تمرّ اللحظات التي تختبرنا... لا بكم نعرف، بل بكيف نشعر. حين يُسمع صوت في السماء، لا ينتظر الطفل شرحًا، بل نظرة مطمئنة. لا يسأل: "ما هذا؟" بل يبحث في عيني أمه عن الأمان.
لكلّ عمر طريقته في التعبير، ولكلّ نفس مساحة مختلفة في استقبال الأحداث. الصغير يلتجئ إلى الحضن، إلى صوتٍ هادئ يهمس: "الله معنا"، إلى لعبة يعرفها، إلى قصةٍ تُقال بنبرة محبّة. الطفل الأكبر، يبدأ بالسؤال. لا يريد كل التفاصيل، بل يحتاج إلى وضوحٍ مشبع بالسكينة. أن نقول له بثقة: "هناك رجال كرام يسهرون لحمايتنا، ونحن الآن بخير، والله أقرب إلينا من كل شيء."
أما من كبر فكرُه ونما وعيه، فهو لا يبحث عن إجابة بقدر ما يبحث عن احترام لما يشعر به. قد يصمت، أو يتأمل، أو يطرح تساؤلاته بتردّد. وما يحتاجه هو صدرٌ يسمع، وكلمة تقدّر، وحوار يفتح له بابًا لفهمٍ أعمق... لا لإقفال مشاعره. في هذه اللحظات، الأم ليست مطالبة بإلغاء الحدث، ولا بتقديم أجوبة كاملة، بل بأن تكون مرآةً للسكينة. فالقلق مشروع، والخوف طبيعي، لكن السكون ينتقل بالعدوى مثلما ينتقل الاضطراب. وما ينقله وجه الأم، يسكن قلب الطفل قبل أيّ كلمة.
أن نحمي أبناءنا لا يعني فقط أن نُبعدهم عن الأصوات، بل أن نقرّبهم من الله، من ذواتهم، من محبتنا، من كلمات تدفئ الروح وتزرع الثقة في داخلهم. أن نعلّمهم أن الحياة مليئة بالمواقف المختلفة، وأن قلوبنا متى ما تعلقت بالرحيم، سكنت. في كل لحظة صعبة، فرصة لتثبيت قيمة، وتعزيز علاقة، وبناء أمن داخلي يبقى. فليكن حضورنا مع أطفالنا مرفأ استقرار، لا تعبيرًا عن الخوف. ولنعلّمهم، بالحبّ، أن السلام يبدأ من الداخل، وأن الله أقرب إليهم من أيّ صوت عابر في السماء.
مها شحاده
الحياة تجربة كبيرة للتعلم ليس الهدف منها أن تكون مثالياً بل أن تتعلم من الأخطاء السابقة حتى لا تكررها
فلا توجع نفسك لأنك أخطأت فأنت بشر لا يمكن أن تكون مثالياً أو ملاكاً بل خلقت لتتعلم..
حوّل تفكيرك من سلبي مؤلم إلى إيجابي بنّاء بتذكير نفسك أني تعلمت وسأحرص ألا أعيد الخطأ!
أنا بشر!
سأنمو وأصبح أقوى لأني تعلمت!
الحياة تجارب!
وكلما أعادك تفكيرك لنقطة "الألم من الخطأ" عد به لنقطة "أنا بشر! ولقد تعلمت وكبرت بتجاربي وأصبحت أقوى!" ليركز دماغك على ما تريد لا على ما يريد!
إن كان هناك ما يحتاج إلى توبة فتب إلى الله فتشعر بعبوديتك لله وتعلو فوق أخطائك ..
تذكر حديث رسول الله ﷺ :
لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم. رواه مسلم.
من الطبيعي أن تخطئ فأنت بشر.. لكن إن لم تتقبل أنك بشر تخطئ فأنكرت الخطأ أو لمت غيرك أو سيطر عليك ألم أنك تخطئ فلن تتعلم وتنمو بل ستبقى في صندوق مظلم..
حرّر نفسك!
ثقافة خاطئة منتشرة جداً في مجتمعاتنا تحرمنا النجاح في تربية أبنائنا والاستمتاع بعلاقتنا معهم، بل وتمنع نموّهم العاطفي والمنطقي وهي "التعامل مع الخطأ".
مثلاً: عندما تَرِدني أنا كأم أو كأب ملاحظة من المدرسة أن ولدي ينسى حل واجباته.. ما هي ردة الفعل الدارجة تجاه هذا الخطأ؟
خيبة الأمل؟ التأنيب؟ التهديد؟ الوعظ؟..
ماذا سيتعلم الولد.. أن يخفي خطأه؟ أن يكره نفسه؟ أن يشعر بالإحباط والدونية؟
من الممكن أن نستغل وجود أخطاء لأبنائنا ونحولها لفرصة لتعليمهم مهارات التفكير وتنمية الذكاء ورفع الثقة بالنفس من خلال تعليم مهارة حل المشكلات بدلاً من التأنيب والإحباط.
يجب أن تسأل ولدك بثقة وحسن ظن ومن دون تخويف:
لماذا تنسى حل الواجب؟ فكر ما هي الأسباب التي تجعلك تنسى؟
ثم تستمع إليه باحترام وتعطيه الفرصة ليفكر ويحلل الأسباب وينمي مهارات تفكيره، وتتقبل أنه من الطبيعي أن يخطئ الإنسان، فيتعلم مراجعة نفسه ويتحمل مسؤولية خطئه، بدل من إخفائه وإنكاره كما يفعل كثير من الناس في مجتمعاتنا اليوم.
بعد أن تصغي إليه، تطلب منه أن يضع الحلول لهذه المشكلة التي يعاني منها، ويختار منها ما يمكن تطبيقه فعلاً:
ماذا يمكن أن تفعل لحل مشكلة نسيان الواجب؟
تابعه في حل المشكلة وشجعه على التقدم في حلها، اسأله:
ماذا حدث معك؟ كم نسبة تقدمك في حل المشكلة؟
مع تقبل أنه لا يستطيع فجأة أن يحل جميع واجباته، وبالتالي نشجعه على أي تقدم يحرزه حتى لو كان حل واجب واحد في الأسبوع، طبعاً مع استمرار تشجيعه على وضع الحلول لهذه المشكلة ومناقشته في الأسباب والحلول ليصل إلى المرحلة أنه يتذكر حل واجباته بصورة عالية.
عندما نتقبل أن التقدم الجزئي هو الذي يؤدي إلى التقدم العالي، ونشجع الجهد المبذول بدل من منح التقدير للنتيجة النهائية، سيتشجع ولدنا لتحقيق المزيد من التقدم ولن يخاف الفشل، وبالتالي سيكتسب عقلية نامية Growth Mindset تعانق التحدي وتستمتع بتحقيق أجزاء صغيرة يومية من النجاح، تشجعه على تحقيق المزيد والمزيد من النجاح في حياته.
إن منح التقدير فقط عندما يحقق ولدنا النتيجة النهائية يكسب الولد عقلية الأبيض والأسود Black or white - وهي من أخطاء التفكير الدارجة Cognitive Distortions، التي تؤدي إلى السلبية وضيق الأفق والخوف من المبادرة، فهو إما ناجح أو فاشل، إما أحل جميع الواجبات أو أنا فاشل.
كم يحتاج أبناؤنا إلى الاحتواء عندما يخطئون، بدلاً من الوقوف ضدهم وإحباطهم في واقع صعب ينتظرهم؟
وكم يحتاجون إلى تنمية مهاراتهم بدلاً من تجميدها من خلال التخويف والإحباط وإلقاء اللوم؟
وكم يحتاجون إلى التشجيع ليواجهوا التحديات وينمون من خلالها، ليشعروا بالثقة ومتعة النمو، بدلاً من الإحساس بالضعف والدونية؟
ثم نلومهم لماذا لا يتحملون المسؤولية ولماذا هم سلبيّون؟!
من الشائع في تربيتنا التقليدية – مع الأسف، أننا نريد من أبنائنا أن يقوموا بعمل يحتاج إلى تكوين مهارة وبناء عادة، مثل ترتيب الغرفة أو الدراسة، بمجرد إعطاء أوامر، أو لجوء للمكافآت أو العقوبات، على غير وعي منا بما تحتاجه المهارة لتتكون في الدماغ، فمثلاً لندرب ولدنا على مهارة ترتيب الغرفة نحتاج إلى شرح خطوات وتفاصيل العمل، ثم تشجيعه على القيام به تحت إشرافنا، على أن تكون مهام المهارة ملائمة لعمره.
ثم الانتقال إلى مرحلة القيام بها وحده، مع تذكيره في حال نسي، برفق و دونَ لوم، حتى نساعد المهارة لتتكون في الدماغ وتتعمق مساراتها فتصبح عادة.
يجهل الأهل في كيفية تكوين العادات والمهارات في الدماغ، فيريدوا من ولدهم أن يقفز قفزة واحدة من مرحلة أول المعرفة بالعمل إلى مرحلة الالتزام به في غضون فترة قليلة، ربما تكون يوماً واحداً! وهو شيء مستحيل لأن ضعف تشابكات المهارة في الدماغ يجعل الإنسان غير واعٍ بالقيام بها، وينساها بسهولة عند تذكر أي شيء آخر أكثر متعة أو أكثر أهمية بالنسبة له.
يلجأ الأهل إلى المكافأة والعقاب وإلى أساليب الضبط السلبي لسد الفجوة الكبيرة بين أول المعرفة واكتساب المهارة، فيشعر الولد بالإحباط، وتبدأ المعاناة معه والتمرد وإساءة السلوك.
ما الحل؟
لنأخذ مهارة الدراسة على سبيل المثال:
1- اشرح خطوات العمل في البداية، واشرف عليه بعدها للتأكد أنه تم استيعاب أجزاء وتفاصيل العمل. مثل أن تشرح لولدك كيف يدرس، وتبقى جالساً معه، لتتأكد أنه جلس وركّز، ويقوم بخطوات العمل بشكل صحيح ليكتسب مهارة الدراسة. (يمكن أن تقوم بعد فترة من جانبه عندما تتأكد أنه اكتسب المهارة، ولكنه يحتاجك إلى جانبه في البداية ليعتاد على الجلوس، وهو أمر صعب لطفل في البداية)
2- تهيئة المكان و الزمان لممارسة العادة يسهّل على الدماغ التمكّن منها لتصبح سجية.
ضع قانوناً: مثل: الدراسة تبدأ الساعة الرابعة، وهيئ مكاناً مناسباً ومريحاً خالياً من المشتتات، واجلس معه في المكان لتنشر الراحة والدفء والسكينة.
3- التذكير بحبّ: ذكر ولدك بحبّ و دون توتر إذا تأخر عن الدراسة وانشغل بشيء آخر، من خلال كلمات قليلة بنبرة حازمة لا تخيفه ولا تؤنّبه مثل: "الدراسة أولوية".
كم ستحتاج من الوقت؟
الأمر يعتمد على عدة عوامل، لا يوجد وقت محدد، قد يكتسب ولدك المهارة في شهر، وقد يحتاج متابعتك وتشجيعك لسنوات، الأمر لا يتعلق بالذكاء، بل بنوع الذكاء، فلا شكّ أنّ ولد ذكاؤه الحركي أو الاجتماعي مرتفع سيحتاج منك وقتاً أكثر من ولد ذكاؤه الذاتي مرتفع، الثاني يحبّ أن يجلس ويركّز أكثر.
تذكّر أنه لا يوجد أحد أذكى من الآخر، لكن اختلافنا حكمة وجمال من الله الحكيم العليم، ليعمر هذا الكون، وكلٌّ ميّسر لما خُلق له.
كما أن قوة علاقتك به ومحبته لك تسهّل عليه تكوين العادات الإيجابية التي تدعوه إليها، وعلى العكس؛ سوء العلاقة بيننا وبين أبنائنا تجعلهم يتمرّدون علينا وعلى الأعمال الفضيلة التي ندعوهم إليها، انتقاماً منا على سوء المعاملة.
عندما تتابع ولدك وتشجّعه ليكتسب العادات الإيجابية؛ أنت تؤسّس لديه عادات التفوق والنجاح التي يحتاجها مدى الحياة، وعندما تؤنّب ولدك أو تلومه أو تعاقبه وأنت تجهل صعوبة ما يحتاجه الأمر ليتكون في الدماغ ويصبح سهلاً عليه وعادة له؛ فإنك تربي إنساناً محبطاً فاقداً الثقة في نفسه، يرى نفسه لا يرقى لأن يكون ضمن توقعاتك؛ فيفقد الرغبة في السمو والتطور الذاتي، ويشعر بالعجز.
تعاملك مع ولدك وصبرك عليه وتشجعيك له يرسم ملامح شخصيته ويوقد دافعيته الذاتية نحو الأمام، فانتبه لردة فعلك، وكن رفيقاً.
إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ. رواه مسلم.
سأناقش في هذا المقال أسلوب غير تربوي يتبعه كثير من الآباء والأمهات ظناً منهم أنه سيؤدي إلى تربية مميزة لأبنائهم بينما هو حقيقة يدمر صحتهم النفسية وتقديرهم لأنفسهم وهو أسلوب:
"السعي لتحسين السلوك من خلال المديح والنقد السلبي اللاذع للخطأ"
إن تعريض الابن أو الابنة للنقد السلبي اللاذع عند قيامه بخطأ سواء بالكلمة المباشرة أو بالنظرة الكاسرة، ومدحه بمبالغة عند قيامه بالسلوك المرغوب ظناً منا أن هذا الأسلوب سيجعله كما نريد، هو من الأسباب التي تجعل أبناءنا يفقدون توازنهم وصحتهم النفسية بحسب ما تشير الدراسات، بل قد يؤدي إلى اضطراب الشخصية والذي لا يظهر إلا بعد سن 18 عاماً، وللأسف أسلوب النقد والمديح منتشر في كثير من الأسر، وهو أسلوب خاطئ جداً، يجعل الإنسان أسيراً لنظرة الناس ورضاهم، شديد الحساسية لتميز الآخرين، سريع الإحباط عند وقوعه في الخطأ.
بهذه الطريقة نبني داخله ضميراً حياً قادراً على التقييم الذاتي، ونفصله عن الاعتماد المرضي على تقييم الآخرين، ونجعل ثقته بنفسه تنبع من الداخل، لا من التصفيق أو الإهانة.
الصحة النفسية لا تُبنى بالكلمات، بل بالأسلوب اليومي الذي نعامل به أبناءنا.
"اثبت نفسك".. أو "اثبتي نفسك" مقولة تنتشر في مجتمعاتنا.. والهدف منها تشجيع الإنسان ليعمل جهده فيثبت أنه شخص قدير ومميز.. نريد أن نحوم قليلاً حولها لنرى هل تزودنا هذه المقولة بالقوة أم بالضعف؟ فنعرف هل يجب أن نستفيد منها أم نرفضها..
يتألق الإنسان ويبدع كلما كانت دافعيته للعمل من الداخل، عندها يستطيع أن يتجاوز العقبات والإحباطات التي لا بد أن يمر بها كل إنسان في عمله وفي حياته..
الدافعية الداخلية هي الرغبة الداخلية للإنسان أن يقوم بالعمل لأنه مقتنع به ويحبه، ويريد أن يتحسّن به ويؤديه على أكمل وجه ليكون بالمستوى الذي يحقق له الرضا الذاتي، تلك الدافعية الداخلية للإنسان العادي، أما المؤمن فيزداد على ذلك بأنه يبتغي بعمله مرضاة ربه، ويريد أن يجد هذا العمل في ميزان حسناته يوم الحساب.
الدافعية الخارجية هي الرغبة بالقيام بالعمل بدوافع من الخارج، بحيث تنمو هذه الرغبة وتزداد عند المكافآت المادية أو استحسان الناس، وتتراجع عند تغير هذا الاستحسان أو المكافآت، والدافعية الخارجية مؤقتة بحسب تكرار الحافز الخارجي، بحيث تضمحل عند إيقافه أو تتراجع.
يعتقد الإنسان عندما يتبنى هذه الفكرة بأن نيل الاستحسان والتقدير والثقة والمكانة مرتبط بما أقوم به الآن وبما أقوله عن نفسي، وهو اعتقاد خاطئ، لأن الإنسان قد ينال بعض الاستحسان أو التقدير عندما يقوم بعمل جيد الآن، ولكن هذا لا يجعله يثبت نفسه أنه جدير بالثقة والمكانة، فحتى يستحق الإنسان الثقة يجب أن يمضي عليه وقتاً يُظهر فيه صبره على العمل، ومرونته وإيجابيته في المواقف الصعبة، وقدرته على تخطي الإحباطات، وتقبله للنقد البنّاء، وحرصه على إتقان العمل بغض النظر عن المحفزات الخارجية، لأنه إنسان مخلص بعمله، وهذه لا يحدث في يوم وليلة، بل يحتاج وقتاً تظهر فيه هذه المهارات النفسية التي تؤدي إلى العمل المبدع والمتقن، والذي يؤدي إلى استحقاق الثقة، بالرغم من أن الذي يمتلك هذه المهارات لا يعمل كي ينال الثقة بل لأنه مخلص بعمله، ولكنه يسعد بسعادة مسؤوليه ورضاهم، لأنه يشعر بأنه أدى الأمانة.
(يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه)
"اثبت نفسك" تجعل الإنسان من ذوي العقليات الثابتة Fixed mindset - التي تحدثنا عنها في مقالات سابقة - وهي العقلية التي تؤمن أن الذكاء والمواهب والقدرات ثابتة منذ الولادة لا تتغير، ومعيار النجاح لديها هو ثناء الآخرين، دافعية هذه العقلية خارجية مرتبطة بالمكافآت المادية واستحسان الناس وثنائهم.
وأما الإخلاص في العمل فيجعلك من ذوي العقليات النامية Growth mindset وهي العقلية التي تؤمن أن الذكاء والموهبة والقدرات تنمو عند المحاولة وبذل الجهد وطلب المساعدة من الآخرين، ومعيار النجاح لديها هو التعلم والنمو، دافعية هذه العقلية داخلية مرتبطة بمتعة التعلم والنمو الذاتي والإبداع.
موضة "اثبت نفسك" تنتج أفراداً إخلاصهم ضعيف، صبرهم قليل، تكوينهم هش، يبحثون دوماً عن كيفية تبرير أخطائهم بإلقاء اللوم على الظروف وعلى الآخرين، بينما يتقدم غيرهم عنهم ويقطعون مسافات، وهم لا زالوا محدودين وسيبقون محدودين ولن يستطيعوا أن يثبتوا أنفسهم حقيقة ما داموا بهذه العقلية.
العفوية هي عدم التصنع والتكلف اعتقاداً أن ذلك سيؤدي إلى استحسان الناس..
العفوية تعني أن أتصرف على طبيعتي وأنا متقبل لنفسي ومتقبل للناس عموماً..
العفوية تنتج عن تقدير قيمة تفردنا وأننا لا نحتاج أن نجعل من أنفسنا نسخة من غيرنا لنشعر بالانتماء..
العفوية إيجابية وانطلاق وتحرر من مخاوف الرفض أو النقد وتحرر من التمركز حول نظر الناس..
العفوية أن يتشابه ظاهري مع باطني..
العفوية تعني قلب منفتح للمحبة.. مقبل على الحياة.. وصدر منشرح برضا..
العفوية أن أمتلك قلب طفل وعقل راشد..
العفوية راحة للقلب.. نحن نسعد مع الناس الذين نشعر أننا على طبيعتنا وعفويتنا معهم.. والعكس صحيح..
العفوية تعني التصالح مع الذات والتصرف بدون قيود التوتر بل بقيود الحكمة ومرضاة الله..
العفوية لا تعني أن أفقد الحكمة في التحدث أو التصرف.. ولا أفقد اللباقة أو الاحترام..
عندما أتحدث بعفوية أبقى مراقباً للحكمة من حديثي:
هل حديثي فيه فائدة؟ هل هو مريح لغيري؟ هل أبتغي به مرضاة الله؟
الناس يرتاحون إلى العفوية ويشعرون بها وينفرون من التصنع ويشعرون به.. حتى لو لم يتكلموا..
العفوية عنصر جاذب في المرأة.. على عكس ما تعتقد بعض النساء.. فتتكلف وتتعب دون جدوى..
العفوية سر من أسرار التأثير وسر من أسرار نجاح العلاقة الزوجية..
العفوية تجذب الطفل للمرأة.. وتساعد في تربية شخصية الطفل الواثق من نفسه..
كلما تراجع تقدير الذات تصنّع الإنسان وتكلّف وربما تزيّف.. وكلما زاد تقديره لذاته أصبح عفوياً على طبيعته.. لأنه يحب نفسه.. ولا ينتظر أن يحبها بسبب استحسان الناس لها.. أو بسبب رأي الناس به..
البيئة السلبية تقتل العفوية.. والعفوية تربو في بيئة إيجابية فيها التقدير وحسن الظن..
عندما يبادر أحد أبنائنا فيعبر عن رأيه أو يطلب منك الإذن ليخرج إلى مكان معين أو يسجل في دورة معينة أو يشتري شيء لأمر معين أو يرغب في اقتناء حيوان فنقول له "لا" ونشعره بالذنب لأنه سأل فإننا نغلق أمامه نوافذ الحياة..
" كلمة "نعم" هي أكثر من مجرد كلمة.. هي تعبير عن كياننا مع أبنائنا وعن طريقة التواصل..
هي بوابة الإيجابية والتفاؤل وحب الفضول المعرفي والشجاعة والمرونة والنمو الذاتي لأبنائنا.."
هناك كثير من الأعمال الإيجابية والتعبيرات التي يقومون بها يجب أن نلتفت لها ونقول لهم "نعم"..
يوجد مساحة كبيرة في حياة ولدنا أو ابنتنا نستطيع أن نتوافق معهم فيها ولا نقوم بتنكيسهم.. نستطيع أن نتوافق معهم في كثير من الآراء التي لا يضرهم فيها أن نقول "نعم".. وكثير من "المباح" أو حتى " المكروه" أحيانا الذي يميلون إليه ويختارونه..
إن لم تكن مقتنعاً بطلبه.. تجنب أن تقول له "لا" على الفور.. حاوره بلطف ليعبر لك عن حاجاته وأفكاره.. وإذا أردت أن ترفض فارفض بلطف وأنت تحاوره لتقنعه.. واجعل رفضك استثناءً بين العدد الكبير من كلمة "نعم" التي تسمعها أذنيه في حياته معك..
"نعم أوافقك" بابتسامة تشجعه على اكتشاف العالم واكتشاف ذاته للنمو والتألق الذاتي..
تذكر أن القمع والكبت هما السببان الرئيسيان وراء كل سلوك سلبي.. وأن الكبت يعلم ولدنا أو ابنتنا التمرد علينا وعلى عدم التمييز بين التمرد على ما هو خطأ وما هو صواب، بما في ذلك منظومتنا الدينية والثقافية والأخلاقية..
ثم نتساءل لماذا يرفض ولدنا الإنصات إلينا؟!.. ولماذا لا ترغب ابنتنا في ارتداء الحجاب؟!.. ولماذا؟.. ولماذا؟!..
فلا نريد أن نقول لهم "لا" لأننا سمعناها من آبائنا مراراً أو لأننا نتوهم أن ذلك سيمنحنا قيمة أمامهم..
انتبه لردة فعلك فالثمن سيكون باهظاً لعدم وعيك..
تابعونا وشاركوا معنا: كم مرة قلت "نعم" هذا اليوم؟.. وكم مرة قلت "لا"؟..
نحو شخصية إيجابية..
بقلم أ.مها شحاده
حقيقة ينبغي أن ندركها وهي أنه لا يمكننا النجاح في تربية أبنائنا مهما فعلنا إلا أن يتولاهم الله برحمته ورعايته.. ولذلك فإن دعاءنا لهم بالصلاح هو المنطلق الأول في التربية.. ونحن في ذات الوقت مأمورون بالأخذ بالأسباب..
فما هو مقياس نجاحنا كمربين؟ هل هو ثناء الناس على إنجازنا معهم؟ هل هو تحقيق المناصب والألقاب؟
هناك أساسان لنجاحنا في تربية أبنائنا، وكل شيء يأتي بعدهما، فما هما؟
الأساس الأول هو: أن نربي أبناءنا بعيداً عن العقد النفسية وأمراض القلوب، والإحساس بالنقص في تقدير الذات، وننجح في ذلك عندما نتقبلهم كما هم دون شروط ودون رسم طريق حياتهم بتفاصيل محددة وإرغامهم على السير وفقها لنمنحهم الشعور بأنهم مقبولون ومحبوبون فقط عندما يرضوننا بالسير على النهج الذي نحدده.
ليشعر أبناؤنا بالتوازن والتقدير ينبغي أن نفتح معهم باب الحوار المبني على الاحترام والثقة، ونمنحهم الحرية النفسية من خلال التخلي عن التحكم بهم، لنتيح المجال لثقتهم بأنفسهم أن تكبر بداخلهم، ولا تعتقد أن مديحك لولدك بأنه الأفضل سيمنحه الثقة في نفسه، بل على العكس سيجعله منفوشاً على فراغ، مثل البالون ترمي به ريح ضعيفة، كما سيكسبه عقلية ثابتة Fixed mindset، سبق وأن تحدثنا عنها في مقالاتنا حول العقلية النامية.
وحتى نبني الثقة ينبغي أن يكبر ولدنا دون تحكم في إرادته وقراراته وخطواته، ودون مديح أو مقارنات، فقط علينا أن نمتدح الجهد الذي يبذله ليتعلم أهمية الصبر ويبذل الجهد في تحقيق أهدافه، وأن نمتدح الموقف الأخلاقي الذي قام به - وهو يقوم به - لتشجيعه وإشعاره أنه خلوق وطيب.
كما يحتاج أن نشعره بالحب والقبول دائماً دون شروط، وإذا أخطأ نحاوره ليستنتج الخطأ بنفسه، ونناقشه لماذا يجب أن يتوقف عنه دون إهانة أو ذل أو تهديد.
إن منح الحرية النفسية والقدرة على اتخاذ القرار لا يعني أن أترك له المجال ليؤذي نفسه، بل يعني أن يشعر بالحرية الداخلية أنه قادر على معرفة ما يريد وقادر على اتخاذ القرار، وعند اختلافي معه أفتح له أبواب الحوار والنقاش.
إن تربية ولدنا على نقاء القلب والثقة بالنفس يطلق دافعيته للنجاح ويجعله يميّز بعمق ما يريد، ويجعله إيجابياً مثابراً نحو أهدافه وطموحاته، غير ملتفت لسلبية الناس ونقدهم الهدّام.
الأساس الثاني: بناء علاقته الإيجابية مع الله تعالى وذلك من خلال الخطوات الثلاث:
1- بناء الإيمان من خلال التفكر في النعم والإنسان والكون للاستدلال على آثار وجود الله وغرس محبته من خلال تأمل آثار إكرامه وحكمته وقدرته وعطائه.. اقرأ المزيد في مقال "امتلك مهارة إثارة الأسئلة لتغرس محبة الله في نفوس أبنائك"
2- إثارة دافعيته للعمل من خلال الحرص على مرضاة الله، كأن تقول ادرس ليرضى الله عنك.. فمن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة.. ساعد زميلك ليرحمك الله ويرضى عنك، فالراحمون يرحمهم الرحمن.. اهتم بمظهرك لأن الله جميل يحب الجمال.. وهكذا فإن ربط دوافعه بنيل مرضاة الله يغرس العبودية والإخلاص في أعماقه فيسعد في الدنيا والآخرة.
3- تذكيره دوماً بالشكر على العطاء والصبر على البلاء ليحيا لله ويتذكر الله في النعم والنقم فيتوازن ويؤجر في آن واحد، فلحظات الحياة تتلون بين نعمة وبلاء، وعليك أن تذكره كيف عليه أن يتصرف بما يرضي الله في المحن لينجح في امتحان الحياة الذي يستمر معنا حتى آخر شهيق.
إن قاعدة هذين الأساسين بلا شك هي الإخلاص لله في تربيتهم وليس التباهي بهم أمام الناس، والإحسان في تربيتهم لنجد أبناءنا شفعاء لنا يوم القيامة، ولنترك خلفنا ولداً صالحاً يفعل الخير ويدعو لنا، " رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " آل عمران
"وأنبتها نباتاً حسنا".. نحن ندعو ونستعين بالله ونعذر إلى الله بأن نأخذ بالأسباب، والله هو يصلح وينبت.. ويجعل أبناءنا برحمته قرة عين لنا في الدنيا والآخرة..
"رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا " سورة الفرقان
شاركونا أفكاركم.. ما أكثر خطوة تُهمل عادة في هذين الأساسين؟
الثقة بالنفس هي القدرة على مواجهة التحديات وحل المشكلات، وهذه القدرة تتكون من قدرتين:
أولاً: القدرة على إدارة المشاعر السلبية إلى إيجابية وبث مشاعر الارتياح عند الجزع أو الألم من خلال الصبر والتفكير الإيجابي.
ثانياً: القدرة على التفكير والعبور من المشاعر السلبية التي يفرزها موقف التحدي إلى إيجاد البدائل والحلول للمشكلة ومن ثم اتخاذ القرار واختبار الحل.
كثيراً ما تسيطر علينا المشاعر السلبية عندما نخفق أو نعاني، وللنجاح في إدارة المشاعر السلبية وتحويلها إلى مشاعر ارتياح، لتسهيل عملية العبور إلى التفكير وإيجاد الحلول هناك عدة استراتيجيات يمكنك استخدامها وتدريب أبنائك عليها:
ذكر نفسك وأبناءك بأن المشكلات تجعل ذكاءنا ينمو، ففكر بالبدائل والحلول بدلاً من أن تسخط وتحبط.
3- الخطأ لا يعني الغباء: هي قاعدة مهمة ليكتسب الإنسان القدرة على إدارة المشاعر السلبية وتحويلها إلى إيجابية وبناء الثقة بالنفس.
ذكر نفسك دوماً ألا تقارن وتعلم واشكر، وازرع ذلك في أبنائك لتربية أبناء يمتلئون رضا وحكمة وإيجابية وإبداع.
4- لا تقارن: كل إنسان قدّر الله له أن يولد باستعدادات مختلفة عن غيره، تجعل بعض الأعمال تسهل عليه أكثر من غيرها.
5- التركيز على الهدف: عندما نركز على أنفسنا ونظرة الآخرين لنا عند مواجهة التحديات فإننا نفقد التركيز على عملية إيجاد الحلول وتطبيقها.
6- مشاهدة الوفرة أثناء المعاناة: إن مشاهدة النعم المحيطة بنا أثناء المعاناة لا يقدر عليها إلا إنسان شاكر وإيجابي يمتلك نظرة كلية يرى فيها الصورة الكاملة.
تذكر أن تشاهد النعم المرافقة لك في المعاناة، وقل ماذا لو؟.. وما الحكمة؟.. لتبدأ مناطق أخرى.. في الصورة بالظهور بالتدريج لتتوسع الصورة وتظهر فيها الحياة والألوان حول البؤرة السوداء التي تريد أن تسحبنا بداخلها.
7- التسليم: نحن مأمورون بالعمل وليس بالنتائج، فالعمل الصالح واجب علينا، وأما النتائج فهي بأمر الله خاضعة لحكمته.
تحتاج هذه الاستراتيجيات السبعة منك إلى مراجعة دورية خاصة أثناء مرورك بمعاناة، لتزود نفسك باستراتيجيات تفكير إيجابية تساعدك على إدارة مشاعرك وتمكنك من التفكير بهدوء نفسي وإيجاد البدائل لتجعل من المعاناة وسيلة لنمو ذكائك العاطفي وإيمانك وإبداعك وثقتك بنفسك.
سؤالٌ كبير.. ربما تنقضي حياتنا كلها وما وجدنا له إجابة.. ولكنه لبّ الراحة والسعادة.. يستحق أن نتعرض له ولو أجبنا عنه بجزء يسير..
كل منا يسعى في يومه.. وربما طيلة يومه.. يسعى وبداخله دوافع تدفعه ليعمل ويكد..
نحن نسعى في يومنا ونحن ندور في مربع به أربع خانات كما ذكر "ستيفن كوفي" في كتابه المعروف العادات السبع للنجاح وهي: 
1- مهم عاجل
2- مهم غير عاجل
3- غير مهم عاجل
4- غير مهم غير عاجل
نتفق أن غالبيتنا ندور في مربعي "مهم عاجل" و"غير مهم عاجل"، ثم نذهب آخر اليوم لنرتاح في "غير مهم غير عاجل" لنشعر بالاسترخاء والحرية..
"مهم غير عاجل" هي الأعمال التي تبني أعماقنا وتبني أعماق أبنائنا وأعماق العلاقات..
هي التي تبني علاقتنا مع الله وعلاقتنا مع أهمّ الناس..
علاقتنا مع أنفسنا وعلاقتنا مع أبنائنا ومع أزواجنا ومع أهم المقربين..
أدخل مربع "مهم غير عاجل" مثلاً عندما أُمسك بكتاب أقرأه برويّة وأنا أتمعن لأُطبق ما فيه ابتغاء مرضاة الله.. لا لأنال شهادة أكاديمية .. ولا ليقال عني قارئ.. ولا لأثبت لنفسي أنني قارئ نهم.. بل لأرتقي بنفسي ومن حولي ابتغاء مرضاة ربي.. عندها سأشعر بالرضا..
وأدخله أيضاً عندما أجلس مع ابنتي وأفتح معها حوارا لطيفا بين صديقتين وأشاركها اهتماماتها.. وأنا أستشعر مسؤوليتي وأستمتع بها.. حتما سأشعر بالرضا..
وعندما أجلس فأقرأ مع طفلي الصغير قصة نستمتع بها معاً ونبني علاقة إيجابية وأنا أغرس فيه حب العلم والتعلم.. أفعل ذلك ابتغاء مرضاة ربي.. دون أن أحدث به الناس.. حتماً سأشعر بالرضا..
وكذلك عندما أجلس فأرتّل الآيات بحب وأنا أستشعر عظمةَ ما بين يديّ من كتاب.. وأشعر بإكرام الله لي أن أذن لي بتلاوة كلامه والاستماع له من بين مليارات المحرومين.. حتماً سأشعر بالرضا..
وعندما أدخل السرور على من حولي دون أن أطالبهم بالتعويض.. عندما أهتم بهم وأعطيهم لله.. ابتغاء مرضاة الله دون انتظار المقابل.. حتماً سأشعر بالرضا..
وعندما أصلي في جوف الليل.. وعندما أتصدق.. وعندما أفرّج كربة.. وعندما أساعد.. وعندما أكتم غضبي.. وعندما أسامح.. وعندما أبر.. وعندما أرحم..
كثيرة هي الأعمال التي تشعرنا بالرضا.. وهي أعمالٌ صغيرةٌ غالباً لكن بالالتفات فيها إلى الله وحده تصبح عميقةً وعظيمةً تُثمر على المدى ارتقاءً وثقةً ونورا وسعادةً لأنها تحرر الإنسان من عبودية الظهور.. وتحرره من ال "أنا"..
الأعمال العاجلة التي وردت في المربعين السابقين تتعلق عادة بالشيء الملاحَظ سريعاً من الناس.. عندما ننويها لله حتماً سنشعر بالرضا..
ولكن لن نذوق طعم هذا الرضا ما لم نتجرد ونزهد ونخلص في أعمال غير ملاحظة لأحد إلا الله لنتحرر من التمحور حول نظر الناس والتنافس في ذلك..
ويستطيع الإنسان أن يتحرر فعلاً عندما ينوي ذلك ويبدأ في كتم أعماله الصالحة والتوسع فيها.. عندها ستبدأ مشاعر الانشراح والرضا بالتمدد في أعماقه.. لتحرر أغلال: أنا مهم وأنا الأفضل وأنا الأذكى وأنا الأجمل..
إن كثيراً من مشاعر عدم الرضا التي تنتابنا تتعلق بأن أعمالنا مشروطة في العقل اللاواعي بتحصيل نظر الناس وإعجابهم حتى لو لم نطلب الإعجاب مباشرة ولكننا في أعماقنا نعلم أنها الأعمال التي سنمدح من أجلها.. وهي تجذبنا إلى مربعي "مهم عاجل" و"غير مهم عاجل".. وهي أيضاً قد تجذبنا للمقارنات السلبية وإلى التنافسية المَرَضيّة التي تؤدي إلى السخط وتودي بمشاعر الرضا..
كم منا يريد الإعجاب السريع الذي قد يجره إلى سخط سريع لأن رضا الناس غاية لا تدرك..
والمشكلة أن مواقع التواصل قد زادت المسألة سوءً.. فأصبحنا ننتظر التقدير والمديح على أصغر الصغائر.. وكلما زاد التفاتنا للناس كبرت تعاستنا..
وأما أعمال المربع "مهم غير عاجل" فهي غير متعلقة بنظر الناس ولا تخضع لأولويات إعجابهم فتهمل بالرغم من أنها هي التي تبني الرضا والثقة بالنفس والإخلاص لله وتجعلنا نعمل لقناعاتنا لا لقناعات الناس ولكن من يصبر على أعمال يحبها الله لا يلقي الناس لها بالاً؟.. وتهدر وقتاً لا يعلم به ولا يجازي عليه إلا الله؟..
وكما قال أحد الصالحين: "سقت نفسي إلى الله وهي تبكي، فمازلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك".
يجب أن نصبر بداية لنشرق نهاية بالرضا والسعادة..
كل منا كادح في هذه الحياة.. ولكن شتّان بين كادحٍ زاهدٍ في الناس وفيما أيدي الناس.. راضٍ عن ربه وعن مسار حياته.. وبين كادحٍ تعيسٍ.. يتخبط حيث نظر الناس.. ولا يعلم حقيقة ما يرضيه..
فلنعِ دوافعنا.. لتُشرِقَ سَرائرنا..
"يَٰٓأَيُّهَا ٱلْإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَٰقِيهِ" الإنشقاق/6
شاركونا أفكاركم.. "لماذا لا يشعر الإنسان بالرضا؟"
يعتمد نمو الذكاء البشري على تنمية مناطق مهمة في الدماغ مثل القشرة الجبهية، واللوزة، والحصين، وجذع الدماغ كما أشرنا في المقال الذي تحدثنا به عن الدماغ العامودي من قبل.
تنمو مناطق الذكاء لدى الطفل عند تعريضه للمثيرات البيئية التي تنمي هذه المناطق.
تعد السنوات الأولى وحتى الخمس سنوات فترة حرجة وخصبة لنمو الذكاء، بحيث يمكن تنمية الذكاء أضعافاً مضاعفة عن أي فترة أخرى لاحقة، كما نحتاج إلى جهود مضاعفة لتعديل الأخطاء التي تحدث في هذه الفترة الحرجة – إذا أمكن التعديل.
وعند حديثنا عن أهمية هذه الفترة نحتاج أن نلتفت إلى العناية التي أحاطها الله بنبيه الكريم "محمد" صلى الله عليه وسلم "نموذج الكمال البشري" عندما تربى في البادية في سنواته الأربع الأول، لنتفكر ما أهمية المثيرات التي تعرض لها في هذه الفترة وما مدى تأثيرها في الدماغ؟ وفي أي بيئة ينشأ أطفالنا اليوم؟
يحتاج الطفل إلى تشغيل حواسه من خلال تعريضه لمثيرات بيئية تشجعه على التأمل لتنمية منطقة مهمة في نمو الذكاء وهي منطقة جذع الدماغ Brain stem، فكلما تأمل الطفل وشغل حواسه الخمس فأرسل بصره إلى السماء، واستمع إلى تغريد الطيور، وتفحص ورقة الشجر بيده الناعمة، واستمتع بشم النسيم العليل، وتفاعل بحواسه ومشاعره مع القطة أو الكلب أو الغنمة، كلما نمت هذه المنطقة الحرجة والهامة في نمو الذكاء، وهنا تتجلى الحكمة الإلهية في نشأة رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بين أحضان الطبيعة.
إن نشأة الأطفال في حجرات مغلقة وعدم إعطائهم الفرص لتشغيل حواسهم يؤدي إلى تراجع هذه المنطقة، وأما إذا التقف الطفل الصغير الهاتف الجوال بين يديه فستنتكس هذه المنطقة تماماً، فلا يعود يلتفت إلى حواسه، وتفقد المثيرات الحسية بريقها، وتصبح عملية التأمّل لديه صعبة جداً في المستقبل، ويصبح قليل الصبر، محدود الرؤية، سطحي المشاعر، وهذه الظاهرة بدأنا نتحسس ثمارها مع الأسف.
لتنمية ذكاء أبنائنا يجب بناء شجرة لغوية في الدماغ يفكر من خلالها، هذه الشجرة هي اللغة الأم التي يتحدث بها مع نفسه ويفكر بها، تعد السنوات الخمس الأولى سنوات حرجة جداً في بناء هذه الشجرة، وهنا تتجلى الحكمة الإلهية في تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم في البادية "أفصح البيئات اللغوية".
تقوية اللغة الأم وتشغيل الحواس من الأُسُسِ التربوية الهامة في نموّ ذكاء الطفل في سنواته الأولى، والواقع يسير نحو العكس في عالمنا العربي مع الأسف، فإن لم نعِ ونَنشُر الوعي ستَنْشَأُ أجيالٌ منحدرةُ الذكاء عن آبائها وسنُسألُ عنها يوم القيامة.
هل الإنسان الذي يسعى لإثبات نفسه أمام الآخرين هو إنسان واثق بنفسه؟ وهل يمكن أن أُنمّي ثقتي بنفسي وأنا في هذا العمر؟
مفهوم الثقة بالنفس مفهوم حرج تدور حوله مغالطاتٌ كثيرة وحقائق وأوهام.
هو مفهوم مهم لأنه الأكثر مساساً والتصاقاً بأنفسنا، وقد يحتمل هذا المفهوم تفسيراتٍ كثيرةً ويُشتق له تصرفات عدة قد لا تؤدي إليه، فلنَدُر قليلاً في فَلَكِ هذا المفهوم لعلنا نفهم أنفسنا بشكل أفضل ونوجه تصرفاتنا بشكل أقوم.
مفهوم الثقة بالنفس هو مصطلح علميّ يدلّ على "قوة الباطن"، ولا يُترجم حرفياً فيظن السامع أنّ من يَثقُ بنفسه لن يَثقَ بربه، وهذا غير صحيح، هو مصطلح علميّ يعبّر عن:
أهم مرحلة لبناء الثقة بالنفس هي مرحلة الطفولة، لكن أغلبنا يبني ثقته بنفسه بعد مرحلة المراهقة بل بعد مرحلة الجامعة أيضاً، بسبب الأخطاء التربوية التي تحدث في كلٍّ من الأسرة والمدرسة.
بشكل عام نعم، والسبب في ذلك يرجع إلى عدة أسباب منها:
مصطلح الثقة بالنفس ذكره أسلافنا وعلماؤنا بمصطلح "قوة الباطن" كما أسلفنا وهو الذي عبّر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلّ خير. رواه مسلم. وفي الحديث: خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إن فقهوا. رواه البخاري
ولا تهم المصطلحات بالقدر الذي يهمنا فيه التطبيق والارتقاء، فهنا يجب أن يتمحور تفكيرنا لننهض.
نسأل الله أن نكون من هذا الخير الذي ذكره رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، ومن الأقوياء الأحباء إلى الله.
تعرّف على بناء تقدير الذات في منهاج تفكّر مع أنوس.
شرطان تربويان لننهض كأفراد وتنهض أمتنا بنا.
يوجد لدى كل إنسان دماغ أفقي ودماغ عامودي Vertical and Horizontal Brain.
الدماغ الأفقي: هو الذي يتكون من شقي الدماغ الأيمن والأيسر اللذين يسيطرا على اللغة والمنطق والخيال والحركة والأرقام وغيرها.
أما الدماغ العامودي: فهو المسؤول عن الحكمة ومهارة القرار والمرونة والتعاطف والأخلاق والإبداع وغيرها.
عندما ننتقد أنفسنا كعرب أو مسلمين في هذا الزمن فلا شك أننا ننقد ضعف الدماغ العامودي لدى غالبية الأفراد حتى لو حصلوا على شهادة الدكتوراة أو بلغوا أعلى المناصب أو جمعوا أكبر الثروات.
يتكون الدماغ العامودي من أربعة مناطق:
جذع الدماغ brain stem (موصل للمعلومات)، الحصين Hippo-campus (منطقة الذاكرة)، اللوزة Amygdala (منطقة المشاعر وردة الفعل) والقشرة الجبهية Prefrontal cortex (منطقة القرار والحكمة والأخلاق والإبداع وهي الناصية التي ذكرت في القرآن الكريم ويرمز لها بالدماغ العلوي العامودي upper brain)
نعاني كأفراد بشكل عام من ضعف الدماغ العامودي بسبب أخطاء تربوية تحدث في البيت وفي الصف ويهدف هذا المقال إلى نشر الوعي بأهم التصرفات التي تؤثر بشكل كبير على تنمية الدماغ العامودي.
أولاً: إن العدو الأول الذي يؤدي إلى انتكاس الدماغ العامودي هو التوتر حيث يمنع تدفق الأكسجين والسكر إلى منطقة القشرة الجبهية مما يؤدي إلى انتكاسها مع الوقت.
جميع أمراض القلب هي مشاعر توتر وهي مشاعر سلبية أيضاً أي أن الإنسان الذي يحمل مشاعر سلبية مثل السخط والغضب والغيرة والأنانية وحب الظهور والحقد والغرور والقسوة والحسد وحب السيطرة وحب المال وحب الرئاسة والتعصب وغيرها كل ذلك سيصب بشكل عكسي في تنمية دماغه العامودي بسبب توتر اللوزة وحجب الناصية مما يؤدي إلى فقدان الوعي والحكمة والإبداع والأخلاق ناهيك عن آثار تلك المشاعر يوم الحساب.
1- علاج التوتر يكون بإبعاد أنفسنا وأبنائنا عن أسباب التوتر ما استطعنا والتوقف عن التفكير السلبي.
2- يطفأ التوتر ويهدأ بالإقبال على ذكر الله، والهرمونات التي يفرزها الدماغ عند الذكر هي أعمق الهرمونات التي تنمي الدماغ بشرط أن يكون الذكر مع حضور القلب وتلاوة القرأن الكريم بترتيل هي الأعلى تأثيراً في التخلص من التوتر وتنمية المشاعر الإيجابية في اللوزة والحصين.
3- القيام بالأعمال العطوفة مثل الرحمة والخدمة والعطف والصدقة تؤدي إلى تنمية الدماغ العامودي مع الوقت.
ثانياً: استخدام الحوار والشورى مع الأبناء إضافة إلى طرح الأسئلة الذكية التي تتطلب تفكيراً عميقاً ينمي الدماغ العامودي العلوي أي منطقة القشرة الجبهية وهي الناصية.
كلما سيطرنا على تفكير أبنائنا وفرضنا عليهم آراءنا ولم نشركهم في القرار انتكس الدماغ العامودي والعكس، كذلك ينتكس مع إهمال الوالدين للأبناء واللامبالاة بهم.
استخدم عبادة الشورى دائماً في منزلك لأخذ القرار فهي من أعمق استراتيجيات تنمية الدماغ العامودي، واطرح عليهم الأسئلة الذكية خلال يومك: مثل لماذا؟ ماذا لو؟ ماذا تفعل لو؟ كيف يمكن أن؟
فهل وعينا عمق الآية: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد/11)؟
سؤال سُئلته من مربٍّ حريص، ونحن نتكلم هنا عن أسلوب خاطئ تتبعه الأُسر والمدارس الحريصة على التربية.
وأقول: إن أسوأ ما نقوم به داخل أسرنا وفي صفوف مدارسنا - إلا من رحم الله ونجا من هذا الأسلوب الخاطئ وهم قليلون - هو أن الآباء والمعلمين يضعون صورة محددة لسلوك طلابهم وأبناءهم، ويمنحون الرضا والمكافآت إذا تقدم في تحقيقها، والسخط أو العقوبات إذا لم يهتم.
وإلّا فإننا قد نأخذ الدور اللامبالي، فنهمل ولدنا لأننا نرى أنه لا يستحق الاهتمام.
هذا السلوك يربي على النفاق، لأنه يعمل لأجل الناس لا لأجل قناعاته، ويجعل الإنسان لا يعي تفكيره ولا مشاعره ولا أهدافه، ولا يعرف ما يحبه وما يكرهه، ولا يعرف قدراته الحقيقية، أي لا يعرف نفسه!!.
ونرى ثمرات عفنة لهذه الآفة عندما نسأل طالباً في التوجيهي "ماذا تريد أن تدرس؟" يقول لك "لا أدري .. بحسب معدل" .. "طيب ماذا تحب؟" يقول لك "لا أدري!" حتى لو أراد أن يدرس شيئاً يحبه ولا يعظمه المجتمع سيواجَه بجدار أمامه لأنه يجب أن يسير ليحقق صورة يراها والديه، ترفع من قدرهم أمام الناس!.
عند تطبيق المدارس لبرنامج تفكر نتفاجأ أن المعلم عندما يسأل الطالب "ماذا تحب أن تفعل في البيت؟" يقول الطالب إجابة ليرضي المعلم دون وعي حقيقي في تفكيره ومشاعره فيقول مثلاً "أحب أن أصلي" والولد في سن السادسة لا يصلي بعد!، ولكنه يعلم أن هذه الإجابة سترضي المعلم، "فيجب أن أقول ما يحبه المعلم وما أحب أنا لا يطفو عندي على سطح الوعي فأنا لا أعنيني!، لا يعنيني إلا رضا المعلم!"، وغدا يكبر ويصبح لا يعنيه إلا رفقاءه!، ثم يكبر ولا يعنيه إلا الناس ونظر الناس!.
يكبر أبناؤنا في بيوتهم وفي مدارسهم ولم يهتم بهم أحد بشكل حقيقي، ولم يحاورهم ليعلم كيف يفكرون. لا تتم استشارتهم في قضايا البيت أو مشاكل الصف، أو حتى في قضاياهم!، إلا في نطاق ضيق أحياناً.
إن غياب الحوار الشخصي الآمن الذي يقوم على احترام هذا الإنسان واحترام تفكيره ومشاعره وحاجته يؤدي إلى فقدان الوعي الذاتي وفقدان تقدير الذات، وبالتالي العيش في ظل الآخرين وعلى أرضية النفاق الاجتماعي، الذي يؤدي إلى امتلاك عقليات ثابتة fixed mindset عاجزة عن التطوير والإبداع، وبالتالي تقبع هذه الأمة في المزيد من التخلف عاماً بعد عام.
عندما نفعل ذلك سيبدع أبناؤنا وستنطلق الثقة بداخلهم والوعي ليكونوا مؤثرين إيجاباً لا متأثرين سلباً، في عالم سريع التغير "للأسوأ مع الأسف!".
لذا ستزيد مشكلات هذا الجيل إن لم نغير من أسلوب التعامل معهم.
فلنغير لتتغير أحوالنا وأحول أمتنا إلى الأفضل، ومن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم.
إننا جميعاً آباء وأمهات نريد أن يتميز أبناؤنا ويتفوقون في كل مجال يخوضونه في حياتهم، وترانا ندفعهم بعباراتنا التشجيعية والتحفيزية ليتقدموا في طريق التميز والنجاح.
كل هذا طبيعي ومطلوب، ولكن هناك مشكلة خرجت من هذا الباب محقت توفيق الله لهذه الأمة، بل ولكثير من الأبناء، وجعلت الغيرة والسخط تلفان قلوبهم لفاً.
إن كنتِ أماً تدفعين ولدك للتميز ليكون هو الأحسن والأفضل ولا يسبقه أحد فأنت تؤذينه أذى كبيراً في الدنيا والآخرة، وعليك أن تكوني أكثر وعياً لدوافعك التي ستشكل دوافعه.
كثير من الآباء – وللأسف من فئة المثقفين والملتزمين – يقومون بدفع أبنائهم للتميز بطرق تنبت الأمراض في قلوبهم وتجعلهم يكرهون الخير للآخرين فينتكس إيمانهم، لأن محبة الخير والتوفيق والتميز للناس هو أساس في نمو الإيمان وبركة التوفيق.
كذلك تكسبهم عقلية ثابتة fixed mindset وهي العقلية التي لن تبدع في حياتها، لأن معيار النجاح في نظرها هو ثناء الناس عليها وشعورها أنها الأفضل، وهي شخصية تتجنب التحدي لتتجنب الفشل، لتحافظ على نظرة الناس لها بأنها الأفضل، لديها عادةُ تفكير خاطئة بأنها يجب أن تكون الأفضل في كل شيء وإلا فإنها فاشلة، وبالتالي تتألم عند كل تميز تراه عند غيرها، فتفقد سعادة الرضا وحب الخير للناس وهي السعادة الحقيقية، لأن عقلية التفكير لديها مبنية على المقارنة السلبية، وليس على متعة التعلم الذاتي وطلب مرضاة الله.
إن تصنيف الطلاب في الصفوف بناء على العلامات المدرسية هو أساس في بناء عقليات ثابتة، خاصة عندما يمنح المعلم رضاه لطلابه وفقاً لتحصيلهم الدراسي، ونحن لا نستطيع أن نغير نظام العلامات، ولكن نستطيع أن نوسّع تقديرنا ليشمل الجميع بناءً على ذكاءاته المرتفعة وبذل الجهد والمحاولة، فكلنا يعلم أن الإبداع والنجاح ونفع الناس في الحياة الواقعية ليس مرتبطاً بالتحصيل الدراسي، وكلٌّ ميسّرٌ للنجاح عندما يعمل وفق ذكاءاته المرتفعة.
كما أن صفاء القلب وحب الخير للناس هو أساس في نجاح الإنسان في الحياة المهنية والاجتماعية، لأن هذا الإنسان النقي هو الذي يكسب القلوب ويبني فِرَق العمل الناجحة. وإن 85% من نجاح الإنسان في الحياة مرتبط بالذكاء العاطفي الذي يستند إلى تقدير الذات والصبر ونقاء المشاعر.
إن تقديس العلامات المدرسية هو أكبر باب لإكساب أبنائنا عقليات ثابتة وجعلهم محدودي التفكير.
ولا أدري ما هي محدودية التفكير التي تحيط بالناس؟ وهل ستنهض أمتنا إلا بحب الخير والتميز لبعضنا، وأن نغرس حب التعلم والتعاون والتكامل في نفوس أبنائنا وطلابنا؟
إن الأمر يخرج من رحم وتفكير الأم، ومن وعي المعلم وسعة أفقه.
يجب أن نغرس في أبنائنا وطلابنا أنه:ليس من المهم أن أكون الأفضل، المهم أنني أعشق التعلّم ولديّ هدف (أو أهداف) أحبها، أتقدم نحوها كل يوم. اخترت هدفي لأنه يتوافق مع قدراتي ولأنفع بهذا الهدف نفسي ومجتمعي، لأكون قدوة للناس في حب الخير طمعاً في نيل مرضاة الله تعالى.
هذا أساس في تحفيز الناس للخير بقلب نقي، وهو أساس في امتلاك عقليات نامية تندفع حباً للتعلم Growth mindset، تعانق التحديات حباً للتعلم والخير وليس لأنها تريد أن تكون أفضل من غيرها، لا يسبقها أحد.
وهذه الأهداف نشتغل عليها في غرفة الصف في المستوى الرابع من منهاج تفكر "أفكاري ومشاعري" لإكسابهم قواعد في التفكير الإيجابي التعاوني للاندفاع نحو المعالي حباً في الخير وطلباً لمرضاة الله تعالى، وليس ليسبقوا غيرهم. وللأسف نتفاجأ ونتألم أن هذا التفكير غير موجود لدى الطلبة إلا نادراً، بل ونتفاجأ عندما تقول لنا طالبة من الطالبات المتفوقات " أحب الخير لغيري؟! يعني أحب أن تكون غيري الأولى مثلاً! لا يمكن ذلك!"، فالأنانية عند غالبية المتفوقين قد وصلت إلى درجة مرضية منذ الصف الخامس والسادس مع الأسف "أنا وبس!". وكان المستوى الرابع علاجي لهم وليس وقائي، وحتى أن غير المتفوقين يتولد لديهم الكره للمتفوقين بسبب تفضيل المعلم المشروط بالتفوق أو بسبب لوم آبائهم لهم لعدم التفوق.
ولا أدري.. ما الخير الذي سيخرج من هؤلاء الطلاب الذين مرضت قلوبهم منذ نعومة أظفارهم بسبب أنانية الآباء وجهل المعلمين.
أرجو من كل أم وأب ومعلم أن يراجعوا أنفسهم بصدق، ويتوبوا إلى الله توباً نصوحاً عن كل مرة دفعوا أبناءهم وطلابهم وهم يزرعون الأمراض في قلوبهم، قبل أن يفاجأ الإنسان بحجم الإثم الذي ارتكبه، والذي لم يكن ملتفتاً له يوم لا ينفع الندم. أرجو تمحيص أنفسكم جيداً لأنه يندر أن ينجو اليوم أحد من هذا البلاء الذي حل بقلوب الناس، والذي حرمهم تأييد الله، فالـ "أنا " في مجتمعاتنا وصلت لمرحلة مرضية من حب النفس حباً أنانياً وكره الخير للناس، بسبب المقارنات المستمرة في العقل اللاواعي مما أدى إلى الغيرة والسخط، والسبب: "كلمات وتصرفات الأبوين والمعلم".. بالدرجة الأولى.. والتي تؤسس قاعدة للتفكير المبني على المقارنات، والذي ينمي مشاعر الغيرة والسخط في تشابكات التفكير والمشاعر في الدماغ، فيُمضي حياته وما عرف الرضا ولا السعادة. وكلما كان المرض أكبر كانت التعاسة الداخلية أكبر مهما بلغ من نجاح في الظاهر.
ولن تذوب "الأنا" في مجتمعاتنا إلا بالانتماء إلى الأمة، بتنمية مشاعر هذا الانت
عندما يسيء أبناؤنا أو طلابنا السلوك ونقوم بمعاقبتهم من خلال عزلهم أو حرمانهم أو توبيخهم أو تهديدهم أو ضربهم أو مقارنتهم بغيرهم، قد نشعر بنشوة الانتصار ونظن أننا قد أدبنا أبناءنا إلا أننا في الحقيقة قد أسأنا إليهم ولم نحسن، وكُتب تصرفنا علينا لا لنا. إن ردة فعلنا تجاه خطأ أبنائنا هي أوتوماتيكية في الغالب مكتسبة من العادات والتقاليد وليس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد تعلمنا أنه يجب أن يكره ولدنا ذاته حتى يغير سلوكه وهذا ليس صحيحاً. بل يجب أن يستنتج ولدنا من خلال الحوار لماذا هذا السلوك غير صحيح، حتى يتعلم من خطئه دون أن يشعر بالخوف من الخطأ. حتى لا نقتل المبادرة والإبداع لديه.
إن معاقبة السلوك الظاهر دون حوار إيجابي للتعلم من الخطأ يضر أبناءنا وطلابنا بسبب أنه:
- يجعله يريد أن يثور علينا ويتمرد.
- يجعله يريد أن ينتقم سواء انتقم منا أو من غيرنا (من أخيه الأصغر في الأغلب).
- يجعله يكره نفسه فيتدنى تقدير الذات، مما يدفعه إلى المزيد من الإساءة في المستقبل.
- يجعله يتعلم كيف يخفي أخطائه ويتملص منها ولا يتحمل مسؤولية الخطأ، ويكبر على عدم الاعتراف بالخطأ وبالتالي عدم تصحيح أخطائه.
- يكسبه عقلية ثابتة fixed mindset بسبب أن أساس بناء عقليات نامية لأبنائنا هو تربيتهم على أن الخطأ فرصة للتعلم والإنسان ينمو بالتعلم والمحاولة وعدم الخوف، وليس بالتملص وعدم المسؤولية.
*يجب محاورة أبنائنا عندما يخطئون مع إشعارهم بالأمان وعدم الاتهام أو اللوم من خلال طرح الأسئلة التالية عليهم في جو من التقبل والرحمة والاستيعاب:
- ما رأيك في ما حدث؟
- لماذا هذا التصرف غير صحيح؟
- ماذا تعلمت من هذا الخطأ؟
- ماذا تريد أن تفعل كي تصحح خطأك؟
دعه يولّد حلولاً ويختار أحدها ليجرب، ثم قل له: إذن اتفقنا على هذا الحل. تابعه في جدوى هذا الحل، وإذا لم ينجح الحل دعه يجرب حلاً آخر، وتتفقون عليه. إذا نسي: قل له: هل تذكر ماذا كان الاتفاق؟ دعه يعيده لك.
*اطلع إلى تطوير السلوك الأخلاقي في منهاج تفكر: https://tafakkur.com/ar/3609-4/
عندما يخطئ ولدنا فيتعرض للّوم أو التوبيخ أو التهديد سيتعلم أن الخطأ يؤدي إلى الشعور بالخزي وسيصبح لديه خوف من التعلم، إضافة إلى أن تقدير ذاته سيتراجع، ومع تكرار هذا السلوك سيصبح لديه عقلية ثابتة Fixed mindset.
وعندما يخطئ ولدنا فتكون ردة فعلنا مشجعة له للتعلم من هذا الخطأ، من خلال تقبل الخطأ وإدارة حوار إيجابي معه مبني على الثقة فيه وفي قدراته تجعله يفكر كيف سيتعلم من خطئه، فإن مرونته وحبه للتعلم سيزداد، وكذلك ثقته بنفسه. ومع تكرار هذا السلوك سيصبح لديه عقلية نامية Growth mindset.
تقول جين نيلسين (Nelsen, 2017) خبيرة الضبط الإيجابي:
"إن الكثيرين منا قد تعلموا أن الأخطاء مخزية وأننا عندما نخطئ فإننا قد نقول لأنفسنا:
- لا تقبل على التحديات أو المجازفات خوفاً من الخطأ أو الفشل.
- عندما تقترف خطأ عليك أن تخفيه – حتى لو اضطررت أحياناً للكذب.
- جد تبريراً لخطئك حتى لو اضطررت للوم شخص آخر عليه.
- أنت كامل ولا تخطئ وتحايل إذا ظهر غير ذلك.
- اشعر بأنك إنسان سيء عندما تشعر بأنك غير مثالي. " انتهى.
لتكوين عقلية نامية استغل الأخطاء للتعلم والنمو:
ومثال عملي على ذلك عندما يحصل ولدنا على علامة متدينة في الامتحان، فإذا قمنا بلومه أو توبيخه أو تهديده أو مقارنته بغيره سيكتسب عقلية ثابتة إذا تكرر سلوكنا، وسيفكر بالطرق القامعة للنمو الفكري التي تحدثت عنها جين نيلسين، وإذا حاورناه بإيجابية وثقة: "هل تريد أن تحسن من هذا الوضع؟ ولماذا؟.. وما هي خطتك؟".. الخطأ فرصة للتعلم والنمو، ثم شجعناه لأننا نرى أن ثقته بنفسه والعقلية التي تتكون لديه أهم وأكبر بكثير من علامة يحصّلها اليوم وتنسى غداً.
سبق وأن عرفنا العقلية النامية بأنها: العقلية التي تحب التحدي، ومعيار احساسها بالنجاح هو متعة التعلم والمحاولة، بغض النظر عن النتائج، بعكس العقلية الثابتة التي تَعتبر أن نظر الناس لها هو معيار النجاح والفشل، فتتجنب التحدي خشية الوقوع بالفشل لتتجنب نقد الناس، وبالتالي لن تبدع ولن تتطور كما ينبغي لها، كما أنها لن تتعلم من مميزات الآخرين بسهولة لأن تميز الآخرين يُشعر العقلية الثابتة بالتهديد والفشل، لأنه إمّا أن يكون الأفضل في كل شيء أو سيكون فاشلاً.
فكر معنا هل قمت بأخطاء من هذا النوع وتبت منها.. شجع غيرك على حبك للتغيير نحو الأفضل.
كم نفرح عندما يستطيع طفلنا الصغير أن يقرأ، أو يحسب أسرع من أقرانه، أو يكتشف آلية عمل جهاز، أو تركيب لعبة بعينها فنقول له: " حقاً إنك ذكي!.. "
لأن ثناءنا على ذكائهم سيعلمهم أن ذكاءهم هو سبب نجاحهم وتميزهم وليست المحاولة وبذل الجهد. لا شك أن عليهم التعرف على قدراتهم المرتفعة من ذكاء لغوي، أو حركي، أو بصري ( فني)، أو منطقي، أو اجتماعي، أو شخصي، أو إيقاعي، أو طبيعي (حب للطبيعة والكائنات)، ولكن دون أن يركنوا إليها. بل ليعلموا أن الذكاء ينمو بالمحاولة والتجربة، مثل العضلة التي تقوى وتكبر ببذل الجهد.
لذا يجب علينا أن نثني على الجهد المبذول والمحاولة ونتجنب الثناء على الذكاء حتى يتعلم ولدنا أن التميز يأتي من بذل الجهد وليس من الركون للذكاء، فيصبح لديه عقلية نامية growth mindset وهي العقلية التي تحب التحدي، ومعيار احساسها بالنجاح هو متعة التعلم والمحاولة بغض النظر عن النتائج، بعكس العقلية الثابتة التي تعتبر أن نظر الناس لها هو معيار النجاح والفشل، فتتجنب التحدي خشية الوقوع بالفشل لتتجنب نقد الناس، وبالتالي لن تبدع ولن تتطور كما ينبغي لها، كما أنها لن تتعلم من مميزات الآخرين بسهولة لأن تميز الآخرين يشعر العقلية الثابتة بالتهديد، فهو يرى أنه الأذكى والأفضل، فتضع العقلية الثابتة نفسها في قالب من الجمود والاعتزاز بأوهام من الغرور "أنني أنا الأذكى.. كما قيل لي"، بينما تمر عنها العقليات النامية وتتقدم معانقة التحدي ومستمتعة بالمحاولة والتعلم من الخطأ، بغض النظر عن النتائج، فتحلق في سماء التميز والإبداع.
فلنحذر من أبعاد كلماتنا.
لبناء أدمغة نامية "growth mindsets" لنا ولأبنائنا فإن علينا الإقبال على التعلم وحلّ مشكلات الحياة بايجابية، ذلك لأن أدمغتنا تنمو في هذه اللحظات فنزداد ابداعاً ومرونةً وذكاء.
تصوّر الخلايا العصبية في دماغك وهي تتشابك وينمو دماغك عند التعلم ومواجهة التحديات. ولولا مشكلات الحياة والمبادرات الذكية لشاخت أدمغتنا وانكمشت. ومع الإيجابية والشكر والرضا يزدهر دماغك وأنت في قمة شيخوختك، والعكس صحيح.
فسبحان الله الحكيم الذي يُخرج الزهر من الشوك برحمته وبماء شُكره.