. 

خامساً: إذا كنت ممن يدمن استخدام الهاتف أو الألعاب الالكترونية أو ما شابه فهذه علامة على تراجع ثقتك بنفسك، لأن الإدمان وسيلة للهروب من الواقع، حتى إذا ما عدت إليه وجدت أن الإحساس بالنقص يكبر بداخلك وأنك لا تدري هل تُقبل على الانتحار أو تزداد إدماناً فتدفن نفسك حياً أو ميتاً.

والصواب أن نعي أن هروبنا إلى الهاتف وإدماننا عليه هو علامة على تدني الثقة بالنفس، وأن الحل بالعودة إلى النفس وفهمها والاهتمام بها بما يصلحها ويسعدها.

سادساً: إيقاد شعلة الروح، إن إيقاد هذه الشعلة هو أسرع طريقة للرضا والارتياح وبناء الثقة بالنفس، هذه الشعلة توقد عندما نوجه بوصلتنا الداخلية نحو مرضاة الله بحيث يكون نيل مرضاة الله هو همنا الأكبر، أن يكون الله سبحانه هو همنا حقيقة وليس شعار نرفعه أمام الناس، وكشف الزيف في هذا الأمر أن يجن جنوننا من كلمة تمس كبرياءنا أو قرش نخسره أو نكتسبه فهذا علامة على خواء الباطن من التعلق بالله.

عندما يكون الله سبحانه هو أكبر همنا نستيقظ وقربنا منه هو غاية أرواحنا، فنفرز هرمونات السعادة كلما اقتربنا منه، هذه الهرمونات العميقة جداً في الدماغ تعالج هرمونات النفشة الشيطانية التي تفرزها آلية المقارنة المريضة، كما تعالج هرمونات التوتر التي تؤدي إلى تراجع الثقة بالنفس عندما نستاء من شخص يتميز علينا في شيء، فعندما نقبل على الله بصدق ونذكره بحب وصدق إقبال تتغير آلية فرز الهرمونات بحيث تصبح داخلية لتعتقنا من آلية المقارنة الخارجية التي تجلب لنا السخط وتراجع الثقة، فيتحول نظرنا اللاواعي من الناس إلى الله.

بداية نحتاج أن نصبر لتقوى أماكن فرز هذه الهرمونات في الدماغ، وتبدأ بالتدفق فتوقد الشعلة الداخلية التي تضيء لنا الحياة بنور يجعلنا نرى الله ونعرفه ونقدره سبحانه، فنقدر أنفسنا ونقدر غيرنا، ونفرح بعطاء الله لنا ولغيرنا، ونرى حكمة الله تتجلى في كل عطاء وفي كل

اقرأ المقال كاملاً

لماذا يسيء بعض المتدينين أخلاقهم؟ وهل عجز الدين عن تزكيتهم؟

31مايو2018
الموهبة والذكاء
بناء الإيمان
تقدير الذات
0 مشاهدة
cover

إجابة تأملية وفق أبحاث الدماغ

سؤال كثيراً ما طرح على المسامع وربما كان سبباً لنفور البعض من الدين لعدم مقدرتهم على إيجاد إجابة شافية.

فما السبب الذي يجعل أناساً من الفئة المتدينة تسيء السلوك وتسبب هذه الروابط السلبية للدين في أدمغة الناس، ليظهر ديننا الإسلامي السامي بمظهر العاجز عن تربية أولئك الأفراد وتزكية أرواحهم وقلوبهم، مما يفتن من يتعامل معهم فينفر من الإسلام أو يلحد أو يفقد الثقة بهذا الدين العظيم.

بداية نود أن نوضح حقيقة هامة بأن الدين يؤخذ من أصوله التي تمثلت في القرآن الكريم والسنة المطهرة التي نجحت في تربية مجتمع جاهلي ليصنع حضارة لا تغيب عنها الشمس، وإن الإساءات الأخلاقية التي يقوم بها الناس تعبر عن أشخاصهم وليس عن الإسلام، فالإسلام يمثله نبيه الكريم وهو أحسن الناس خلقاً، وسائر الأنبياء الذين صنعهم الله على عينه، وباقي البشر هم بين محسن ومسيء.

ولكن هذا لا ينفي الألم الذي نتجرعه عندما نجد من يدعى "التديّن" يكذب ويظلم ويفتري على غيره..، فكيف يمكن أن يفعل إنسان مثل تلك السلوكات التي تدل على انطماس بصيرته وهو يتكلم بالقرآن والحديث الشريف بل وقد يكون حافظاً للقرآن الكريم مما يجعل الناس تصاب بالذهول عندما ترى أن الفارق بين الحال والمقال كالفارق بين المشرق والمغرب، وحقّ لنا أن نذهل فكبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.

دعونا نفسر ما يحدث وفق أبحاث الدماغ لنعلم كيف أن ديننا العظيم بريء من تصرفات هؤلاء.

فما الذي يحدث داخل أدمغة هؤلاء المسيؤون؟

قد سبق وتكلمنا عن الدماغ العامودي المسؤول عن السلوك الأخلاقي، وهو الذي يمنحنا البصيرة والحكمة والوعي بما نفعل، وهو الجزء الهام بداخلنا الذي يتأثر بعملية تزكية النفس " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا " (الشمس/7-10)

فلماذا لا يتزكى هذا الدماغ المسؤول عن الأخلاق من خلال قراءة القرآن الكريم وتعلم العلم الشرعي؟ وهل الدين عجز عن تزكيتهم؟

هناك سببان رئيسان لذلك:

أولاً: حتى تتم التزكية يجب أن يمتلك هؤلاء مشاعر إيجابية في منطقة اللوزة لأن مرور المشاعر السلبية فيها يحجب الحكمة والمنطق والأخلاق والبصيرة والوعي، فإذا تربّى الإنسان منذ صغره في أجواء شحنت دماغه بالغيرة أو الحسد أو الإحساس بالنقص أو السخط أو الغرور أو التكبر أو الخوف أو النفاق مثلاً، وكبر على هذه الحال وتديّن، ستكون مشاعره السلبية هي المسيطرة والموجهة لقراراته بحسب قوة هذه المشاعر السلبية لتحجب الوعي بما يَعرف من هذا الدين فيَخرجُ تصرفه عارياً من التأثّر بالدين موجهاً بمشاعر التوتر المشحونة في منطقة اللوزة.

ثانياً: حتى يغير الدين من هؤلاء الذين تربوا على هذه الأمراض القلبية يجب أن تكون مشاعر الإيمان أعلى من مشاعر الأمراض السلبية لتغلب وتهذب اللوزة ومنطقة ذاكرة المشاعر وهي الحُصين، وهذا لا يحدث إلا في حالة واحدة وهي أن يتألم الإنسان من أمراضه ويرغب في التغيير من خلال إيجاد البيئة الصالحة والإقبال على ذكر الله تعالى بتأمل وتدبر في آيات الله ليفرز هرمونات عميقة في الدماغ تطهّر منطقة اللوزة والحُصين، ليتوازن ويبدأ النور بالدخول إلى قلبه وعقله وتبدأ إشعاعات البصيرة بالنفاذ إلى قراراته وسلوكاته، وهذه العملية لا تحدث بيوم وليلة بل تحتاج سنينا، وتصبح أصعب كلما كبر الإنسان وتقدم في العمر، لأن الخلايا العصبية تكون قد أشبعت بهذه المشاعر السلبية.

وأما من يقرؤون القرآن فلا يجاوز حناجرهم فلن يستفيدوا من هذه القراءة لأنها غير واعية، وأما إذا كانوا يقرؤون القرآن ليقال قارئ ويظهرون بمظهر المتدين ليقال متدين فاعلم أن هؤلاء سيزيدهم تدينهم انطماساً في بصيرتهم لأن نيتهم خاطئة حتى في تدينهم، وهؤلاء هم أول من يُلقى في النار كما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن الفئة التي تظهر بمظهر التدين تنقسم إلى ثلاث:

  • فئة نشأت بقلوب مريضة تغار وتحسد وتكذب وتظلم وتطغى ولا تشعر بالذنب بسبب أن أمراض القلب تُطفئ الضمير الأخلاقي من "الران" الذي يتراكم على قلوبهم، والذي تفرزه مشاعر المرض المستمرة التي تغذي أدمغتهم بشكل يومي، فلا تحدث لهم عملية استبصار بأخطائهم ولا يراجعون أنفسهم حتى لو تمت مراجعتهم، بسبب الأوهام التي يعيشونها في عقلهم اللاواعي والتي رسمها الشيطان بأحبار أمراضهم، فيرون صورة وهمية مزينة يسيرون نحوها تُسكن أنين أمراضهم بلذة الأذى، تجعلهم يُسيئون ولا يتراجعون. اعلم أن هؤلاء يعاقبون في الدنيا قبل الآخرة، فيُحرمون التوفيق والبركة في الحياة الدنيا ويعيشون بألم الضياع وسلْب التوفيق عمرهم كله، ناهيك عما ينتظرهم في آخرتهم. فاعلم أن الله لهم بالمرصاد، فدعهم لله.
  • فئة خلطت عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وهي الفئة التي تقوم بأخطاء وتمر بتوترات سلبية في منطقة اللوزة فتُحجب عنها البصيرة في بعض المواقف، وتحسن في مواقف أخرى بحسب ما يمر باللوزة من مشاعر إيجابية أو سلبية، وذلك بحسب التربية التي تربوا عليها والمشاعر السلبية التي تشربوها في طفولتهم، وإن معرفتهم بعيوب أنفسهم مع صدق إقبالهم على الله لتزكية أنفسهم وتنقية مشاعرهم سيجعلهم يتقدمون نحو الفئة الثالثة لتحيا قلوبهم ويصبحوا منارات هداية، أو يتراجعون نحو الفئة الأولى ليصبحوا منطمسي البصيرة مضطربي السلوك.
  • فئة نشأت نشأة طيبة، لم تشحن مشاعر طفولتها بالنفاق أو الغيرة أو الحسد أو السخط أو الجبن أو الخوف أو غيره، ثم عرفت الله وأقبلت عليه بإخلاص، فهؤلاء هم منارات الهداية ينشرون الخير أينما كانوا ويمدهم الله بتأييده وتوفيقه.
فلنجتهد أن نكون من الفئة الثالثة الطيبة الصادقة، ولا نفتن في أي فئة أخرى، لأن كل إنسان سيحاسب فردا، وكل إنسان مسؤول عن نفسه، قد أعذر الله إليه أن أمده بفطرة خير في أعماقه توجهه للخير، وأرسل له رسولاً صادقاً رحيماً، وأنزل معه كلامه من فوق سبع سماوات لنهتدي به عندما تضطرب أمامنا الرؤية، فنخرج من الظلمات إلى النور ونرتقي في مدارج الإيمان، وتصبح لوزتنا مشحونة بمحبة الله وتقدير عطائه، ومحبة خلقه ومحبة الخير لهم، ونصبح حقيقة نموذجاً وقدوة.

"أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الأنعام/122)

اقرأ المقال كاملاً

تسعة أخطاء تربوية تُفقد أبناءنا العضلة النفسية التي ينميها الصيام

19مايو2018
الموهبة والذكاء
تنمية الإبداع
بناء الإيمان
0 مشاهدة
cover

هل تعلم أن 85% من نجاح الإنسان في الحياة يُعزى للذكاء العاطفي؟

وهل تعلم أن مهارة "تأجيل الإشباع" هي من أهم المهارات التي تدل على امتلاك ذكاء عاطفي مرتفع؟

فماذا يعني "تأجيل الإشباع"؟

إنها عضلة نفسية تساعدنا أن نقاوم ما نشتهي أو نؤجل إشباع حاجتنا لأجل قناعات نمتلكها أو مكاسب نريد أن نحققها، مثل أن نقاوم النوم وندرس للامتحان، أو نقاوم رغبتنا في استغابة شخص تقوى لله، أو نقاوم شهوة الطعام طمعاً في نيل مرضاة الله في أجر الصيام..

إن الإسلام هو دين معجز في تقوية هذه العضلة النفسية منذ الصغر والتي تؤدي إلى امتلاك الإرادة ومقاومة الضغوط النفسية وهي فعلاً أساسٌ لنجاح الإنسان في الدنيا والآخرة، فهي تُعلّمنا الصبر على الأذى، والصبر لبذل الجهد لتحقيق أهدافنا، والصبر على الشهوات التي تَحْرفنا عن طريق النجاح والنمو الذاتي.

إن إمكانات هذا الدين لانهائية في بناء أفراد نوعيين يستطيعون تأجيل إشباع رغباتهم وتوجيه إرادتهم وفق قناعاتهم ليتربعوا على عرش التميز البشري.

يستثمر ديننا الحنيف أهم فترة في نمو هذه القدرات وهي مرحلة الطفولة، فعندما يبدأ الطفل بالتعوّد على الصيام ليقاوم وهو صغير ملذات الطعام من حوله فيقول "لا.. لن آكل ليرضى عني ربي" فإن عضلة الإرادة لديه تنمو بقوة لأن دماغه لا زال في الفترة الخصبة للنمو (حتى لو صام صيام العصفورة!)، وعندما يقول: سأقوم وأصلي بالرغم من أني أشعر بالنعاس، وسأبر أمي وأقوم لمساعدتها بالرغم من أني أشعر بالتعب، فإن مثل هذه الأعمال التي قد نراها صغيرة هي عميقة في تنمية الذكاء العاطفي وتقوية مهارة "تأجيل الإشباع".

إن تعاليم ديننا الحنيف تستثمر في دماغ الطفل والفتى والشاب ليُنمّي ملكاتٍ فطرية تجعله يعلو فوق ما يرغب ليسمو بروحه ونفسه وعقله وسلوكه فيكون ذلك الإنسان الذي يحقق غايات وجوده على الأرض بالعمل الأخلاقي والمبدع ليعمر الأرض بالخير والصلاح.

لكن قد يسأل سائل.. بالرغم من أن تعاليم هذا الدين العظيمة تُنشئ بشراً نوعيين يمتلكون الإرادة والقرار، فلم يشير الواقع إلى جيل يفتقر أحياناً إلى الإرادة والقرار؟

إن إمكانات هذا الجيل عالية، وإن الأخطاء التي يقومون بها هي في الأغلب نتاجنا نحن، فالإنسان يولد على الفطرة ونحن الذين نُسيء التوجيه أو نُحسن إليه.

تسعة أخطاء تربوية تجعل أبناءنا يفقدون الإرادة وتؤدي إلى انتكاس ذكائهم العاطفي:

أولاً: التحكم بهم واتخاذ القرار عنهم يُضعف عضلة الإرادة، ويحدث ذلك أحياناً لأن الوالدين يمتلكان صورة محددة في داخلهم يريدون من أبنائهم أن يحققوها، وهذا الشيء خطير يؤدي إلى انتكاسة في الذكاء العاطفي الذي يحتاج إلى مساحة من الحرية والقرار الذاتي، المبني على معرفة الذات وتحديد القدرات (مثل أن يدرس في الجامعة مساقاً نريده نحن ولا يتوافق مع قدراته العالية)

ثانياً: نقدهم وإشعارهم بالضعف والسوء وعدم القدرة (ظناً منا أن ذلك سيجعلهم يعيدون النظر في تصرفاتهم) سيجعلهم يفقدون الثقة بأنفسهم فيفقدون الإرادة.

ثالثاً: الخوف عليهم وعدم منحهم فرصاً للتجريب والاستكشاف والتعلم من الخطأ يجعلهم يفقدون المبادرة التي تؤدي إلى امتلاك الإرادة.

رابعاً: افتقارهم لقدوة أمامهم يمتلك أهدافاً واضحة يسير نحوها ليلهمهم الإرادة في مشاريعهم الخاصة.

خامساً: التشتت في أهداف كثيرة وعدم تحديد أهداف واضحة لتجميع الإرادة نحوها.

سادساً: عدم حصول الأبناء على التشجيع المستمر، حيث أن التشجيع المستمر من قبل الوالدين وتقدير الإنجاز الذاتي لولدنا أو ابنتنا فيما يريده هو ويختاره بناء على قناعات واضحة لديه يجعل الإرادة تنمو وتقوى.

سابعاً: استخدام الكلمات التي تعظم نظر الناس مثل الكلمات التي تزرع التنافس، أو ماذا سيقول الناس عنا إذا.. أو غيرها.. لأن الإنسان يفقد الوجهة الذاتية عندما يفكر بأعين الناس وبالتالي تضعف الإرادة الذاتية.

ثامناً: تداول الأحاديث التي تشعر أبناءنا بالإحباط وتنشر السلبية التي تنخر الإرادة، مثل كثرة الحديث عن المشكلات (من دون أن نهدف لإيجاد حلول)، أو الحديث عن الغلاء أو الخوض في الناس، أو التذمر والشكوى باستمرار.

تاسعاً: استخدام الأسلوب التبريري أمام الأبناء، فعندما نرى إنساناً مميزاً بدلاً من أن نشجع أبناءنا ليُلهموا من إرادته، نقوم بتبرير نجاحه على أنه إنسان أتيحت له الفرص، أو نستخدم أسلوب التبرير الذاتي أمام أبنائنا مثل أن نقول: لو أنه حدث معي كذا لنجحت في..

من المهم أن نعي أن عضلة الإرادة لدينا أو لدى أبنائنا تنمو وتقوى بالتدريج وأنها لا تكبر بكبسة زر، إنها تتأثر بكل ما يحدث من حولنا، وتحتاج إلى ثبات في التعامل وجوٍّ إيجابي تترعرع به، فهي تحتاج أن يُحاط الإنسان بالإيجابية والتقدير والاحترام، وأن يُنشئ عادات صغيرة يداوم عليها، لأن الإنسان يكبر بالعمل الصغير الذي ينمو بتدرجٍ عبر السنين، ولا تستطيع هذه العضلة أن تنمو في لحظة.

دعونا نستثمر بركات الشهر الفضيل في تنمية ذكائنا العاطفي لنا ولأبنائنا، ونعي أساليب التفكير والسلوك التي تؤدي إلى انتكاسته لنقي أنفسنا وأبناءنا شرها فننمو نحو المعالي ومكارم الأخلاق كما أراد الله لنا عندما استخلفنا في هذه الأرض.. "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ(البقرة/30)

والإرادة هي مفتاح الخلافة وعنوان الوجود.. ومفتاح الولوج إلى جنات الخلود..

لا تنسونا من صالح دعائكم

اقرأ المقال كاملاً

لماذا لا نرضى عن حياتنا؟

26أبريل2018
الموهبة والذكاء
الوعي الذهني
بناء الإيمان
أخرى
0 مشاهدة
cover

سؤالٌ كبير.. ربما تنقضي حياتنا كلها وما وجدنا له إجابة.. ولكنه لبّ الراحة والسعادة.. يستحق أن نتعرض له ولو أجبنا عنه بجزء يسير..  

كل منا يسعى في يومه.. وربما طيلة يومه.. يسعى وبداخله دوافع تدفعه ليعمل ويكد..

نحن نسعى في يومنا ونحن ندور في مربع به أربع خانات كما ذكر "ستيفن كوفي" في كتابه المعروف العادات السبع للنجاح وهي: 

1- مهم عاجل 

2- مهم غير عاجل

3- غير مهم عاجل

4- غير مهم غير عاجل    

 

نتفق أن غالبيتنا ندور في مربعي "مهم عاجل" و"غير مهم عاجل"، ثم نذهب آخر اليوم لنرتاح في "غير مهم غير عاجل" لنشعر بالاسترخاء والحرية..

لا شك أن الأعمال المهمة والملحّة تقوم عليها أولوياتنا في الحياة ولكن هل تكفينا لنشعر بالرضا؟

وأين ذهبت "مهم غير عاجل" وما علاقتها بالرضا؟.. 

"مهم غير عاجل" هي الأعمال التي تبني أعماقنا وتبني أعماق أبنائنا وأعماق العلاقات..

هي التي تبني علاقتنا مع الله وعلاقتنا مع أهمّ الناس..

علاقتنا مع أنفسنا وعلاقتنا مع أبنائنا ومع أزواجنا ومع أهم المقربين..

فكيف أدخل في هذا المربع العميق؟

أدخل مربع "مهم غير عاجل" مثلاً عندما أُمسك بكتاب أقرأه برويّة وأنا أتمعن لأُطبق ما فيه ابتغاء مرضاة الله.. لا لأنال شهادة أكاديمية .. ولا ليقال عني قارئ.. ولا لأثبت لنفسي أنني قارئ نهم.. بل لأرتقي بنفسي ومن حولي ابتغاء مرضاة ربي.. عندها سأشعر بالرضا..

وأدخله أيضاً عندما أجلس مع ابنتي وأفتح معها حوارا لطيفا بين صديقتين وأشاركها اهتماماتها.. وأنا أستشعر مسؤوليتي وأستمتع بها.. حتما سأشعر بالرضا..  

وعندما أجلس فأقرأ مع طفلي الصغير قصة نستمتع بها معاً ونبني علاقة إيجابية وأنا أغرس فيه حب العلم والتعلم..  أفعل ذلك ابتغاء مرضاة ربي.. دون أن أحدث به الناس.. حتماً سأشعر بالرضا..

وكذلك عندما أجلس فأرتّل الآيات بحب وأنا أستشعر عظمةَ ما بين يديّ من كتاب.. وأشعر بإكرام الله لي أن أذن لي بتلاوة كلامه والاستماع له من بين مليارات المحرومين.. حتماً سأشعر بالرضا..

وعندما أدخل السرور على من حولي دون أن أطالبهم بالتعويض.. عندما أهتم بهم وأعطيهم لله.. ابتغاء مرضاة الله دون انتظار المقابل.. حتماً سأشعر بالرضا..

وعندما أصلي في جوف الليل.. وعندما أتصدق.. وعندما أفرّج كربة.. وعندما أساعد.. وعندما أكتم غضبي.. وعندما أسامح.. وعندما أبر.. وعندما أرحم..

كثيرة هي الأعمال التي تشعرنا بالرضا.. وهي أعمالٌ صغيرةٌ غالباً لكن بالالتفات فيها إلى الله وحده تصبح عميقةً وعظيمةً تُثمر على المدى ارتقاءً وثقةً ونورا وسعادةً لأنها تحرر الإنسان من عبودية الظهور.. وتحرره من ال "أنا"..

الأعمال العاجلة التي وردت في المربعين السابقين تتعلق عادة بالشيء الملاحَظ سريعاً من الناس.. عندما ننويها لله حتماً سنشعر بالرضا..

ولكن لن نذوق طعم هذا الرضا ما لم نتجرد ونزهد ونخلص في أعمال غير ملاحظة لأحد إلا الله لنتحرر من التمحور حول نظر الناس والتنافس في ذلك..

ويستطيع الإنسان أن يتحرر فعلاً عندما ينوي ذلك ويبدأ في كتم أعماله الصالحة والتوسع فيها.. عندها ستبدأ مشاعر الانشراح والرضا بالتمدد في أعماقه.. لتحرر أغلال: أنا مهم وأنا الأفضل وأنا الأذكى وأنا الأجمل.. 

إن كثيراً من مشاعر عدم الرضا التي تنتابنا تتعلق بأن أعمالنا مشروطة في العقل اللاواعي بتحصيل نظر الناس وإعجابهم حتى لو لم نطلب الإعجاب مباشرة ولكننا في أعماقنا نعلم أنها الأعمال التي سنمدح من أجلها.. وهي تجذبنا إلى مربعي "مهم عاجل" و"غير مهم عاجل".. وهي أيضاً قد تجذبنا للمقارنات السلبية وإلى التنافسية المَرَضيّة التي تؤدي إلى السخط وتودي بمشاعر الرضا..

كم منا يريد الإعجاب السريع الذي قد يجره إلى سخط سريع لأن رضا الناس غاية لا تدرك..

والمشكلة أن مواقع التواصل قد زادت المسألة سوءً.. فأصبحنا ننتظر التقدير والمديح على أصغر الصغائر.. وكلما زاد التفاتنا للناس كبرت تعاستنا..

وأما أعمال المربع "مهم غير عاجل" فهي غير متعلقة بنظر الناس ولا تخضع لأولويات إعجابهم فتهمل بالرغم من أنها هي التي تبني الرضا والثقة بالنفس والإخلاص لله وتجعلنا نعمل لقناعاتنا لا لقناعات الناس ولكن من يصبر على أعمال يحبها الله لا يلقي الناس لها بالاً؟.. وتهدر وقتاً لا يعلم به ولا يجازي عليه إلا الله؟..

وكما قال أحد الصالحين: "سقت نفسي إلى الله وهي تبكي، فمازلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك".

يجب أن نصبر بداية لنشرق نهاية بالرضا والسعادة..

كل منا كادح في هذه الحياة.. ولكن شتّان بين كادحٍ زاهدٍ في الناس وفيما أيدي الناس.. راضٍ عن ربه وعن مسار حياته.. وبين كادحٍ تعيسٍ.. يتخبط حيث نظر الناس.. ولا يعلم حقيقة ما يرضيه..

فلنعِ دوافعنا.. لتُشرِقَ سَرائرنا..

"يَٰٓأَيُّهَا ٱلْإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَٰقِيهِ" الإنشقاق/6

شاركونا أفكاركم.. "لماذا لا يشعر الإنسان بالرضا؟"

اقرأ المقال كاملاً

هل الثقة بالنفس هي الغرور؟ وهل هي من الإسلام؟

29مارس2018
الوعي الذهني
بناء الإيمان
أخرى
0 مشاهدة
cover

هل الإنسان الذي يسعى لإثبات نفسه أمام الآخرين هو إنسان واثق بنفسه؟ وهل يمكن أن أُنمّي ثقتي بنفسي وأنا في هذا العمر؟

مفهوم الثقة بالنفس مفهوم حرج تدور حوله مغالطاتٌ كثيرة وحقائق وأوهام.

هو مفهوم مهم لأنه الأكثر مساساً والتصاقاً بأنفسنا، وقد يحتمل هذا المفهوم تفسيراتٍ كثيرةً ويُشتق له تصرفات عدة قد لا تؤدي إليه، فلنَدُر قليلاً في فَلَكِ هذا المفهوم لعلنا نفهم أنفسنا بشكل أفضل ونوجه تصرفاتنا بشكل أقوم.

مفهوم الثقة بالنفس هو مصطلح علميّ يدلّ على "قوة الباطن"، ولا يُترجم حرفياً فيظن السامع أنّ من يَثقُ بنفسه لن يَثقَ بربه، وهذا غير صحيح، هو مصطلح علميّ يعبّر عن:

  • معرفة الإنسان لنقاط القوة التي يتمتع بها ونقاط الضعف، مع تقبّل نقاط الضعف، ووضع نقاط القوة في أهداف يتقدم نحوها.
  • أن يحترم الإنسان ذاته، ويقدّر عطاء الله له، فيرى مِيْزاته ويشكر الله عليها، كما يرى مِيْزات الآخرين ويشكرهم عليها.
  • القدرة على اتخاذ القرار وحل المشكلات.
  • مواجه مصاعب الحياة بحكمة وتوازن، وقدرة السيطرة على مجرياتها.
  • القدرة على إقامة علاقات متوازنة وإيجابية.

سمات الإنسان الواثق بنفسه:

  • السلام الداخلي والطمأنينة وقلة التوتر
  • المبادرة والعزيمة
  • الإيجابية والتفاؤل
  • الإنجاز والنجاح
  • تحديد أهداف واضحة قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى

مفاهيم مهمة وأساسية ترتبط بالثقة بالنفس:

  • الاستقلالية الذاتية أي اتخاذ القرارات بناءاً على وضوح الهدف الذاتي وليس لأجل التقليد
  • النزاهة وعدم النفاق والجرأة في قول الحق
  • تحمّل المسؤولية في العمل والقول والخطأ
  • الشفافية وعدم التزييف

انتبه!! فهذه التصرفات لا تعني الثقة بالنفس:

  1. أنت لا تثق بنفسك عندما تمدح نفسك أمام الآخرين وتقول "أنا.." و"أنا.." و "أنا.."...
  2. أنت لا تثق بنفسك عندما تحاول أن تُظهر أنّك معصومٌ عن الخطأ
  3. أنت لا تثق بنفسك عندما تحاول أن تُثبت أنك رائع أمام الناس

متى نبني ثقتنا بأنفسنا؟

أهم مرحلة لبناء الثقة بالنفس هي مرحلة الطفولة، لكن أغلبنا يبني ثقته بنفسه بعد مرحلة المراهقة بل بعد مرحلة الجامعة أيضاً، بسبب الأخطاء التربوية التي تحدث في كلٍّ من الأسرة والمدرسة.

ما هي الأخطاء التربوية الشائعة التي تؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس؟

  1. التقبل المشروط في الأسرة وفي غرفة الصف
  2. النقد واللوم
  3. اتخاذ القرار عن الأبناء والتحكم بهم

هل تعاني بناتنا من ضعف الثقة بالنفس أكثر من أبنائنا؟

بشكل عام نعم، والسبب في ذلك يرجع إلى عدة أسباب منها:

  1. تدنى طموح الفتاة بشكل عام
  2. خوفنا على الفتاة
  3. يعتقد البعض في أعماق أنفسهم أن الفتاة أقل من الفتى

كيف نبني ثقتنا بأنفسنا؟

  • أن نحدد أهدافاً لنا قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى
  • أن نضع أنفسنا في محكات تجعلنا متخذين للقرار
  • أن نبتعد ما استطعنا عن الأجواء السلبية
  • ألا نتوقف عن طلب العلم
  • أن نتقرب إلى الله بالذكر والعبادة والإخلاص

مصطلح الثقة بالنفس ذكره أسلافنا وعلماؤنا بمصطلح "قوة الباطن" كما أسلفنا وهو الذي عبّر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلّ خير. رواه مسلم. وفي الحديث: خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إن فقهوا. رواه البخاري

ولا تهم المصطلحات بالقدر الذي يهمنا فيه التطبيق والارتقاء، فهنا يجب أن يتمحور تفكيرنا لننهض.

نسأل الله أن نكون من هذا الخير الذي ذكره رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، ومن الأقوياء الأحباء إلى الله.

تعرّف على بناء تقدير الذات في منهاج تفكّر مع أنوس.

اقرأ المقال كاملاً

كيف تنجح في علاقتك الزوجية وتشعل الحب وفق أبحاث الدماغ؟

15مارس2018
العقلية النامية
بناء الإيمان
0 مشاهدة
cover

إن وجود علاقات ناجحة في حياتنا سواء على مستوى العائلة أو الزواج أو الأصدقاء هي حاجة نفسية لكل إنسان ينبض في هذه الحياة تمده بالسعادة والتوازن والإيجابية.

وإن تعثر العلاقات الهامة في حياتنا قد يؤدي إلى انتكاسنا بشكل ما، فما هو السر في نجاح أي علاقة؟ وكيف يمكن أن نرتب أولويات العمل وفقها لكسب علاقات تمنحنا سعادة وإشراقاً.

قد ننجذب لكثير من البشر من حولنا لكن لن تستمر العلاقة وتثمر دعماً ومساندة وسعادة ما لم تترسخ روابطها الإيجابية في أعماق الدماغ، ولكي نفهم ذلك السر علينا أن نفهم كيف يحدث ذلك في الدماغ.

تقوم أي علاقة بين شخصين على أسس التعامل بينهما، فعندما يكون التعامل قائماً على الرحمة والعطاء والتقدير والتفهم والاحترام ستتولد مشاعر إيجابية مع تشابكات الخلايا العصبية المرتبطة بصورة هذا الشخص في دماغنا، مما يؤدي إلى التعلق به مع الوقت نتيجة الهرمونات الإيجابية التي تم فرزها في أعماق الدماغ والتي ارتبطت بهذا الشخص وترسخت من خلال السلوك، فنظرة رحمة وابتسامة حانية وقبلة فوق الرأس وإيماء عطف، كل ذلك وغيره يؤدي إلى اشعال الروابط الإيجابية لتصبح العلاقة الزوجية هي كما أرادها الله علاقة مودة ورحمة. ولن يسكن الشريك إلى شريكه ما لم تكن روابط الدماغ المتعلقة به مشحونة بالسكينة والرحمة والمودة كما أخبرنا الله سبحانه:

"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم/21)

مدمرات العلاقة: لماذا يموت الحب ولماذا تتعثر العلاقات؟

تتعثر العلاقات بسبب هدم الروابط الإيجابية في الدماغ وإقامة روابط سلبية مكانها، وكلما سار أحد الشريكين في هذا الاتجاه ستنهدم العلاقة في النهاية بسبب أن الروابط السلبية تؤدي إلى النفور، ويُترجَم النفور على شكل لا مبالاة أو ضعف الحب أو موته، أو تجنب التواجد في البيت، أو تجنب الحديث، أو تجنب العلاقة الجسدية، أو غيرها كنتيجة حتمية للنفور.

ونحن نتحدث هنا عن أسباب النفور التقليدية التي قد تحدث مع الأزواج الحريصين على إنجاح أسرتهم، ولا نتكلم عن المدمرات السريعة مثل الخيانة أو الإهانة أو الخمر أو غيرها..

ما الذي يسبب الارتباطات السلبية؟

ثلاثة أسباب رئيسية للارتباطات السلبية بين الأزواج:

1- الأنانية:

وهي التركيز على مصالح الذات دون التفات حقيقي إلى حاجات الشريك، والتي تجعل الإنسان لئيماً يفكر أنه لو قدّم شيئاً قليلاً لشريكه يجب أن يحصل مقابله على الكثير، وقد يمنّ بعطائه القليل، فيكون شحيح الرحمة والعطاء مما يرسخ تشابكات سلبية منفّرة في أعماق الدماغ تؤدي إلى الإضرار بالعلاقة.

2- الاستعاضة بالانفجارات الكلامية والنكدية عن الحوار الهادئ:

عندما يحمل الشريك على شريكه ويلجأ إلى الانفجارات الكلامية أو إلى النكد أو اللوم والنقد ظناً أنه سيحصل بهذا الأسلوب على ما يريد، فإنه على العكس يشحن دماغ شريكه بروابط مشحونة بضغط عالٍ تؤدي إلى هدم كثير من الروابط الإيجابية السابقة بسبب شحنات الانفجار العالية، وترسخ المزيد من مشاعر النفور في أعماق التشابكات العصبية.

3- التوقعات العالية:

وهي أن نتوقع من الشريك أن يقوم وحده بأمور معينة دون أن نخبره بما نتوقعه، فنلجأ للانفجارات الهادمة للعلاقة للمطالبة، وقد تكون توقعاتنا مهمة لنجاح الاسرة، وفي حال ذلك يجب أن نوصل رسالتنا له من خلال الحوار والرفق، وقد تكون نابعة من الأنانية والبعد عن الواقعية ويحدث هذا كلما تدنى تقدير الذات للشريك، حيث ترتفع الأنانية مع تدني تقدير الذات فيصبح شديد اللوم والمعاتبة والمطالبة لسد الإحساس بالنقص من خلال الأخذ والكسب من الآخر وأنّى له ذلك؟.. هو كمن يشرب من ماء البحر فيزداد عطشاً إلى عطشه، فتقدير الذات ينمو بالعطاء والاستقلالية وليس بالمطالبة والمعاتبة.  

كيف نقيم علاقة ناجحة راسخة في عمق الدماغ وكيف نوقد الحب؟

إن إنجاح العلاقة يحتاج العمل من الطرفين، لذا فالمسؤولية في ذلك تقع على الشريكين، ويقوم النجاح على إشعال المشاعر الإيجابية في ارتباطات الخلايا العصبية في الدماغ المسؤولة عن العلاقة، وهذا الأمر لا يحدث بيوم ولا ينهدم بيوم كذلك.

1- الإيماءات الصامتة:

لو أنك قمت بتصوير نفسك في فيديو وأنت تتحرك وتجلس في بيتك.. ترى كيف ستبدو؟

نعبر بإيماءاتنا أكثر من كلماتنا فهي تشكل أغلب يومنا وهي تتشابك تأثيراتها بعمق لدى الشريك لأنها السلوك الغالب.

كثير منا لا ينتبه أنه لا يبث أي روح للإيجابية أثناء جلوسه في البيت بل قد يكون على العكس، وتبث الإيجابية من خلال التفكير الإيجابي الذي يبث إشعاعات الطاقة الإيجابية والتي ستترجم من خلال الابتسامة والرضا والسلام الداخلي، فعندما يتحرك الشريك في البيت وهو يشع بالإيجابية والسلام بإيماءاته وكلامه سيسكن إليه شريكه (لتسكنوا إليها) وأبناؤه كذلك والعكس صحيح.

كيف نمتلك الإيماءات الإيجابية؟

نصبح إيجابيين من خلال مراقبة التفكير وتحويله من سلبي إلى إيجابي ومصاحبة الإيجابيين، وامتلاك أهداف إيجابية، إضافة إلى الإقبال على الحمد والذكر مع حضور قلب حيث يعالج بعمق الهرمونات التي تبث التوتر في الدماغ.

2- الاستقلالية: وهي تتعلق بإيجاد أهداف خاصة ينشغل بها الشريك عن شريكه، فكلما دار الشريك في فلك شريكه ينطرد بتأثير القوى الدافعة الطبيعية خارج الدائرة وإلا سيفقد الشريك الآخر توازنه، لذا فإن تمحور أهداف الشريك الأساسية حول وجود شريكه الآخر يؤدي إلى نفور الشريك، ويجب أن يكون لكل شريك أهدافه الحيوية والبناءة الخاصة به وهذا الأمر تبرز أهميته عندما يكبر الأبناء أو يصل أحد الزوجين إلى سن التقاعد.

3- تقدير القليل: إن تقدير الأعمال الصغيرة التي يقوم بها الشريك هو أساس مهم جداً في إنجاح العلاقة، لأن الأعمال الصغيرة هي التي تشكل لوحة الحياة اليومية لدينا، فعندما نلتفت إلى هذه الأعمال ونتدرب على تقديرها وشكرها من خلال ابتسامة الرضا والنظر على وجه المسرّة فإن كل نظرة تشعل الحب، أو من خلال هدية بسيطة تعبر عن التقدير. ويظن بعض الناس أن التقدير سيجعل الشريك يتكبر على شريكه، هذا صحيح فقط في حال كان الشريك لئيماً أما إن كان كريما

اقرأ المقال كاملاً

لن تنجح في تربية أبنائك إلا إذا قمت بتنمية الدماغ العامودي Vertical Brain.

08مارس2018
العقلية النامية
الوعي الذهني
بناء الإيمان
0 مشاهدة
cover

شرطان تربويان لننهض كأفراد وتنهض أمتنا بنا.

يوجد لدى كل إنسان دماغ أفقي ودماغ عامودي Vertical and Horizontal Brain.

الدماغ الأفقي: هو الذي يتكون من شقي الدماغ الأيمن والأيسر اللذين يسيطرا على اللغة والمنطق والخيال والحركة والأرقام وغيرها.

أما الدماغ العامودي: فهو المسؤول عن الحكمة ومهارة القرار والمرونة والتعاطف والأخلاق والإبداع وغيرها.

عندما ننتقد أنفسنا كعرب أو مسلمين في هذا الزمن فلا شك أننا ننقد ضعف الدماغ العامودي لدى غالبية الأفراد حتى لو حصلوا على شهادة الدكتوراة أو بلغوا أعلى المناصب أو جمعوا أكبر الثروات.

فلماذا يعاني الأفراد من ضعف الدماغ العامودي وما هو هذا الدماغ؟

يتكون الدماغ العامودي من أربعة مناطق:

جذع الدماغ brain stem (موصل للمعلومات)، الحصين Hippo-campus (منطقة الذاكرة)، اللوزة Amygdala (منطقة المشاعر وردة الفعل) والقشرة الجبهية Prefrontal cortex (منطقة القرار والحكمة والأخلاق والإبداع وهي الناصية التي ذكرت في القرآن الكريم ويرمز لها بالدماغ العلوي العامودي upper brain)

نعاني كأفراد بشكل عام من ضعف الدماغ العامودي بسبب أخطاء تربوية تحدث في البيت وفي الصف ويهدف هذا المقال إلى نشر الوعي بأهم التصرفات التي تؤثر بشكل كبير على تنمية الدماغ العامودي.

أولاً: إن العدو الأول الذي يؤدي إلى انتكاس الدماغ العامودي هو التوتر حيث يمنع تدفق الأكسجين والسكر إلى منطقة القشرة الجبهية مما يؤدي إلى انتكاسها مع الوقت.

جميع أمراض القلب هي مشاعر توتر وهي مشاعر سلبية أيضاً أي أن الإنسان الذي يحمل مشاعر سلبية مثل السخط والغضب والغيرة والأنانية وحب الظهور والحقد والغرور والقسوة والحسد وحب السيطرة وحب المال وحب الرئاسة والتعصب وغيرها كل ذلك سيصب بشكل عكسي في تنمية دماغه العامودي بسبب توتر اللوزة وحجب الناصية مما يؤدي إلى فقدان الوعي والحكمة والإبداع والأخلاق ناهيك عن آثار تلك المشاعر يوم الحساب.

علاج التوتر:

1- علاج التوتر يكون بإبعاد أنفسنا وأبنائنا عن أسباب التوتر ما استطعنا والتوقف عن التفكير السلبي.

2- يطفأ التوتر ويهدأ بالإقبال على ذكر الله، والهرمونات التي يفرزها الدماغ عند الذكر هي أعمق الهرمونات التي تنمي الدماغ بشرط أن يكون الذكر مع حضور القلب وتلاوة القرأن الكريم بترتيل هي الأعلى تأثيراً في التخلص من التوتر وتنمية المشاعر الإيجابية في اللوزة والحصين.

3- القيام بالأعمال العطوفة مثل الرحمة والخدمة والعطف والصدقة تؤدي إلى تنمية الدماغ العامودي مع الوقت.

ثانياً: استخدام الحوار والشورى مع الأبناء إضافة إلى طرح الأسئلة الذكية التي تتطلب تفكيراً عميقاً ينمي الدماغ العامودي العلوي أي منطقة القشرة الجبهية وهي الناصية.

كلما سيطرنا على تفكير أبنائنا وفرضنا عليهم آراءنا ولم نشركهم في القرار انتكس الدماغ العامودي والعكس، كذلك ينتكس مع إهمال الوالدين للأبناء واللامبالاة بهم.

استخدم عبادة الشورى دائماً في منزلك لأخذ القرار فهي من أعمق استراتيجيات تنمية الدماغ العامودي، واطرح عليهم الأسئلة الذكية خلال يومك: مثل لماذا؟ ماذا لو؟ ماذا تفعل لو؟ كيف يمكن أن؟

إن تنمية الدماغ العامودي هو العامل الرئيس في نجاح الأفراد على صعيد الذات والعمل والأسرة فضلاً عن استحالة تحقيق النهضة بدون أولئك الأفراد الذين يتألقون بالأخلاق والإبداع والحكمة والمرونة والتعاطف وغيرها من السمات التي لا تتحقق إلا بامتلاك الآباء والمعلمين الوعي الحقيقي بأولوياتهم التربوية.

فهل وعينا عمق الآية: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد/11)؟

اقرأ المقال كاملاً

لا تغضب، أنت في اختبار.

20فبراير2018
بناء الإيمان
0 مشاهدة
cover

كلما شعرت بالغضب، تذكر أنك في اختبار.

فإما تصبر فتهدأ وتتصرف بحكمة، فترقى وتؤجر، وإما تندفع فتندم وتؤثم.

تسمى عملية التصرف بحكمة بالوعي الذهني mindfulness وفي القرآن الكريم هم "أولو الألباب"

"وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" (البقرة/269)

يمتلك الإنسان الحكمة عندما يقرر بوعي دون تأثير للمشاعر السلبية على حكمه وقراره. المشاعر السلبية تأتي من الغضب، الغيرة، الحسد، التكبر، اللؤم، الإحباط، الخوف، القلق، الإحساس بالنقص، السخط، التركيز السلبي. فكل شعور سلبي لا يرضي الله يفقدنا الحكمة والبصيرة.. فنحن الخاسرون بذلك دنيا وآخرة.. اللهم طهرنا من مشاعر السوء وارزقنا الرضا واجعلنا من أولي الألباب. اللهمّ آمين

فرصة للارتقاء:

تعالوا نراقب أنفسنا اليوم لنرى كم مرة نجحنا في هذا الإختبار وصبرنا عند الغضب حتى نهدأ. كلما نجحت اشكر الله على توفيقه، واستغفر كلما زللت.

اقرأ المقال كاملاً

تمرين مهم وسهل لتُكسب أبناءك الاستبصار الداخلي mindsight

30أكتوبر2017
بناء الإيمان
0 مشاهدة
cover

إن رفع الوعي الذاتي self awareness هو سبب لسعادة الإنسان وتميزه ونجاح علاقاته.

يمكن رفع وعي ولدك أو ابنتك من خلال تمرين بسيط يمكن تطبيقه يومياً عند عودته من المدرسة أو الجامعة أو العمل، لا تسأله كيف كان يومك.. بل حاوره بلطف واسأله ثلاثة أسئلة محددة أثناء حوارك اللطيف وهي:

  • 1- ما أجمل شيء كان في يومك؟ (الوعي الذاتي)
  • 2- ما أسوأ شيء كان في يومك؟ (الوعي الذاتي)
  • 3- هل قمت اليوم بعمل يدل على التراحم والتعاطف؟ (وعي العلاقات)

كلما استعاد ولدنا تفاصيل من ذاكرته وهو يتحدث عنها، كلما ازداد وعيه بسبب تجمع القطع اليومية التي مرت به من صور وأفكار ومشاعر وأحساسيس في ذاكرته الواعية، مما يؤدي إلى الاستبصار الداخلي mindsight وهو أساس الوعي الذاتي الذي يؤدي إلى ادارة الذات والأخلاق.

تذكر أن ثرثرة الأبناء معنا في تفاصيل يومهم تكسبهم الوعي الذي يجعلهم منفتحين مع أنفسهم ومعنا في مرحلة المراهقة وواعين للمشاعر والأفكار التي تمر بهم وهو أساس هام جداً في حفظهم من المخاطر في المستقبل.

يحتاج أبناؤنا إلى صداقتنا منذ الصغر والتفاعل معهم في تفاصيل حياتهم ليصلوا الى الوعي، وإلى أبوين محاورين محبين رفقاء متجنبين أن تقوم العلاقة مع أبنائهم على الأوامر والاستجواب والتحكم أو اللامبالاة، لأنهم لن ينفتحوا معنا في هذه العلاقات.

صنّف أنت نفسك كأب أو كأم، 

هل أنت مُحاور باهتمام وحب؟ أم متأمّر؟ أم لا مبالي؟ أم خليط بين اثنين؟

اقرأ المقال كاملاً