كيف تتعامل مع خطأ ولدك؟..
هل تخيفه؟ هل تنتقم منه؟..
هل تتركه دون تصحيح؟..
كيف كان رسول الله يتعامل مع الخطأ؟
هل كان يخيف الشخص؟ هل كان يعبس في وجهه؟
أم يصححه برفق ورحمة؟..
عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: (بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكْلَ أُمِّياه (وافَقْد أمي لي)، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -فبأبي هو وأمي- ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه،
فو الله ما كهرني (ما نهرني ولا عبس في وجهي)،
ولا ضربني ولا شتمني،
قال صلى الله عليه وسلم: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم.
من أين جئنا بفكرة أنني يجب أن أخيف ولدي وأجعله يكره نفسه ليحسن من سلوكه؟!
وهل الإحباط والخوف يحسن السلوك أم يربي العبيد؟
التخويف يربي عبيد جبناء، والثقة والرفق وحسن الظن يربي أحرار شجعان..
فهل أنت مربي العبيد أم الأحرار؟
صحح الخطأ من دون تخويف!
كثير من الآباء والأمهات يعتقدون أن ولدنا يجب أن يشعر بالخزي والذنب حتى يتوقف عن السلوك السلبي.. وبالتالي "البهدلة" هي الحل الأمثل، ثم يتفاجأ لماذا يسيء ولدي السلوك أكثر؟!
البهدلة أو اللوم أو الصراخ وكل ما يجعله يكره نفسه سيجعل تقدير الذات يتدنى.. وعندما يتدنى تقدير الذات يتوتر الإنسان ويضعف وعيه وبالتالي سيسيء السلوك أكثر..
حتى يتحسن سلوك ولدنا هناك قاعدتين هما:
هذه الأسئلة الحوارية يجب أن تكون مبنية على الثقة أنه إنسان جيد وأنها فرصة للتعلم وليس الاتهام وإشعاره أنه إنسان سيء.
عندما نشعرهم أنهم مقبولين سيتعاونوا معنا وعندما نستمع لهم سيستمعون لنا، وعندما نطلب منهم أن يحلوا مشاكلهم السلوكية بأنفسهم سيتحسنوا فيها..
اجعل من الخطأ فرصة للتعلم والنمو وتنمية مهارات الحياة والقدرة على حل المشكلات بدل من أن تحول الخطأ إلى وسيلة لكره الذات الذي يسبب المزيد من إساءة السلوك ويقتل الإبداع أيضاً ويضعف التركيز والقدرة على التفكير..
من هنا تنطلق فاعلية الفرد وفاعلية المجتمع لتحقيق النهضة الحضارية.. بارتقائك يرتقي هذا الجيل..
هل نقول لولدنا "اللي بيضربك اضربه" أم أن ذلك سيؤدي إلى العنف؟
جدل تربوي يطرحه الآباء حول ما يفعل ولدهم إذا ضُرب..
هل يأخذ حقه؟ هل يدافع عن نفسه؟
وماذا سيحدث في المدرسة إن أصبح كل واحد يريد أن يأخذ حقه بيده؟
وما تأثير هذه العبارة على دماغ ولدنا؟
ليس صحيحاً أن نمنع ولدنا من الدفاع عن نفسه.. كما أنه ليس صحيحاً ان نقول له "اللي بيضربك اضربه"..
لأننا عندما نكرر هذه الجملة على مسمعه "اللي بيضربك اضربه" فإننا نبرمجه على ردة الفعل الخالية من التفكير وبالتالي فقدان التحكم والبدائل والمرونة، والصواب أن نقول له:
أولاً: أي شخص يمد يده عليك قل له بصرامة لا أسمح لك أن تمد يدك علي وتؤذني
وثانياً: "فكر"
بالنسبة لطفل صغير تحت الخمس سنوات يجب أن يكون تحت مراقبتنا وفي بيئة آمنة خالية من التوتر ما استطعنا، وإن حدث شجار خفيف طبيعي نتركه ليتعلم الدفاع عن نفسه بشكل طبيعي ولا نقول له اضرب، حتى لا يتبرمج على الأذى، وإن لم يعرف كيف يدافع عن نفسه نقول له "لا تخليه يضربك".
إن تربية أبنائنا على قاعدة "اللي بيضربك اضربه".. يحرم ولدنا أن يرتقي بتفكيره ليصل إلى وعي القرار ووعي السلوك Mindful behaviour، ويجعله في رد الفعل "اهجم" من دون تفكير أو مراجعة للذات أو للموقف، وبالتالي لا يستخدم الجزء العلوي والأرقى من دماغهUpper Brain ، والذي نتميز به نحن البشر عن الحيوانات، ومع الاستمرار في ذلك سيضعف الدماغ العلوي، ويقوم الدماغ السفلي بردة الفعل ذاتها في حياته كلما شعر بالتهديد، ربما ليس بالضرب ولكن على الأقل بالهجوم اللفظي غير الواعي، فيفقد القدرة على التفكير والمرونة والحوار في المشكلات التي يتعرض لها في حياته، مما يجعله عرضة لأن يخسر الكثير في المنعطفات الهامة التي تمر به والتي تتطلب وعياً ومرونة وحوار وبدائل.
دعونا نستغل المشكلات التي يمر بها أبناءنا لننمي شخصيتهم وذكاءهم وإبداعهم من خلال الكلمة الكنز "فكر"..
فكر ما السبب؟.. وفكر ما الحل؟.. لتكون أخلاقياً مبدعاً..
تناول المستوى الثالث من منهاج تفكر "جمال الاختلاف" بدائل عدم الشجار، وجهات نظر الآخرين، حل المشكلات، لتدريب الطالب على الحوار والبدائل والمرونة والإبداع لتنمية دماغه العلوي ووعيه الذاتي فيصبح واعياً بقراره مديراً لذاته ببراعة..
[icon name="icon-caret-left" size=""] تعرف إلى المستوى الثالث من منهاج تفكر
إنك لا تعمل عملاً - ولو كان صغيراً بحجم الذرّة - إلا ويكافئك الله الشكور عليه في الدنيا قبل الآخرة..
فلا تحقرن من المعروف شيئاً..
حقيقة إيمانية.. ما من أحد منا إلا وقد لمس أثرها في حياته.. بل وفي حياة من حوله..
أساس هام نرفع به إيماننا وإيمان أبنائنا.. ليبدد القيم الواهية التي تنشر شباكها على مجتمعاتنا التي مرضت بالأنانية واللؤم والعمل للمصلحة الشخصية دون الالتفات إلى الرحمة والحرص على الآخرين..
يقول المثل "اعمل خير وارميه في البحر".. أعتقد أننا يجب أن نكمل هذا المثل قائلين:
"والله سيخرج لك من البحر درراً وجواهر لأنه الشكور"..
قد تكون الجواهر حفظاً أو بركة أو كف أذى أو شفاء أو تيسير أو توفيق أو رزق أو محبة أو نصر أو بر الأبناء أو فتح أو علم أو هداية أو انشراح.. إلخ ما لا يحصى من النعم..
أنت مع الله في ربح دائم.. فافعل الخير من أجله وثق أنه سيكرمك..
حقيقة يجب أن نتغنّى بها مع أنفسنا وأمام أبنائنا في كل يوم ليقبلوا على الخير ويقدّروا فعل الخير مهما كان صغيراً..
عندما نذكر أبناءنا بحب أن الله الشكور يكافئنا على أعمالنا في الدنيا قبل الآخرة، ولكن بشرط:
أن نعمل العمل فقط ليرضى الله عنا.. ونقوم به بحب ورغبة من قلوبنا لا لأننا مكرهين..
فإننا سنربطهم بقاعدة إيمانية عميقة تقوم على التقدير والثقة بالله وبعطاء الله وبخير الله.. في الوقت الذي تحيط بأبنائنا الكثير من المشوشات التي تعمل على تلاشي تلك القاعدة في قلوبهم ليعيش أبناؤنا في فراغ تحكمه الأنا والعمل فقط لأجل إثبات الذات.. متناسين أن الله يكبّر الخير القليل ويربيه لنا ليبلغ مبلغ جبل أحد.. لأنه الشكور..
فعندما يطلب أحد المساعدة في المنزل يتقاعس الجميع (في العادة) .. وكل واحد يقول "اشمعنى أنا".. ولو آمن باسم الله الشكور لعلم أن الله سيكافئه في الدنيا قبل الآخرة عندما يساعد غيره لله ويخرج من أنانيته..
وعندما تسخر مجموعة من الطالبات من زميلة لهن في الصف.. يضحك الجميع ولا يتورع أحد عن رفض الموقف.. ولو آمنت الواحدة منهن باسم الله الشكور لعلمت أن الله سيكافئها في الدنيا لو رفضت الموقف بدل حرصها على مرضاة الناس بسخط الله..
وعندما تطلب طالبة مساعدة من طالبة متفوقة.. ترفض أو تشح عليها بالمعلومات حتى لا تتفوق مثلها.. ولو آمنت باسم الله الشكور لعلمت أن الله الشكور سيكافئها على مساعدتها في الدنيا بتوفيق وانشراح في الصدر يجعلها تذوق السعادة الحقيقة بدل أوهام السعادة التي يزينها الشيطان أمام أعيننا بتعظيم الأنا..
مفاهيم خاطئة أخذت تسود.. مع تقديم القناعة والمبررات لها باستمرار.. "لا تكون أهبل".. "تخليش حدا أحسن منك".. "تخليش حد يجي بطرفك".. " لا تقدم شي ما حدا بيقدّر".. ونسينا أن الله هو الشكور.. وأنه من يكافئك.. فقط اعمل لأجله..
تصرفات كثيرة انتشرت في مجتمعاتنا ومدارسنا وبيوتنا يندى لها الجبين.. يؤلمنا أنها تخرج من مسلمين.. ومن أصلاب المسلمين.. تظهر ضعف العلاقة بالله وضعف الإيمان والأنانية التي تفتك بصاحبها في الدنيا قبل الآخرة فتحرمه الجواهر والكنوز الربانية التي تساق له كل يوم عندما يفعل الخير لله.. كنوز من رضا وطمأنينة وانشراح في الصدر وسلام داخلي وبركة وتوفيق وحفظ وتيسير ورزق ومحبة وألفة بين الأبناء والإخوة والزوج والزوجة ونصر وهداية وبصيرة وكفاية وشفاء وولاية وغيرها من خير الله، الذي تعجز عن كتابته: لو أن ما في الأرض من شجر أقلام والبحار أحبارها..
التفكر في اسم الله الشكور وبركته في حياتنا ينشر الطمأنينة ويطلق بواعث الخير فينا بمحبة وطيبة..
كل مكافأة من الله الشكور تجعلنا نذوق السعادة والحياة الطيبة..
"مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"
يجب أن نغرس في أبنائنا أن كل خير نقوم به لوجه الله سيعود إلينا أضعافاً في الدنيا.. وكل عمل سوء سيعود علينا بسوء أيضاً.. "مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا".. والله هو الغني ونحن الفقراء..
"أنت مع الله في ربح دائم.. فافعل الخير من أجله وثق أنه سيكرمك.. وامتنع عن السوء لأجله وثق أنه سيكرمك"..
قاعدة إيمانية مهمة في مراقبة السلوك الذاتي ورفع الرقابة لدينا ولدى أبنائنا.. فنحن نفعل الخير لأجل نفع أنفسنا بالخير.. وليس لأن الله يحتاج إلى أعمالنا.. وسيئاتنا مهلكات لنا في الدنيا قبل الآخرة ولو زينها الشيطان..
قاعدة إيمانية تستحق أن نجعلها ديدناً في حياتنا وفي حياة أبنائنا.. وسنرزق ألطافها كوالدين عندما ي
الثقة بالنفس هي القدرة على مواجهة التحديات وحل المشكلات، وهذه القدرة تتكون من قدرتين:
أولاً: القدرة على إدارة المشاعر السلبية إلى إيجابية وبث مشاعر الارتياح عند الجزع أو الألم من خلال الصبر والتفكير الإيجابي.
ثانياً: القدرة على التفكير والعبور من المشاعر السلبية التي يفرزها موقف التحدي إلى إيجاد البدائل والحلول للمشكلة ومن ثم اتخاذ القرار واختبار الحل.
كثيراً ما تسيطر علينا المشاعر السلبية عندما نخفق أو نعاني، وللنجاح في إدارة المشاعر السلبية وتحويلها إلى مشاعر ارتياح، لتسهيل عملية العبور إلى التفكير وإيجاد الحلول هناك عدة استراتيجيات يمكنك استخدامها وتدريب أبنائك عليها:
ذكر نفسك وأبناءك بأن المشكلات تجعل ذكاءنا ينمو، ففكر بالبدائل والحلول بدلاً من أن تسخط وتحبط.
3- الخطأ لا يعني الغباء: هي قاعدة مهمة ليكتسب الإنسان القدرة على إدارة المشاعر السلبية وتحويلها إلى إيجابية وبناء الثقة بالنفس.
ذكر نفسك دوماً ألا تقارن وتعلم واشكر، وازرع ذلك في أبنائك لتربية أبناء يمتلئون رضا وحكمة وإيجابية وإبداع.
4- لا تقارن: كل إنسان قدّر الله له أن يولد باستعدادات مختلفة عن غيره، تجعل بعض الأعمال تسهل عليه أكثر من غيرها.
5- التركيز على الهدف: عندما نركز على أنفسنا ونظرة الآخرين لنا عند مواجهة التحديات فإننا نفقد التركيز على عملية إيجاد الحلول وتطبيقها.
6- مشاهدة الوفرة أثناء المعاناة: إن مشاهدة النعم المحيطة بنا أثناء المعاناة لا يقدر عليها إلا إنسان شاكر وإيجابي يمتلك نظرة كلية يرى فيها الصورة الكاملة.
تذكر أن تشاهد النعم المرافقة لك في المعاناة، وقل ماذا لو؟.. وما الحكمة؟.. لتبدأ مناطق أخرى.. في الصورة بالظهور بالتدريج لتتوسع الصورة وتظهر فيها الحياة والألوان حول البؤرة السوداء التي تريد أن تسحبنا بداخلها.
7- التسليم: نحن مأمورون بالعمل وليس بالنتائج، فالعمل الصالح واجب علينا، وأما النتائج فهي بأمر الله خاضعة لحكمته.
تحتاج هذه الاستراتيجيات السبعة منك إلى مراجعة دورية خاصة أثناء مرورك بمعاناة، لتزود نفسك باستراتيجيات تفكير إيجابية تساعدك على إدارة مشاعرك وتمكنك من التفكير بهدوء نفسي وإيجاد البدائل لتجعل من المعاناة وسيلة لنمو ذكائك العاطفي وإيمانك وإبداعك وثقتك بنفسك.
سواء وعينا أم لم نعِ.. كلٌّ منا يريد أن يشعر أن له قيمة في هذه الحياة..
لكن هل يمكن أن تسعى لتشعر بقيمتك ثم تزداد إحساساً بالنقص؟
وما هو الطريق الأسرع لإشباع حاجتنا هذه للإحساس بالقيمة وفق علم النفس الإيجابي وأبحاث الدماغ؟
كلٌّ منا بداخله حاجة أن يشعر بأهميته.. ببصمته.. بوجوده وبقيمته في هذه الحياة..
هناك صورة أو صور في العقل اللاواعي نستمد منها هذه القيمة، ثم نربط شعورنا بالرضا بتحقيق هذه القيمة، فإن لم نحقق هذه الصورة التي نستمد منها قيمتنا شعرنا بالتعاسة.
فهل يمكن أن نعيش في أوهام لا نصل منها إلى شيء؟
وهل يمكن أن تكون هذه الصور مجرد خيالات للوصول إلى السخط أو الوصول إلى سراب؟
كيف يصل الإنسان إلى الرضا؟
وكيف يشعر بسعادةٍ وقيمةٍ حقيقيةٍ لنفسه وفق علم النفس الإيجابي؟
إن مؤسس هذا العلم هو الدكتور مارتن سيلجمان الذي يضع من خلاله أسساً لتحقيق السعادة والرضا الداخلي وهي ثلاثة أسس:
لو تأملنا أسباب الرضا والسعادة الثلاثة لوجدناها تتطابق مع غايات الوجود التي يدعونا إليها إسلامنا العظيم، وهذا إعجاز علمي يثبت أن هذا الدين حق، وأن الذي شرعه للإنسان هو الذي أوجد هذا الإنسان ويعلم ما يرضيه وما يصلح حاله، ولكن كيف يكون كثير من المسلمين اليوم بهذا السخط ودينهم يدعو إلى تلك الأسس العلمية التي تؤدي إلى الرضا والسعادة والازدهار؟
1- هناك فارق بين ما يدّعيه الإنسان وبين ما يقوم به حقيقة، فإنسان يدّعي أنه يعيش وأمله بالحياة أن يرضى الله عنه، ثم يربط قيمته بالحياة بغير ذلك ستراه في سخط لأن حياته لم تسر معه كما يحلم، أو لأنه ليس الأفضل بين الناس، أو ليس الأغنى، أو ليس الأجمل، أو ليس في منصب اجتماعي رفيع، أو ليس الأكثر تميزاً، أو لأنه لا يعيش في البلد الأفضل، أو مع الزوج الأفضل، والأولاد الأفضل، والبيت الأجمل .. الخ
لا شك أن هذا الإنسان لا يدور همه في إطار غاية الوجود الأولى وهي طلب مرضاة الله، لأنه لو كان همّه الله لكفاه الله ما أهمه، ولشعر ببرد اليقين بحسن ظنه بالله فالله يعلم ما هو الخير له وهو لا يعلم.
إن هرمونات الدماغ التي تفرزها مشاعر الاقتراب من الله سبحانه من خلال الذِكر الواعي من أعمق الهرمونات التي تؤدي إلى ازدهار الدماغ والوصول إلى الرضا وبغيرها سيبقى الإنسان شاعراً بالضياع، فابدأ عباداتك بنية جديدة وهي الاقتراب من الله سبحانه، لا يهم أن تقرأ جزءاً من القرآن الكريم ولكن المهم أن تشعر بالقرب من الله أكثر وأنت تقرأ، ولو قرأت صفحةً بتدبّرٍ وأنت تُنمّي مشاعر محبة الله وخشيته وتعظيمه لكان خيراً من قراءة جزء من القرآن الكريم بدون وعي، وهكذا في سائر الأذكار والنوافل، يجب أن ننوي بعباداتنا نية الاقتراب من الله والهداية ولا نقوم بها فقط لأنها واجبٌ أو لنيل الأجر، حتى تتحرك هرموناتنا بعمق وتتحرك مشاعر الإيمان في قلوبنا، إن مشاعر الإيمان عندما تتحرك في أدمغتنا تفتح قنوات الرضا المغلقة في الدماغ وتبدأ السعادة بالنفاذ إلى مشاعرنا.
2- إن تقدم الإنسان في أهداف واقعية ينغمس بها من أسباب الرضا والسعادة شريطة أن تكون هذه الأهداف لغاية عُظمى وليس ليُقال عنا أننا الأفضل، ولربما كانت هذه النقطة من أضعف النقاط في واقع المسلمين اليوم، حيث أن تفكيرهم يتمحور حول الناس، ولا يعون حقيقة ما يريدون وما يُرضيهم بسبب غياب الحريات النفسية وانتشار التربية التسلّطية التي تفرض على الإنسان أن يعيش ليحقق "برستيج" معين وليس لأنه يعيش لقناعاته الذاتية، وعلاج ذلك أن يبدأ الإنسان بعمل يحب أن يقوم به ويكبر به بالتدريج لأنه يحبه ومقتنع به ولأنه يبتغي من ذلك مرضاة الله فيتمتع به ولا يتحدث به للناس حتى ينمو داخلياً ويزدهر دماغه.
3- إن الحب المشروط الذي يُقَدَّم للإنسان منذ صغره يعلمه الأنانية وشُحّ العطاء، فعندما يشعر الطفل بالرضا من ذويه فقط إذا قام بعمل معين ويُسلب هذا الشعور إذا لم يعمله، ستصله رسالة مفادُها ألا تعطي غيرك لله من دون مقابل، فيُحرم الإنسان شعور لذّةِ العطاء وبالتالي يكبر على المصالح والأنانية الذاتية، ونستطيع أن نعالج أنفسنا من هذا البلاء بالتدرّب على العطاء من دون مقابل والاستمتاع بالعطاء لله مع أهمية كتمان العمل ليزدهر دماغنا.
لو تأملنا هذه الأسباب التي تؤدي إلى ازدهار الدماغ flourishing وبالتالي إلى الرضا والسعادة وتأملنا الصور التي نعيشها بداخلنا والتي ربطنا الرضا والسعادة بتحقيقها، سنكتشف هل نسيرُ في طريق حقيقي لتحقيق السعادة، أم أننا نلاحق سراباً يرسمه الشيطان ويزينه لنصل إلى السخط وانعدام الشكر كما أخبرنا القرآن عن غاية عمل الشيطان في أدمغتنا "وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ" (الأعراف/17)
هذه الأسباب الثلاثة العميقة في الشعور بالقيمة الذاتية وتحقيق الرضا والسعادة لا تعني أن الإنسان لا يسعد مع أصدقائه أو عائلته أو في ممارسة هواياته أو في السفر والمغامرات وغيرها مما يُسعدنا ويُمتعنا، ولكن تعني أنه بدون إعطاء الأولوية لهذه الأسباب العميقة ستشعر بالضياع والتعاسة كلما خلوت بنفسك لبعدك عنها، وبالتالي فضحكاتك أمام الناس ستكون عبارة عن قناع تتجمّل به ووراءه كذبة كبيرة تعيشها، وتعاسة أكبر تتقدم نحوها كلما كبرت في السن.
عندما يشعر الإنسان بالضياع وضعف القيمة لأنه لا يسير على طريق صحيح يستمد منه قيمة حقيقة لنفسه تعتمد على الإخلاص ونبل العطاء ومعرفة نفسه سيلجأ إلى طرق خاطئة ومَرَضِية مح
تمر بنا أيام نشعر فيها أن ثقتنا بأنفسنا باتت واهية ونشعر بالحساسية من ريشة تمر بجانبنا وأنها تثقل على صدورنا، فكيف نخرج من هذا القبو الذي يضغط على أنفاسنا ويجعلنا نشعر بأنه لا قيمة لنا في هذه الحياة؟
أود أن أوضح بداية حقيقة علمية تساعدنا للخروج من هذا القبو، وهي أن الثقة بالنفس تنبع من الداخل، وهذه النقطة مهمة للغاية، فهي الحبل الذي نمده بداية لنخرج من هذا القبو الذي يضغط على أنفاسنا.
امتلاك آلية تفكير داخلية تقوم على المقارنة، بحيث أشعر أني رائع وأن لي قيمة إذا رأيت إنساناً بيته أقل من بيتي، أو شعبيته الاجتماعية أقل من شعبيتي، أو شهاداته أقل، أو وسامته أقل، أو قدراته أقل، أو علمه أقل، أو عائلته أقل.. الخ.. عندها أشعر أني أفضل منه فتنتشر مشاعر الارتياح بداخلي لامتلاك الأفضلية، وقد أشعر بالفخر عليه أو الزهو أو الكبر.
وأما إذا رأيت أو جالست من يفوقني في شيء من المظاهر التي يتفاخر بها الناس من مال أو جاه أو جمال أو صيت أو منصب أو أبناء أو علم أو شعبية اجتماعية أو نجاح معين عندها أشعر بأني أقل أو أني لا شيء فإما تتراجع ثقتي بنفسي أو أسعى للإساءة له ظاهراً أو باطناً لأرسم صورة جديدة له مشوهة بداخلي تبرد على قلبي ألم تميزه عني.
المقارنة هي آلة تفكير لا واعية تجعلنا نحفر بأنفسنا قبورنا لندفن فيها ثقتنا بأنفسنا، وهي آلية تفكير ربما اكتسبها البعض من آبائهم الذين كانوا يستخدمون أسلوب المقارنة لدفعهم للعمل، أو من خلال البيئات الصفية التي تدفع للتعلم من خلال المقارنة أيضاً، أو غيرها، والنتيجة أنه مع الوقت يصبح لدينا آلية تفكير لا واعية تقوم على فرز هرمونات السعادة أو فرز هرمونات التوتر من خلال المقارنة، لتجعلنا ننفش داخلياً بطريقة غير واعية أو نُحبط أو نغتاظ بطريقة لا واعية أيضاً.
وأؤكد لك بأن هذه النفشة الداخلية التي نشعر بها عندما نتعامل مع شخص نعتقد أننا نتفوق عليه لا تعني الثقة بالنفس بل على العكس هي علامة على تدني الثقة.
أولاً: الوعي بوجود المشكلة والرغبة الحقيقية في التخلص منها، إن صَدقنا مع أنفسنا هو الباب الأول للتغيير، أما التستّر على مُشكلاتها سيزيد المشكلة سوءًا، وهذه نقطة البداية.
ثانياً: أن ننتبه إلى هذا التفكير عندما يحدث بداخلنا ونخرجه للوعي ثم نوقفه بكلمة نقولها لأنفسنا:
"توقف أيه التفكير فإنك تؤذيني وتؤذي إيماني"..
وبالتأكيد ستؤذي غيرك أيضاً بهذا التفكير وأنت لا تشعر، وسَتُفاجأ يوم القيامة بميزان سيئاتك وقد لَمّ ما لم وأنت غير واعٍ بما تفعل، لأن التوتر الداخلي الذي تحدثه المقارنة يتحول إلى ألم يخرج من خلال الإساءة لغيرنا سواء شعرنا بذلك أو لم نشعر، ولا يمكن للتوتر أن يبقى محبوساً بداخلنا.
ثالثاً: أن نستبدل التفكير بالناس بالتفكير بأنفسنا، أي معرفة ما نريده نحن ونحبه ويجعلنا نستمتع ونشعر بالرضا، حتى لو كان ممارسة تمارين رياضية معينة لمدة 20 دقيقة يومياً، أو مجال علمي نحب أن نتعلمه ونبدع به مثل لغة جديدة نرغب بتعلمها أو نتقوى بها، أو عمل خيري نحب أن نتطوع فيه، أو مشروع صغير نريد أن نبدأ به، أو أي شيء نشعر حقيقة أننا نريده.
إذا كنت لا تعرف ماذا تريد وماذا يُسعدك ابدأ بأشياء صغيرة تحب أن تفعلها لتبدأ دائرة الوعي بنفسك بالاتساع فتتعرف على نفسك أكثر وتميّز ما يرضيك ويسعدك.
رابعاً: إذا كنت تعتقد أن ما يرضيك مرهون بما يقدمه الناس من أجلك فستزداد تعاستك يوماً بعد يوم وتصل مع الوقت إلى السخط التام وانعدام الثقة بالنفس، لأن الثقة بالنفس تنمو كلّما قدمنا للآخرين وتخلصنا من أنانيتنا، وتتراجع عندما ننتظر منهم المقابل، فاخرج من إطار التفكير بالناس وحاول أن تتعرف على نفسك وتُصاحبها بالتركيز على نموها وليس بتنمية التركيز على غيرك.
خامساً: إذا كنت ممن يدمن استخدام الهاتف أو الألعاب الالكترونية أو ما شابه فهذه علامة على تراجع ثقتك بنفسك، لأن الإدمان وسيلة للهروب من الواقع، حتى إذا ما عدت إليه وجدت أن الإحساس بالنقص يكبر بداخلك وأنك لا تدري هل تُقبل على الانتحار أو تزداد إدماناً فتدفن نفسك حياً أو ميتاً.
والصواب أن نعي أن هروبنا إلى الهاتف وإدماننا عليه هو علامة على تدني الثقة بالنفس، وأن الحل بالعودة إلى النفس وفهمها والاهتمام بها بما يصلحها ويسعدها.
سادساً: إيقاد شعلة الروح، إن إيقاد هذه الشعلة هو أسرع طريقة للرضا والارتياح وبناء الثقة بالنفس، هذه الشعلة توقد عندما نوجه بوصلتنا الداخلية نحو مرضاة الله بحيث يكون نيل مرضاة الله هو همنا الأكبر، أن يكون الله سبحانه هو همنا حقيقة وليس شعار نرفعه أمام الناس، وكشف الزيف في هذا الأمر أن يجن جنوننا من كلمة تمس كبرياءنا أو قرش نخسره أو نكتسبه فهذا علامة على خواء الباطن من التعلق بالله.
عندما يكون الله سبحانه هو أكبر همنا نستيقظ وقربنا منه هو غاية أرواحنا، فنفرز هرمونات السعادة كلما اقتربنا منه، هذه الهرمونات العميقة جداً في الدماغ تعالج هرمونات النفشة الشيطانية التي تفرزها آلية المقارنة المريضة، كما تعالج هرمونات التوتر التي تؤدي إلى تراجع الثقة بالنفس عندما نستاء من شخص يتميز علينا في شيء، فعندما نقبل على الله بصدق ونذكره بحب وصدق إقبال تتغير آلية فرز الهرمونات بحيث تصبح داخلية لتعتقنا من آلية المقارنة الخارجية التي تجلب لنا السخط وتراجع الثقة، فيتحول نظرنا اللاواعي من الناس إلى الله.
بداية نحتاج أن نصبر لتقوى أماكن فرز هذه الهرمونات في الدماغ، وتبدأ بالتدفق فتوقد الشعلة الداخلية التي تضيء لنا الحياة بنور يجعلنا نرى الله ونعرفه ونقدره سبحانه، فنقدر أنفسنا ونقدر غيرنا، ونفرح بعطاء الله لنا ولغيرنا، ونرى حكمة الله تتجلى في كل عطاء وفي كل
إجابة تأملية وفق أبحاث الدماغ
سؤال كثيراً ما طرح على المسامع وربما كان سبباً لنفور البعض من الدين لعدم مقدرتهم على إيجاد إجابة شافية.
فما السبب الذي يجعل أناساً من الفئة المتدينة تسيء السلوك وتسبب هذه الروابط السلبية للدين في أدمغة الناس، ليظهر ديننا الإسلامي السامي بمظهر العاجز عن تربية أولئك الأفراد وتزكية أرواحهم وقلوبهم، مما يفتن من يتعامل معهم فينفر من الإسلام أو يلحد أو يفقد الثقة بهذا الدين العظيم.
بداية نود أن نوضح حقيقة هامة بأن الدين يؤخذ من أصوله التي تمثلت في القرآن الكريم والسنة المطهرة التي نجحت في تربية مجتمع جاهلي ليصنع حضارة لا تغيب عنها الشمس، وإن الإساءات الأخلاقية التي يقوم بها الناس تعبر عن أشخاصهم وليس عن الإسلام، فالإسلام يمثله نبيه الكريم وهو أحسن الناس خلقاً، وسائر الأنبياء الذين صنعهم الله على عينه، وباقي البشر هم بين محسن ومسيء.
ولكن هذا لا ينفي الألم الذي نتجرعه عندما نجد من يدعى "التديّن" يكذب ويظلم ويفتري على غيره..، فكيف يمكن أن يفعل إنسان مثل تلك السلوكات التي تدل على انطماس بصيرته وهو يتكلم بالقرآن والحديث الشريف بل وقد يكون حافظاً للقرآن الكريم مما يجعل الناس تصاب بالذهول عندما ترى أن الفارق بين الحال والمقال كالفارق بين المشرق والمغرب، وحقّ لنا أن نذهل فكبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.
دعونا نفسر ما يحدث وفق أبحاث الدماغ لنعلم كيف أن ديننا العظيم بريء من تصرفات هؤلاء.
قد سبق وتكلمنا عن الدماغ العامودي المسؤول عن السلوك الأخلاقي، وهو الذي يمنحنا البصيرة والحكمة والوعي بما نفعل، وهو الجزء الهام بداخلنا الذي يتأثر بعملية تزكية النفس " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا " (الشمس/7-10)
أولاً: حتى تتم التزكية يجب أن يمتلك هؤلاء مشاعر إيجابية في منطقة اللوزة لأن مرور المشاعر السلبية فيها يحجب الحكمة والمنطق والأخلاق والبصيرة والوعي، فإذا تربّى الإنسان منذ صغره في أجواء شحنت دماغه بالغيرة أو الحسد أو الإحساس بالنقص أو السخط أو الغرور أو التكبر أو الخوف أو النفاق مثلاً، وكبر على هذه الحال وتديّن، ستكون مشاعره السلبية هي المسيطرة والموجهة لقراراته بحسب قوة هذه المشاعر السلبية لتحجب الوعي بما يَعرف من هذا الدين فيَخرجُ تصرفه عارياً من التأثّر بالدين موجهاً بمشاعر التوتر المشحونة في منطقة اللوزة.
ثانياً: حتى يغير الدين من هؤلاء الذين تربوا على هذه الأمراض القلبية يجب أن تكون مشاعر الإيمان أعلى من مشاعر الأمراض السلبية لتغلب وتهذب اللوزة ومنطقة ذاكرة المشاعر وهي الحُصين، وهذا لا يحدث إلا في حالة واحدة وهي أن يتألم الإنسان من أمراضه ويرغب في التغيير من خلال إيجاد البيئة الصالحة والإقبال على ذكر الله تعالى بتأمل وتدبر في آيات الله ليفرز هرمونات عميقة في الدماغ تطهّر منطقة اللوزة والحُصين، ليتوازن ويبدأ النور بالدخول إلى قلبه وعقله وتبدأ إشعاعات البصيرة بالنفاذ إلى قراراته وسلوكاته، وهذه العملية لا تحدث بيوم وليلة بل تحتاج سنينا، وتصبح أصعب كلما كبر الإنسان وتقدم في العمر، لأن الخلايا العصبية تكون قد أشبعت بهذه المشاعر السلبية.
وأما من يقرؤون القرآن فلا يجاوز حناجرهم فلن يستفيدوا من هذه القراءة لأنها غير واعية، وأما إذا كانوا يقرؤون القرآن ليقال قارئ ويظهرون بمظهر المتدين ليقال متدين فاعلم أن هؤلاء سيزيدهم تدينهم انطماساً في بصيرتهم لأن نيتهم خاطئة حتى في تدينهم، وهؤلاء هم أول من يُلقى في النار كما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلنجتهد أن نكون من الفئة الثالثة الطيبة الصادقة، ولا نفتن في أي فئة أخرى، لأن كل إنسان سيحاسب فردا، وكل إنسان مسؤول عن نفسه، قد أعذر الله إليه أن أمده بفطرة خير في أعماقه توجهه للخير، وأرسل له رسولاً صادقاً رحيماً، وأنزل معه كلامه من فوق سبع سماوات لنهتدي به عندما تضطرب أمامنا الرؤية، فنخرج من الظلمات إلى النور ونرتقي في مدارج الإيمان، وتصبح لوزتنا مشحونة بمحبة الله وتقدير عطائه، ومحبة خلقه ومحبة الخير لهم، ونصبح حقيقة نموذجاً وقدوة.
"أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الأنعام/122)
لا يخلو يوم إلا ونشكو فيه من معاناتنا من الطرق وتراجع أخلاق القيادة لدى الناس، حيث لا يعود الواحد منا إلى البيت إلا ويشعر كأنه عاد من "حرب شوارع"، ويجلس ملتقطاً أنفاسه شاكراً الله على عودته سالماً، فما هو السبب العلمي فيما يحدث؟
هناك عدة أسباب لكن أهمها يرجع إلى ما يحدث داخل أدمغتنا..
إن الدماغ العامودي هو الجزء المسؤول داخل أدمغتنا عن أخلاق القيادة.
يتكون الدماغ العامودي كما تحدثنا سابقاً من ثلاثة أجزاء:
1- جذع الدماغ الذي يوصل لنا المعلومات من خلال الحواس.
2- اللوزة وهي منطقة المشاعر، وهي تسيطر على ردة الفعل إنْ شَعر الإنسان بالخوف أو التوتر لتكون ردة الفعل واحدة من ثلاث: اهجم، اهرب، تجمّد.
3- القشرة الجبهية وهي منطقة القرار المنطقي والسلوك الأخلاقي.
تمرّ المعلومات التي نراها في الشارع عبر جذع الدماغ ثم إلى اللوزة ثم إلى القشرة الجبهية.
إذا كان الإنسان بشكل عام يعاني من التوتر فإن منطقة القشرة الجبهية سوف تُحجب عن القرار المنطقي وعن السلوك الأخلاقي ليكون إنساناً بطبيعة أحواله هجومياً بردود أفعاله (اهجم) أو انهزامياً (اهرب) أو سلبياً (تجمد)..
وهذا الإنسان لن يكون أخلاقياً بطبيعة الحال عندما يقود السيارة.
كثير منا يشعر أن أخلاقه قد تراجعت عند قيادة السيارة على الطريق وأنه لا يسيطر على ردود أفعاله، علمياً هذا صحيح بسبب أننا نشعر بالتوتر عندما نرى الاكتظاظ أو سوء أخلاق الناس أو نعاني من قلة أماكن الاصطفاف، مما يجعل القشرة الجبهية تُحجب عن القرار الأخلاقي فتسلّم رغماً عنها ردة الفعل لمنطقة اللوزة لتجعلنا هجوميين أو انهزاميين أو سلبيين.
1- يجب أن نراقب درجة التوتر لدينا عندما نقود السيارة بشكل خاص وفي حياتنا أيضاً بشكل عام.
2- نستطيع أن نقلل من درجة التوتر من خلال توجيه التركيز إلى ما يريح أعصابنا عند القيادة من خلال الاستماع مثلاً لترتيل نرتاح إليه للقرآن الكريم أو لموسيقى تساعد على الاسترخاء وذلك قبل أن ننطلق بالمركبة.
3- نستطيع أن ننتبه إلى التحدث مع الذات ونوجهه ليكون إيجابياً مثل:
4- نستطيع أن نستخدم استراتيجية التنفس لإزالة التوتر من الدماغ من خلال أخذ نفس عميق (شهيق) ونحن نعد (بداخل رأسنا) إلى الرقم ثلاثة، ثم نخرج (الزفير) براحة ونحن نعد (بداخل رأسنا) إلى الرقم أربعة. ثم نكرر العملية.
إن مراقبة درجة التوتر لدينا هي استراتيجية حياتية فارقة في نمو ذكائنا العاطفي وامتلاك الوعي الذهني (البصيرة) وهما أساس للنمو الذاتي والتميز والنجاح.
تستطيع أن تجعل من مشكلة سوء أخلاق القيادة سبباً للتمرن على إدارة المشاعر السلبية إلى إيجابية لتقوّي عضلات الذكاء العاطفي لديك لتنطلق في حياتك.
كما تستطيع أن تكون قدوة لغيرك عندما تشعر أنك نجحت في إدارة مشاعرك وتحسين أخلاقك لتنشر الإيجابية والأخلاق في مجتمعك..
وبدلاً من أن نلعن الظلام لنشعل شمعة على الأقل.. إن لم تضىء لغيرنا استمتعنا بنورها..
كم منا شعر بالصدمة أو الذهول عندما سمع ابنته تقول "أنا غير مقتنعة بالحجاب" أو ابنه يقول "أنا غير مقتنع بالدين" أو عندما اكتشف أن أحد أبنائه على علاقة غير شرعية أو ربما شاذة، بالرغم من أن البيت والعائلة تسير على طريق مرضاة الله وتلتزم ما استطاعت بالمنهج القويم!.
ربما نقول أن الأصدقاء هم السبب.. ولكننا نتفاجأ أن أصدقاء أبنائنا وبناتنا هم من عائلات محافظة وحريصة على التربية الإيمانية والأخلاقية ولكنهم أيضاً يعيشون الأفكار السلبية ذاتها. فما الذي يحدث في أدمغتهم ويؤدي بهم إلى ممارسات خارجة عن التفكير المنطقي وعن البيئة التي نشأوا فيها؟..
هناك سبب رئيس يجعل أبناءنا وأصدقاءهم ينغمسون في واقع افتراضي يعيشون بداخله يجعل كل ما يحيط بهم في الواقع يشعرهم بغربة كبيرة عن الوهم الذي يعيشون به، وهو إدمانهم على كثير من حلقات اليوتيوب (أو التلفاز) المتتابعة سواء كانت من إنتاج هوليوود أو إنتاج اليابان أو كوريا أو تركيا أو غيرها.. الممتلئة بالأفكار المسممة التي تجعلهم يتنمرون على إخوتهم ويتواقحون مع أبويهم، ويتمنون ارتداء الملابس الكاشفة التي لا تستر شيئاً، وينفرون من الملابس المحتشمة والتي يرونها باتت تقليدية تضفي عليهم صبغة التخلف الحضاري، لأن الدول التي تنتج مثل ذلك الإعلام ينظر لها على أنها "متقدمة"، فيتعلق أبناؤنا وبناتنا – وأخص بالذكر بناتنا لأنهم أكثر عرضة لذلك بسبب مكوثهن في البيت لمدة أطول - بشخصية ما في هذا المسلسل قد تعيش الفتاة وحدها في مطلق الحرية، تتمتع بالعلاقات غير المشروعة وقد تكون شاذة أيضاً، فيحيون معها حياة وهمية افتراضية تجعلهم يشعرون بغربة كبيرة ونفور عن واقعهم ويدندنون باسم الحريات غير مدركين أنهم قد فقدوا حريتهم الفكرية وتم استعبادهم نفسياً وفكرياً من خلال تلك المسلسلات الممنهجة، والتي تبدأ وقد يعتريها بعض البراءة، ثم تتدرج بإدخال الرذيلة ليتم استيعابها بهدوء وتقبلها من قبل أبنائنا، ليعيشوا في النهاية تناقضاً كبيراً في أعماقهم يهز ثقتهم بأنفسهم ويجعلهم يفقدون الهوية والبوصلة نحو أهداف واقعهم فيهبطون في منحدرات الأوهام.
ما يحصل في الواقع أننا لا نعلم حقيقة الكثير مما يشاهده أبناؤنا وبناتنا ولا يعلمون هم حقيقة تأثيره على أدمغتهم، ونعتقد معهم أن مثل تلك المسلسلات لا يمكن أن تؤدي بهم إلى الانزلاق فهُم من عائلات واعية، لكن الواقع يقول أن تأثير مثل تلك المسلسلات أكبر مما نتصوره أو يتصورونه، فهُم وإن لم ينحرفوا هنا أو هناك سيفقدون الثقة بأنفسهم وهويتهم ودينهم ويعيشون على الهامش في صراع نفسي.
1- ينبغي أن نبتعد عن النقد واللوم والاتهامات وننشئ علاقة صداقة مع أبنائنا وبناتنا لنكسب ثقتهم فيصغون لنا، وكم منا قد دمر هذه العلاقة من أجل علامة مدرسية أو أسباب تافهة ثم انصدم عندما وجد ابنه أو ابنته على حافة الضياع وهو يطالبه في المثاليات، ولنعِ أنه كلما تدنى تقدير الذات عند ولدنا أصبح أكثر عرضة للخضوع لسيطرة مثل تلك المسلسلات على عقله أو للإدمان عليها بشكل عام.
2- ينبغي توعيتهم مسبقاً وباستمرار وكشف الستار عن السعادة الواهمة التي تزينها الشاشات من خلال إظهار الدراسات الإحصائية عن الغرب عن حالات الإدمان ومحاولات الانتحار والمداومة على الحبوب المهدئة للتعايش مع ألم الواقع الذي يعيشون به بسبب ابتعادهم عن طريق الله وانغماسهم في عالم الشهوات.
3- ينبغي توعيتهم مسبقاً ودائماً عن خطورة مثل تلك المسلسلات على الإيمان والسلوك والهوية والتوازن النفسي، وعن السيطرة الفكرية للحضارات الغالبة، ستجد قصصاً لا حصر لها عن المشكلات الكبيرة التي سببتها تلك المسلسلات أثناء بحثك على الانترنت، والتي وردتنا أيضاً من أطباء نفسيين، فهناك فتاة ألحت على والديها بالسفر للدراسة، لتعيش بالطريقة التي تؤديها بطلة المسلسل، وهناك فتاة انحرفت وأصبحت شاذة وهي تظهر أمام الناس بأنها الفتاة المثالية، وهناك من أصبح لديها اضطراب نفسي بسبب أنها تعيش في واقع افتراضي لا تستطيع أن تحققه فأصيبت بالاكتئاب أو تمنت الانتحار، وهناك من حصرت كل تفكيرها وطموحاتها بانتظار الشاب الذي تعيش من خلاله الواقع الافتراضي الذي تحلم به، ثم باعت نفسها لأول ذئب يقترب ليجرها إلى عالم لا نهائي من الرذيلة والضياع، وهناك من خلعت الحجاب لتلقي عن كاهلها عبأ الرجعية والتخلف وهي تظن أنها أصبحت متحررة، وهناك.. وهناك..
قصص لا تعد ولا تحصى والسبب: هو عدم معرفتنا أو إدراكنا – أو إدراكهم- لعمق الروابط التي تحدث في أدمغة أبنائنا وبناتنا جراء تلك المشاهدات المتكررة وأخص بالذكر "المسلسلات".
4- ينبغي أن نتحرى عن كل ما يشاهده أبناؤنا وبناتنا ونعلم حقيقة تأثيره عليهم – خاصة ما يشاهدونه على هواتفهم ونحن نظن أنهم يراسلون أصدقاءهم على الواتساب، ونمنع منعاً باتاً متابعة أي من تلك المسلسلات "من دون تهاون"، يجب أن نناقشهم ونقوم بعمل بحث معهم على تأثير تلك المسلسلات لإقناعهم ولكن لا تنسوا أن تعلقهم بتلك المشاهدات سيجعل الاستماع لكم أمراً صعباً أحياناً، بسبب الهوى الذي يغلب عليهم، لذا يجب أن تتم مناقشتهم ثم عدم السماح بتلك المشاهدات المتواصلة بغض النظر عن قناعاتهم التي قد لا تملكون مفاتيحها بداية، ولكن يجب توفير البدائل خاصة لبناتنا اللاتي يحتجن أكثر من أبنائنا لأنشطة رياضية وفكرية وفنية واجتماعية تفرغ العاطفة المتأججة التي تضطرم بداخلهن.
5- ينبغي أن نهتم بإنشاء روابط إيجابية في أدمغتهم تحبب لهم كل ما يدعو إلى الصلاح، من خلال إبراز القدوات الصالحة، وجمال وروعة هذا الدين، وقصص المهتدين، والاهتمام بجمال لباس بناتنا الشرعي وأناقته، ليشعرن بالثقة في عالم تهاجم فيه الفتاة المحتشمة وينظر لها على أنها رجعية، ولا أدري كيف استمرأ هذا العالم التعري والفجور على أنهما مظهران للتقدم، ولكن روابط الدماغ تصنع المعجزات!
6- ينبغي منح الحرية والثقة لأبنائنا وبناتنا مع حرصنا على التربية الإيمانية، حتى لا نمنحهم حجة يستغلونها من أجل الانحراف.
وأنا أرى أن بناتنا قد تعرضن فعلاً لقمع كثير من الحريات تحت مظلة العادات والتقاليد وخوفاً من كلام الناس والتي لا ش
تُفتح أمام أبنائنا كل يوم أبوابٌ تجرفهم لعالم من الضياع، لا يمكن أن تحفظهم من شرورها إلا إذا امتلكت درعين لحمايتهم:
الدرع الأول: درع الإيمان وغرس محبة الله في قلوبهم وأرواحهم خاصة في الصغر، ويكون ذلك من خلال تفكرهم في أنفسهم وفي الكون لمشاهدة إحسان الله ورحمته وكرمه وحكمته وقدرته وإبداعه، فيصبح لديهم معرفة بالله وإيمانٌ يمتلئ باليقين، وحسن الظن بالله يجعلهم يخشونه ويطيعونه بحب وهو جوهر معنى الإسلام والعبودية.
الدرع الثاني: علاقتك الإيجابية بأبنائك عندما تكون حريصاً ألا تخرج منك كلمة جارحة لولدك، وتقول له ما في نفسك وأنت حريص كل الحرص أن تتكلم معه بأحسن الطرق وأكثرها أدباً ورفقاً كما لو أنه أعز وأحب أصدقائك إلى قلبك سيستمع ولدك إليك وسيلجأ لك يوم تفتح أبواب الشرور أمامه ولا يدري ماذا يفعل، ولكن شرطُ ذلك أن تكون حريصاً في تعاملك معه منذ الصغر. وتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على سواه". أما إذا لم تراعِ ذلك وهو صغير ثم جئت تحاول ترقيع ما فعلت معه بعد أن هدمت الثقة بينك وبينه، ستحتاج إلى وقت وصبر لإعادة الثقة، ولكن الأمر يستحق، فستكسب ولدك أو ابنتك من جديد، ولكن ستبذل جهداً مضاعفاً ربما يصل إلى عشرة أضعاف ما نبذله في الصغر، وذلك كفارة الإساءة إليهم في صغرهم.
كثير من الآباء والأمهات يستعرضون عضلاتهم على أبنائهم وبناتهم لسكرتهم بنشوة "السلطة" فلا يراجعون أنفسهم استقواء على هؤلاء الصغار، فتراهم يرسمون لهم ما يجب أن يفعلوه أو يسيروا عليه وإن لم يفعلوا فسيمطرون وابلاً من السخط فوق رؤوسهم، ثم ما يلبث الطفل أن يراهق فيبدأ في خطة الانتقام ليتمرد ولكن إلى أين مع الأسف؟.. سيتمرد والجاً أبواب الشرور.
ولنعطي مثالاً على ذلك: مشكلة خطيرة انتشرت بين شبابنا، وهي أن غالبية أبنائنا المراهقين يشاهدون المواقع الإباحية، وبعضهم قد يدمنون عليها ويبدؤون في تناقل هذه المواقع بينهم في عمر 11 و12 سنة، فماذا نفعل؟
دع أبناءك يضعون حلولاً للأسباب التي تدفع الشباب لهذا النوع من الانجراف، وكأنهم يعالجون مشكلات غيرهم، لأن هذا التفكير سيكسبهم الوعي في المحافظة على أنفسهم، ومثال ذلك: خطورة الفراغ، وخطورة امضاء وقتٍ طويلٍ على الانترنت، وأهمية استبدال ذلك بالإقبال على الرياضة وممارسة الهوايات، وأهمية اختيار الرفقاء. تستطيع أن تنشئ هذا الحوار الإيجابي مع أبنائك لحمايتهم من أبواب الشرور، ولكن تذكر أن ثقتهم بك وصداقتهم معك هي المفتاح الأول لقبول أفكارك فلا تخسرها من أجل أي شيء، وتذكر أهمية أن تتسامح مع أخطائهم ولا تكبرها حتى لا يخافوا أن يحدثوك بها ويكشفوا لك بابًا من الشر قد دخلوه غفلة وضعفًا. ولا ننس أن ندعو لهم كل يوم أن يتولاهم الله بحفظه ورعايته وينبتهم نباتًا حسنًا إنه ولي كريم.
"رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا" (الفرقان/74)
انتشرت ألعاب الفيديو ودخلت كل بيت، ولذا يجب معرفة تأثيرها الحقيقي على الدماغ من حيث النفع أو الضرر، خاصة وأنها أصبحت جزءً من حياتنا وحياة أبنائنا، مما يعني قدرتها على تشكيل الدماغ بسبب المداومة المستمرة عبر سنوات البناء.
تؤثر ألعاب الفيديو على أهم مناطق في الدماغ، وهي ذاتها المناطق المسؤولة عن التعلم والدراسة، وهي: القشرة الجبهية Prefrontal cortex ، الحصين Hippocampus ، اللوزة Amygdala.
أولاً: اللعب الإيجابي
فوائد هذا اللعب: أنه يساعد على التركيز في عدة مثيرات في الوقت ذاته، كما يساعد في دقة الملاحظة خاصة البصرية، ودقة استخدام أصابع اليد، ويوسع من الذاكرة البصرية، إضافة إلى المتعة وتقليل التوتر، لكن يجب الانتباه إلى أن السعادة التي تفرزها الألعاب هي سعادة قصيرة وليس عميقة، مثلها مثل سعادة تناول الطعام.
ثانياً: التعلق العالي باللعب لدرجة الإدمان
وهو الأسوأ تأثيراً على الدماغ، حيث يؤثر اللعب على الدماغ كما تؤثر المخدرات، مثله مثل أي نوع من الإدمان.
والسبب في هذا الإدمان أن ألعاب الفيديو تفرز هرمون الدوبامين، مما يجعل الشخص عرضة للإدمان، فيفقد القدرة على التركيز والانتباه، والتحكم بانفعالاته، كما يؤثر في قدرته على التعاطف ومرونته وسلوكه الأخلاقي، ويقتل الإبداع، ويؤثر على الصحة أيضاً من خلال اضطرابات النوم والنظام الغذائي، وضعف النظر، وتضرر العمود الفقري والرجلين والأصابع، والسمنة، كما أن له أثر في تدمير الكثير من العلاقات الشخصية، فيصبح الإنسان عرضة لاضطرابات نفسية مثل العزلة والاكتئاب.
ندمن عادة بسبب الشعور بالوحدة، أو الفراغ، أو الملل، أو بسبب مشاكل اجتماعية أو أسرية أو مادية نريد أن نتناساها، أو بسبب جوٍّ يفرضه الأصدقاء لا ننتبه إلى عواقبه.
إن لم يكن الشخص مدمناً ولكن متعلقاً باللعب بدرجة عالية، فإنه أيضاً سيواجه بعض الأخطار الشبيهة بالإدمان وهي عدم تركيزه في الدراسة والشعور بأنها مملة وغير جاذبة، كما يؤثر اللعب بساعات كثيرة على صلاته، صحته وحركته، أولويات حياته، وسيكون أسيراً في قفص اللعب مما يجعل تطوره يتجمد في ميادين أخرى مثل التطور الجسدي، الإيماني، العلمي، الثقافي، والاجتماعي.
يحتاج العلاج إلى دعم من الأسرة والمحيطين، والحوار الإيجابي مع الشخص من خلال مناقشة ضرر الإدمان صحياً، نفسياً، اجتماعياً، وإيمانياً، وأن عقلنا وجسدنا أمانة لدينا من الله سبحانه، وعلينا أن نحافظ عليهما، وإلا نحاسب ونأثم.
يجب أن يستوعب الأهل أن الإدمان بحاجة إلى دعم ومساندة لا إلى التوبيخ، وأن الأمر يحتاج إلى وقت وإلى تغيير نظام الحياة بالتدريج لعلاج الضرر الذي أصاب الدماغ من الداخل، وربما يحتاج إلى تدخّل من طبيب نفسي.
فلنتقِ الله في أبنائنا، فأخطاؤهم – عادة – مرآة لأخطائنا.
ولنغيّر من سلوكنا أولاً ليغيروا من سلوكهم.
ونحن الآن على أعتاب بدء الدراسة٬ أحببت أن أجيبكم على سؤال كثيرٍ ما طُرح عليّ وهو "كيف نجعل أبناءنا متفوقين دراسياً بحب ورغبة من الداخل؟" كلّ منا يتمنى من أعماقه تفوقاً دراسياً لأبنائه، ومن أجل ذلك قد نستخدم عدة أساليب منها الصحيح ومنها الخاطئ، فلنركز عدستنا التربوية قليلاً في هذا الشأن.
إن دفع أبناءنا للتفوق من خلال النقد والتوبيخ واللوم والحبس والإهانة هو أسلوب خاطئ مئة بالمئة، وستجد ضرره على مدى الأيام لأنه يدمر تقدير الذات، وإذا تدمر تقدير الذات سيعاني ولدنا في حياته وسيمتلك شخصية مهزوزة مترددة سلبية متشائمة غير متوازنة.
إن دفع ولدنا للتفوق من خلال زرع التنافسية في أعماقه، بحيث يجن إذا سبقه أحد، وبالتالي يبذل الجهد المستمر ليبقى هو في المقدمة لا غيره هو أسلوب خاطئ أيضاً يجعل قلبه مريضاً بتقديس "الأنا" وكره الخير للآخرين، ويقتل الإبداع في نفسه، لأنه سيكتسب عقلية ثابتة fixed mindset ترى نجاحها في أعين الآخرين وتتألم كلما تفوق غيرها، وتخشى المغامرة والإبداع حتى لا تتعرض للفشل أمام الناس.
إن دفع أبناءنا للتفوق من خلال زرع قيمة رضا الوالدين في نفسه ثم استغلالها من خلال ربط الرضا المشروط بالتحصيل الدراسي هو أسلوب خاطئ أيضاً لأنه يجب أن يتفوق أولاً من أجل قناعاته وليس من أجل قناعات الآخرين، وهذا الربط سيكسبه أيضاً عقلية ثابتة لأنه يعمل لأجل الناس لا لأجل قناعاته.
إيقاد الدافع الداخلي "النية الصحيحة". والتي نستدل عليها بسؤال "هل تعلم لماذا يجب أن تدرس؟" اسأله واستمع له وأكد الأفكار الصائبة التي تحدث بها مثل "أحب أن أكون إنساناً مميزاً.. أحب أن أؤدي واجبي.. أحب أن أكون قدوة أمام إخوتي، أحب أن يرضى عني ربي، ويرضى والداي".
قوة العادة هي قاعدة التفوق في أي مجال. يجب أن نستثمر قوة العادات وتأثيرها السحري على الدماغ لتحصيل التفوق الدراسي ونبدأ مع الطفل منذ الصغر (وحتى لو كبر أيضاً يستطيع أن يؤسس العادة).
العادة بحب تحتاج وقتاً وصبراً ولكن نتائج العادة مذهلة، تؤثر في ولدنا مدى حياته، في نجاحه، وفي سهولة تكوين عادات أخرى تدفعه للنجاح في ميادين مختلفة، وبالتالي تربية أبناء مميزين أنقياء محبين لله وللناس ولمجتمعهم.
هل تعلم أنك إذا طلبت طلباً من شخص ما بصيغة الأمر فإن دماغه يفرز توتراً يجعله يشعر بتثاقل في داخله لينفّذ ما طلبت؟!
ماذا نفعل إذن؟، كيف نجعل الناس يلبون إرشاداتنا بحب؟.
تشير أبحاث الدماغ إلى أن الإنسان عندما يسأله أحد شيئاً بدلاً من أن يأمره فإنه يفرز هرمونات الراحة، وتنطلق الهرمونات التي تثير الدافعية الداخلية ليُقبل عليك بسرور.
ومثالاً على ذلك: أننا إذا قلنا لولدنا قم وادرس فإنه يتوتر وتتراجع دافعيته حتى لو لبّى الطلب، ولكن إذا طلبنا منه ذلك من خلال استخدام السؤال بلطف وليس فعل الأمر سيُلبي براحة وتنطلق دافعيته. مثلاً أن نقول له: كيف يمكن أن ترتب برنامجك اليوم لتتفوق؟ بماذا تريد أن تبدأ؟ أو.. ماذا يمكن أن تفعل اليوم لتكون راضياً أنك أديت ما عليك؟
تذكر أنه كلما زادت الأوامر أصبح الولد "يطنّش" وبالتالي تبدأ المشاكل وتتوتر العلاقة بيننا وبينه.
تصرف بذكاء، واطرح سؤالاً يجعله يفكر كيف يقوم بالشيء لأجله لا لأجلك أنت، ليكون هو إنساناً رائعاً، مجتهداً، مبدعاً، نظيفاً، خلوقاً ومطيعاً لله.
أصبحت إقامة العلاقات غير المشروعة بين أبنائنا وبناتنا أمراً شائعاً مع الأسف، لدرجة أنه كاد أن يكون شيئاً طبيعياً بحجة دواعي الانفتاح أو وهم الزواج وضغوط الحياة.
وللأسف نجد أن هذا الأمر طال أيضاً بعض الأسر المحافظة، حيث لم يمنع تشدد الرقابة والتقييد بناتنا وأبنائنا أن يقيموا علاقات غير مشروعة على الأقل عبر الهاتف في غياب رقابة الوالدين ورقابة الذات، وإني لأجد أن الموضوع يحتاج إلى نشر الوعي بيننا وبين أبنائنا، حيث أن هذه الظاهرة تتفشى بشكل أوسع يوماً بعد يوم، والطرق التي نتعامل بها عامة لمواجه المشكلة غدت شبه قاصرة، فما الحل؟..
نحن جميعاً نعلم بأن بناء الإيمان في الصغر يولد الرقابة الذاتية التي تفصل بين السلوك المحرم والسلوك الحلال، وهذا شيء مهم في الصغر.
وهناك شيء مهم يجب أن نقوم به أيضاً عند دخولهم سن المراهقة، وهو تزويدهم بمطعوم وقائي للعقل لينظر بوعي للخطر الذي يحيط به تجاه هذا السلوك الخاطئ، وهذا المطعوم هو:
"تفكر في الحكمة من تحريم هذا النوع من العلاقات"
عندما تتكرر هذه النقاط وغيرها على مسامع أبنائنا تصبح قناعة تجعلهم يحذرون من إقامة العلاقات غير المشروعة ويتجنبونها.
• نتمنى من الآباء والأمهات.. استيعاب أبنائهم وفتح مجال الحوار معهم والابتعاد عن الشدة وتقييد الحريات والتعامل من دون ثقة مما يدفعهم إلى المزيد من الإساءة لأنفسهم.
كما نرجو إحاطتهم بالحب والقبول، فغالبية العلاقات غير المشروعة هي سبب للحصول على القبول بسبب عدم تقبل الأم لابنتها في البيت واشعارها بالرفض، وعدم تقبل الأب لولده واشعاره بالرفض، مما يضطرهم للبحث في حجر الشيطان عن كيفية الحصول على الحب والقبول، وذلك يحدث بسبب جهل الآباء أن الإحساس بالقبول هو حاجة تتعلق بالتوازن، فينحدر أبناؤنا باحثين عن اشباع لهذه الحاجة، ويبدؤون رحلة التخبط والضياع، فاتقوا الله في أبنائكم.
• وإني لأوصي أبنائي وبناتي الشباب والشابات في الإقبال على الدعاء في أن يعافيكم الله من تعلق غير مشروع، ويحفظكم من كل سوء، وأوصيكم بالصبر والتقوى، والإيمان بأن الله هو الرزاق الكريم، يعوضكم خيراً ويرزقكم بتقواكم سعادة الحياة الدنيا والآخرة، الحياة الطيبة، الحياة الأغلى. ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب)، (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً).
عندما يخطئ ولدنا فيتعرض للّوم أو التوبيخ أو التهديد سيتعلم أن الخطأ يؤدي إلى الشعور بالخزي وسيصبح لديه خوف من التعلم، إضافة إلى أن تقدير ذاته سيتراجع، ومع تكرار هذا السلوك سيصبح لديه عقلية ثابتة Fixed mindset.
وعندما يخطئ ولدنا فتكون ردة فعلنا مشجعة له للتعلم من هذا الخطأ، من خلال تقبل الخطأ وإدارة حوار إيجابي معه مبني على الثقة فيه وفي قدراته تجعله يفكر كيف سيتعلم من خطئه، فإن مرونته وحبه للتعلم سيزداد، وكذلك ثقته بنفسه. ومع تكرار هذا السلوك سيصبح لديه عقلية نامية Growth mindset.
تقول جين نيلسين (Nelsen, 2017) خبيرة الضبط الإيجابي:
"إن الكثيرين منا قد تعلموا أن الأخطاء مخزية وأننا عندما نخطئ فإننا قد نقول لأنفسنا:
- لا تقبل على التحديات أو المجازفات خوفاً من الخطأ أو الفشل.
- عندما تقترف خطأ عليك أن تخفيه – حتى لو اضطررت أحياناً للكذب.
- جد تبريراً لخطئك حتى لو اضطررت للوم شخص آخر عليه.
- أنت كامل ولا تخطئ وتحايل إذا ظهر غير ذلك.
- اشعر بأنك إنسان سيء عندما تشعر بأنك غير مثالي. " انتهى.
لتكوين عقلية نامية استغل الأخطاء للتعلم والنمو:
ومثال عملي على ذلك عندما يحصل ولدنا على علامة متدينة في الامتحان، فإذا قمنا بلومه أو توبيخه أو تهديده أو مقارنته بغيره سيكتسب عقلية ثابتة إذا تكرر سلوكنا، وسيفكر بالطرق القامعة للنمو الفكري التي تحدثت عنها جين نيلسين، وإذا حاورناه بإيجابية وثقة: "هل تريد أن تحسن من هذا الوضع؟ ولماذا؟.. وما هي خطتك؟".. الخطأ فرصة للتعلم والنمو، ثم شجعناه لأننا نرى أن ثقته بنفسه والعقلية التي تتكون لديه أهم وأكبر بكثير من علامة يحصّلها اليوم وتنسى غداً.
سبق وأن عرفنا العقلية النامية بأنها: العقلية التي تحب التحدي، ومعيار احساسها بالنجاح هو متعة التعلم والمحاولة، بغض النظر عن النتائج، بعكس العقلية الثابتة التي تَعتبر أن نظر الناس لها هو معيار النجاح والفشل، فتتجنب التحدي خشية الوقوع بالفشل لتتجنب نقد الناس، وبالتالي لن تبدع ولن تتطور كما ينبغي لها، كما أنها لن تتعلم من مميزات الآخرين بسهولة لأن تميز الآخرين يُشعر العقلية الثابتة بالتهديد والفشل، لأنه إمّا أن يكون الأفضل في كل شيء أو سيكون فاشلاً.
فكر معنا هل قمت بأخطاء من هذا النوع وتبت منها.. شجع غيرك على حبك للتغيير نحو الأفضل.
سؤال كثيراً ما يتردد على ألسنة الآباء.
لا شك أن أبناءنا يواجهون تحديات ليست سهلة في أيامهم هذه، ولكن هل تعلم أن تعاملك مع ولدك هو السبب الأول الذي يدفعه ليكون مقلداً ومتبعاً بدون وعي؟!
ربما تقول أن الأصدقاء هم السبب، وربما تقول أن الإعلام هو السبب، وربما تقول أن المدارس هي السبب.
ولكن ثق بي!! فنحن السبب الأول الذي يدفع بأبنائنا إلى التصرف غير الواعي وإلى "التقليد".
ويرجع ذلك إلى تعاملنا معه عبر الأيام التي تمر به منذ أن كان صغيراً وما تحمل في طياتها من رسائل تشكل لديه تقديراً إيجابياً أو سلبياً عن نفسه، فكلما شعر بعدم القبول أو عدم الاحترام أو عدم التقدير نتيجة النقد أو اللوم أو المقارنات أو أي تصرف منا يكسبه مفهوماً سلبياً للذات مع الأيام، يجعله يشعر بأن لا قيمة له. فيفقد الثقة بالنفس والوعي الذاتي الذي يرتبط بتقدير الذات، وهو الذي يجعل الإنسان يميّز بين الخطأ والصواب ويمنحه المنطق والبصيرة، وهو يَضعُف بشكل كبير مع التوتر وتدني تقدير الذات، مما يجعله عرضة للانزلاق والتقليد والتبعية، فيبحث ولدنا عن شيء يلتقطه من هنا وهناك - من دون وعي - يعتقد أنه سيمنحه قيمة،
ولو كان دخول جحر الضب الذي أنبأنا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والذي لا يدخله عاقل.
فهلّا راقبنا تصرفاتنا، ومنحناهم التقدير والاحساس بالقبول، لنحصنهم من الانزلاق، ونبني تقدير الذات الذي يطلق دافعيتهم نحو المعالي والاعتزاز والاستقلالية؟
نعم نستطيع أن نغير الآن.. وسيتغير حال أبنائنا إلى الأفضل.