الحياة تجربة كبيرة للتعلم ليس الهدف منها أن تكون مثالياً بل أن تتعلم من الأخطاء السابقة حتى لا تكررها
فلا توجع نفسك لأنك أخطأت فأنت بشر لا يمكن أن تكون مثالياً أو ملاكاً بل خلقت لتتعلم..
حوّل تفكيرك من سلبي مؤلم إلى إيجابي بنّاء بتذكير نفسك أني تعلمت وسأحرص ألا أعيد الخطأ!
أنا بشر!
سأنمو وأصبح أقوى لأني تعلمت!
الحياة تجارب!
وكلما أعادك تفكيرك لنقطة "الألم من الخطأ" عد به لنقطة "أنا بشر! ولقد تعلمت وكبرت بتجاربي وأصبحت أقوى!" ليركز دماغك على ما تريد لا على ما يريد!
إن كان هناك ما يحتاج إلى توبة فتب إلى الله فتشعر بعبوديتك لله وتعلو فوق أخطائك ..
تذكر حديث رسول الله ﷺ :
لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم. رواه مسلم.
من الطبيعي أن تخطئ فأنت بشر.. لكن إن لم تتقبل أنك بشر تخطئ فأنكرت الخطأ أو لمت غيرك أو سيطر عليك ألم أنك تخطئ فلن تتعلم وتنمو بل ستبقى في صندوق مظلم..
حرّر نفسك!
ثقافة خاطئة منتشرة جداً في مجتمعاتنا تحرمنا النجاح في تربية أبنائنا والاستمتاع بعلاقتنا معهم، بل وتمنع نموّهم العاطفي والمنطقي وهي "التعامل مع الخطأ".
مثلاً: عندما تَرِدني أنا كأم أو كأب ملاحظة من المدرسة أن ولدي ينسى حل واجباته.. ما هي ردة الفعل الدارجة تجاه هذا الخطأ؟
خيبة الأمل؟ التأنيب؟ التهديد؟ الوعظ؟..
ماذا سيتعلم الولد.. أن يخفي خطأه؟ أن يكره نفسه؟ أن يشعر بالإحباط والدونية؟
من الممكن أن نستغل وجود أخطاء لأبنائنا ونحولها لفرصة لتعليمهم مهارات التفكير وتنمية الذكاء ورفع الثقة بالنفس من خلال تعليم مهارة حل المشكلات بدلاً من التأنيب والإحباط.
يجب أن تسأل ولدك بثقة وحسن ظن ومن دون تخويف:
لماذا تنسى حل الواجب؟ فكر ما هي الأسباب التي تجعلك تنسى؟
ثم تستمع إليه باحترام وتعطيه الفرصة ليفكر ويحلل الأسباب وينمي مهارات تفكيره، وتتقبل أنه من الطبيعي أن يخطئ الإنسان، فيتعلم مراجعة نفسه ويتحمل مسؤولية خطئه، بدل من إخفائه وإنكاره كما يفعل كثير من الناس في مجتمعاتنا اليوم.
بعد أن تصغي إليه، تطلب منه أن يضع الحلول لهذه المشكلة التي يعاني منها، ويختار منها ما يمكن تطبيقه فعلاً:
ماذا يمكن أن تفعل لحل مشكلة نسيان الواجب؟
تابعه في حل المشكلة وشجعه على التقدم في حلها، اسأله:
ماذا حدث معك؟ كم نسبة تقدمك في حل المشكلة؟
مع تقبل أنه لا يستطيع فجأة أن يحل جميع واجباته، وبالتالي نشجعه على أي تقدم يحرزه حتى لو كان حل واجب واحد في الأسبوع، طبعاً مع استمرار تشجيعه على وضع الحلول لهذه المشكلة ومناقشته في الأسباب والحلول ليصل إلى المرحلة أنه يتذكر حل واجباته بصورة عالية.
عندما نتقبل أن التقدم الجزئي هو الذي يؤدي إلى التقدم العالي، ونشجع الجهد المبذول بدل من منح التقدير للنتيجة النهائية، سيتشجع ولدنا لتحقيق المزيد من التقدم ولن يخاف الفشل، وبالتالي سيكتسب عقلية نامية Growth Mindset تعانق التحدي وتستمتع بتحقيق أجزاء صغيرة يومية من النجاح، تشجعه على تحقيق المزيد والمزيد من النجاح في حياته.
إن منح التقدير فقط عندما يحقق ولدنا النتيجة النهائية يكسب الولد عقلية الأبيض والأسود Black or white - وهي من أخطاء التفكير الدارجة Cognitive Distortions، التي تؤدي إلى السلبية وضيق الأفق والخوف من المبادرة، فهو إما ناجح أو فاشل، إما أحل جميع الواجبات أو أنا فاشل.
كم يحتاج أبناؤنا إلى الاحتواء عندما يخطئون، بدلاً من الوقوف ضدهم وإحباطهم في واقع صعب ينتظرهم؟
وكم يحتاجون إلى تنمية مهاراتهم بدلاً من تجميدها من خلال التخويف والإحباط وإلقاء اللوم؟
وكم يحتاجون إلى التشجيع ليواجهوا التحديات وينمون من خلالها، ليشعروا بالثقة ومتعة النمو، بدلاً من الإحساس بالضعف والدونية؟
ثم نلومهم لماذا لا يتحملون المسؤولية ولماذا هم سلبيّون؟!
هل يجب أن يشكر الإنسان نفسه؟ وعلى ماذا يشكر نفسه؟
وهل شكر النفس يؤدي إلى العجب؟
وماذا لو لم يشكر الإنسان نفسه؟ هل سيؤثر على إحساسه بقيمته الذاتية؟
وما تأثير إحساس الإنسان بقيمته على نفسيته وسلوكه؟
أسئلة وصلتني من المتدربات في دورة مربي الشخصية الإبداعية الأخلاقية التي انطلقت قبل أسبوع، ونحن نتحدث عن أهمية إثارة المشاعر الإيجابية لفرز هرمونات السعادة التي تؤدي إلى ازدهار الدماغ flourish ، وبالتالي تحقيق السعادة والرضا well being ، وذلك وفق علم النفس الإيجابي.
الشكر يفرز هرمونات إيجابية مهمة في تحقيق التوازن النفسي وازدهار الدماغ، مثل هرمون السيراتونين وهرمون الأكسيتوسين وهرمون الدوبامين، سواء كان هذا الشكر موجهاً لله تعالى، أو للناس، أو للنفس، حيث ينشر الشكر في النفس الإحساس بالتقدير والرضا والسعادة، لذا أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشكر فقال: من لم يشكر الناس لم يشكر الله. رواه الترمذي
ونحن من الناس! فهل يجب أن نشكر أنفسنا؟ وكيف نشكر أنفسنا دون أن نصاب بالعجب؟
شكر النفس هو من شكر الله تعالى، فعندما ننتبه إلى الأعمال الصغيرة التي قمنا بها خلال يومنا فإننا ننتبه إلى نعم الله تعالى علينا، فلولا توفيق الله لنا ما تحركنا من أماكننا، ولا بادرنا وقمنا بأي عمل، فهذا الشكر يجعلنا نقدّر أنفسنا ونشعر بقيمة ما نقوم به، ونحن نشكر الله في الوقت ذاته، ونرجع الفضل إليه، أي يمكننا أن نسميه: شكر الذات على أعتاب العبودية لله تعالى (وما توفيقي إلا بالله).
كما أن الإنسان إذا لم يشكر نفسه ويقدّر نفسه من الداخل، لن يعوّضه التقدير الخارجي مهما كان، لأن التقدير الذاتي ينبع من الداخل وليس من الخارج.
إذن يجب أن نشكر أنفسنا على ما نقوم به، ونربط هذا الشكر بشكر ثاني هو شكر الله تعالى على توفيقه لنا، وهنا يأتي السؤال:
كيف يمكن أن نشكر أنفسنا؟..
تخيل معي..
في آخر يومك، وقبل أن تسدل الستارة على هذا اليوم، مر بخيالك على مشاهد يومك، وتذكر:
ما الأشياء التي قمت بها وتؤثر عليك وعلى المحيطين بك؟ ماذا فعلت اليوم من أشياء إيجابية وطيبة؟
مرّ وأنت تتذكر وتشكر نفسك وتشجعها، وتشكر الله تعالى أنه أعانك..
قل لنفسك (مثلاً): الحمد لله أني.. استيقظت في الصباح، تهيئت واعتنيت بنفسي، سعيت وعملت، صليت، ذكرت الله، قمت بأعمال منزلية، تواصلت مع والديّ، سألت عن صديق، تناولت طعاماً صحياً، مارست رياضة، استرخيت، قمت بشيء استمتعت به وجددت نشاطي، استمعت إلى فيديو تعلمت منه شيئاً إيجابياً، قرأت، تصدقت، ساعدت، قلت كلمة لطيفة شكرت فيها أحداً، منعت ظلم وأذى عن نفسي أو عن غيري، سامحت، رحمت، حنوت، ابتسمت في وجه أحد..
تخيل.. كل ما سبق هو إحسان للنفس وللآخرين.. إحسان يستحق شكر النفس وشكر الله، ونحن عندما ننتبه إلى تفاصيل يومنا، ونشكر أنفسنا على هذا الإحسان، سنبث الإيجابية في أنفسنا ونشجعها على القيام بالمزيد، فالتشجيع يطلق المبادرة والفاعلية، وشكر الله تعالى يذكرنا بأن الله تعالى أنعم علينا إذ مكنّنا من هذا الخير، ولو كان صغيراً، ولو كان ابتسامة، فلا تستهين بابتسامة تخرج منك وتصل إلى شخص أمامك تسعده، وتسعد نفسك أيضاً معه، في لحظة بادرت فيها للتبسم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طلقٍ. رواه مسلم.
هذه الابتسامة البسيطة تستحق شكر النفس وشكر الله على توفيقه أن مكنّنا أن نبتسم..
يعتقد بعض الناس أن عليه أن يقوم بعمل عظيم - مثل أن يحفظ القرآن الكريم أو يحصل على شهادة دكتوراة أو يصبح غنياً - حتى يشكر نفسه، والحقيقة أن حفظ القرآن الكريم لا يـأتي بخطوة واحدة، بل هو حصيلة عدد كبير من الخطوات اليومية، كل خطوة منها تستحق شكر النفس لتشجيعها على المزيد من المبادرات الطيبة، وأيضاً شكر الله تعالى على توفيقه، وكذلك الحال في أي عمل كان؛ سواء كان كبيراً أم صغيراً، فلا يوجد عمل صغير، كل عمل طيب نيته لله تعالى، هو عمل عظيم، ولو كان "ابتسامة".
شكر النفس وتشجيعها يؤدي إلى الإحساس بالقيمة والاستغناء عن التقدير الخارجي، وهو مهم في التوازن النفسي، ومهم أيضاً في إخلاص العمل لله، والقيام بالعمل دون انتظار المقابل، سواء كان مادياً أو معنوياً، فالاستغناء بإحسان هو روح العمل وسر من أسرار قوة الباطن. رزقنا الله وإياكم شكر الله تعالى في جميع سكناتنا وحركاتنا.. وكتبنا في الشاكرين..
جربوا معي: اجلسوا مع أنفسكم آخر اليوم، ولو على وسادة النوم، تشكرون أنفسكم وتشكرون الله على الأعمال الإيجابية التي قمتم بها خلال اليوم، وانتبهوا إلى مشاعركم الذاتية، وبركة أيامكم..
وأخبروني: كم ارتفع شعوركم بالرضا والسعادة؟
من الشائع في تربيتنا التقليدية – مع الأسف، أننا نريد من أبنائنا أن يقوموا بعمل يحتاج إلى تكوين مهارة وبناء عادة، مثل ترتيب الغرفة أو الدراسة، بمجرد إعطاء أوامر، أو لجوء للمكافآت أو العقوبات، على غير وعي منا بما تحتاجه المهارة لتتكون في الدماغ، فمثلاً لندرب ولدنا على مهارة ترتيب الغرفة نحتاج إلى شرح خطوات وتفاصيل العمل، ثم تشجيعه على القيام به تحت إشرافنا، على أن تكون مهام المهارة ملائمة لعمره.
ثم الانتقال إلى مرحلة القيام بها وحده، مع تذكيره في حال نسي، برفق و دونَ لوم، حتى نساعد المهارة لتتكون في الدماغ وتتعمق مساراتها فتصبح عادة.
يجهل الأهل في كيفية تكوين العادات والمهارات في الدماغ، فيريدوا من ولدهم أن يقفز قفزة واحدة من مرحلة أول المعرفة بالعمل إلى مرحلة الالتزام به في غضون فترة قليلة، ربما تكون يوماً واحداً! وهو شيء مستحيل لأن ضعف تشابكات المهارة في الدماغ يجعل الإنسان غير واعٍ بالقيام بها، وينساها بسهولة عند تذكر أي شيء آخر أكثر متعة أو أكثر أهمية بالنسبة له.
يلجأ الأهل إلى المكافأة والعقاب وإلى أساليب الضبط السلبي لسد الفجوة الكبيرة بين أول المعرفة واكتساب المهارة، فيشعر الولد بالإحباط، وتبدأ المعاناة معه والتمرد وإساءة السلوك.
ما الحل؟
لنأخذ مهارة الدراسة على سبيل المثال:
1- اشرح خطوات العمل في البداية، واشرف عليه بعدها للتأكد أنه تم استيعاب أجزاء وتفاصيل العمل. مثل أن تشرح لولدك كيف يدرس، وتبقى جالساً معه، لتتأكد أنه جلس وركّز، ويقوم بخطوات العمل بشكل صحيح ليكتسب مهارة الدراسة. (يمكن أن تقوم بعد فترة من جانبه عندما تتأكد أنه اكتسب المهارة، ولكنه يحتاجك إلى جانبه في البداية ليعتاد على الجلوس، وهو أمر صعب لطفل في البداية)
2- تهيئة المكان و الزمان لممارسة العادة يسهّل على الدماغ التمكّن منها لتصبح سجية.
ضع قانوناً: مثل: الدراسة تبدأ الساعة الرابعة، وهيئ مكاناً مناسباً ومريحاً خالياً من المشتتات، واجلس معه في المكان لتنشر الراحة والدفء والسكينة.
3- التذكير بحبّ: ذكر ولدك بحبّ و دون توتر إذا تأخر عن الدراسة وانشغل بشيء آخر، من خلال كلمات قليلة بنبرة حازمة لا تخيفه ولا تؤنّبه مثل: "الدراسة أولوية".
كم ستحتاج من الوقت؟
الأمر يعتمد على عدة عوامل، لا يوجد وقت محدد، قد يكتسب ولدك المهارة في شهر، وقد يحتاج متابعتك وتشجيعك لسنوات، الأمر لا يتعلق بالذكاء، بل بنوع الذكاء، فلا شكّ أنّ ولد ذكاؤه الحركي أو الاجتماعي مرتفع سيحتاج منك وقتاً أكثر من ولد ذكاؤه الذاتي مرتفع، الثاني يحبّ أن يجلس ويركّز أكثر.
تذكّر أنه لا يوجد أحد أذكى من الآخر، لكن اختلافنا حكمة وجمال من الله الحكيم العليم، ليعمر هذا الكون، وكلٌّ ميّسر لما خُلق له.
كما أن قوة علاقتك به ومحبته لك تسهّل عليه تكوين العادات الإيجابية التي تدعوه إليها، وعلى العكس؛ سوء العلاقة بيننا وبين أبنائنا تجعلهم يتمرّدون علينا وعلى الأعمال الفضيلة التي ندعوهم إليها، انتقاماً منا على سوء المعاملة.
عندما تتابع ولدك وتشجّعه ليكتسب العادات الإيجابية؛ أنت تؤسّس لديه عادات التفوق والنجاح التي يحتاجها مدى الحياة، وعندما تؤنّب ولدك أو تلومه أو تعاقبه وأنت تجهل صعوبة ما يحتاجه الأمر ليتكون في الدماغ ويصبح سهلاً عليه وعادة له؛ فإنك تربي إنساناً محبطاً فاقداً الثقة في نفسه، يرى نفسه لا يرقى لأن يكون ضمن توقعاتك؛ فيفقد الرغبة في السمو والتطور الذاتي، ويشعر بالعجز.
تعاملك مع ولدك وصبرك عليه وتشجعيك له يرسم ملامح شخصيته ويوقد دافعيته الذاتية نحو الأمام، فانتبه لردة فعلك، وكن رفيقاً.
إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ. رواه مسلم.
انتشر مفهوم الذكاء الروحي عالمياً في الآونة الأخيرة، ويعد هذا المفهوم مفهوماً حساساً بسبب ارتباطه بالعقيدة وغايات الوجود، لذا تحتاج كل أمة أن تطور مفهومها الخاص المرتبط بفلسفتها وقيمها الروحية، مع الاشتراك مع كثير من القيم العالمية التي ترتبط بسمو الإنسان وارتقاء روحه وأخلاقه.
يذكر ستيفن كوفي في كتابه العادة الثامنة بأن الذكاء الروحي هو مركز وأساس الذكاءات الأخرى لأنه يصبح مصدرَ التوجيه للذكاءات الأخرى، ويعرف كوفي الذكاء الروحي بالبحث عن المعنى والارتباط بالخالد " أي الارتباط بشيء أكبر وأعظم من أنفسنا وأعمارنا".
يعرف إيمونز الذكاء الروحي وفق خمسة أبعاد:
الذكاء الروحي يتكون من عدة قدرات، هذه القدرات هي فطرية ومكتسبة في آن واحد، فالذكاء الروحي هو ذكاء الفطرة، ويولد الإنسان على الفطرة، ولكن أبواه يساعدانه في السمو الروحي والأخلاقي، أو يهبطا به، ومن ثم يكمل الإنسان طريقه في الحياة، متخذاً قرارات إما يسمو بها أو يدنو.
نعم، يختلف الناس في ذلك، فهناك من أبناء البيت الواحد من تظهر عليه مؤشرات مرتفعة منذ صغره في هذا الذكاء، وقد لا تظهر بنفس الكيفية على أخيه.
يرتبط الذكاء الروحي بغايات الوجود الإنساني، تختلف تلك الغايات باختلاف العقائد والملل، وبالتالي يتأثر تعريف الذكاء الروحي بحسب الغايات التي يؤمن بها الفرد.
كلما صحت العقيدة منحت أتباعها فرصة حقيقة للسمو الروحي الكامل، وبالتالي فإن الإيمان بعقيدة سليمة واتباعها بصدق، يؤدي إلى التنمية الأعلى لقدرات الذكاء الروحي
العقيدة السليمة هي عقيدة الفطرة، هي العقيدة التي تؤمن بإله واحد خالق مدبر لهذا الكون، لا شريك له، إليه يرجع الأمر كله.
شيء ما بداخلنا.. يدفعنا لنسعى ونتحرك.. قوى عظيمة تحركنا لنجري ونعمل.. في صباحنا.. وفي مسائنا.. كأننا نبحث عن شيء نريده.. هنالك شيء عميق بداخلنا نحتاجه..
نعم .. نحن نتحرك في يومنا لدوافع كثيرة.. فربما أننا نتحرك سعياً للنجاح .. وربما نريد أن نشعر بالقوة.. وقد نتوق للتميز.. ونرغب بأن نتحلى في عيون من حولنا بالجمال والكمال..
لكن هلا تساءلنا عن حقيقة دوافعنا؟.. وما وراء تحركاتنا؟.. هل نرغب بهذه الأمور لذاتها؟.. أم لأنها وسيلة تلبي حاجات أخرى كامنة في أعماقنا؟.. في داخلنا؟.. في عمق العمق؟!..
تساءلت وتساءلت.. ثم فتشت ومحصت.. فشعرت بأننا نريد شيئاً آخر.. شيئا ما.. وراء هذا النجاح والتميز والجمال.. شيئاً ما.. يجلبه لنا.. نجاحنا وجمالنا وتفوقنا..
قد رأيت.. أننا كثيراً ما نسعى.. ونحن نريد أن نشعر بالقبول.. ونتحرك.. ونحن نتعطش للتقدير.. ونتفوق.. ونحن نرغب بالحب.. نريد أن نشعر بالحب... ونريد أن نتبادل الحب.. فإن أرواحنا – حقيقة - لا تسكن إلا بالحب.. فهي ظمأى للحب.. ولا يرويها إلا الحب..
آه ..إني أشعر بقلب كل واحد منا يفتقر إلى الحب وينادي عليه :"أين أنت أيها الحب؟.. أين أجدك؟.. أحتاجك.. ولا أرى سعادة بدونك!.... أرح نفسي أيها الحب.. وأخبرني أين أجدك؟.. فقد تعبت من الجري والبحث.. والسعي من أجلك."
كم أرى في عيون البشر ظمأ قلوبهم لك أيها الحب.. وكم أشعر بحاجتهم للسكون والسعادة..
إني أسمع الآن.. مناجاة رقيقة.. ومناداة حنونة.. همس بها قلب إنسان قائلاً للحب: "بحثت عنك أيها الحب عند شتى البشر.. وكلما ظننت أني وصلت إليك.. أو أنني تحسستك.. أجدك اختفيت.. ولا أجد إلا الوهم.. أخبرني أيها الحب.. فقد تعبت.. وكدت أصاب باليأس أن أجدك يوما ما.. "
سمع الحب نداء القلب فأجاب: " تريدني.. أيها القلب لتنبض؟.. تتعطش روحك إليّ لتحيا؟..نعم.. فأنا حقيقة السعادة.. وأنا غاية الوجود.. من وجدني.. فقد وصل.. ومن فقدني.. ضاقت روحه وضاع عمره ومسعاه.. "
تساءل الحب وأكمل: " تبحث عني عند البشر؟.. ربما تجدني يوماً.. لكنك لن تجد حقيقتي.. إنما يكون شعاعاً ضعيفاً مني.. يشرق تارة.. وينطفئ أخرى.. فإن البشر.. إنما يحبونك لأجلهم.. لا لأجلك.. فربما آلموك لتحسن إليهم.. وربما منعوك وحرموك.. وربما أساؤوا فهمك فأحزنوك.. فعندها ينطفئ شعاعي"..
"حسناً.. أخبرني أيها الحب.. أين أجدك؟.. أخبرني وأرحني.." سأل القلب بحرارة
أجاب الحب: " تريد أن تتمتع بي عند " كائن بشري"؟.. نعم.. إن كان حلالاً ستجد ذلك .. وإلا أُضرم قلبك نارا بعد الحب.. ستجدني يا قلب في حب حلال.. ومع ذلك.. سأشرق على قلبك تارة.. وأنطفئ أخرى.. فإن البشر يخطئون.. يعتريهم الضعف.. فهم لا يستطيعون أن يجلبوا لأنفسهم النفع.. ويدفعوا عنهم الضر.. فكيف يجلبوا لك ويدفعوا عنك؟.. ربما لن تجدهم لك يوماً.. وربما لن تجدهم معك دوماً.. فإنهم بشر.. الضعف مجبول فيهم"..
"إذن.. أين أجدك أيها الحب؟.. لقد أتعبتني وراءك.. " تنهد القلب
أجاب الحب: "أيها القلب ستجدني.. نعم ستجدني.. وستجد حقيقتي لا أطيافي .. ستجدني عندما تتذوق الجمال.. وسأتحرك في أعماقك.. عندما تشهد الكمال.. وسأشرق بين أضلعك.. عندما ترى الإحسان.. لكن تذكر.. بـأني لا أبقى ولا أقر في جوفك إلا إذا.. ذقت جمالاً سرمدياً لا ينفد.. وكمالاً لا يعتريه الضعف والنقص.. وشهدت إحساناً دائماً لا ينقطع"..
قال القلب: " أيها الحب أريدك.. أريدك أن تأتي وتتحرك وتشرق في أعماقي.. فأنت حياتي ومناي ومهجتي.. دلني على الطريق إلى قرارك.. دلني لأجدك فأسعد.."
أيا قلب.. تفكر
قال الحب: "أيها القلب هلا تأملت في نفسك؟.. هلا تفكرت في أحوالك؟.. فلو أبصرت نفسك لعرفت ربك.. وتدفق الحب.. يغمر كيانك.. فإن الحب أقرب إليك من نبضاتك!.."
تعلقت بقدرتك ورعايتك
" أيا قلب...تيقظ...أيا قلب.. تعلق.. بمن أوجدك ويرعاك.. في نهارك وفي مساك.. وبالقوة يمدك.. وبالفهم ينير دربك.. فأنت بإمداده تحيا وتستمر .. وبدونه تطوى وتندثر.. فحياتك به.. ومآلك إليه.. ياه !.. كم أحبك يا من حياتي به.. وأمري كله بين يديه..
ما ألذ إحسانك
أيا قلب.. تنبه.. أيا قلب.. تأمل.. مع كل شربة ماء تروي الضلوع.. وفي كل لقمة لذيذة تسد الجوع.. ومع كل شفاء بعد السقم.. ومع كل رحمة بعد الألم.. أبصر عطاء الله يغمرك.. وبالحب يشحنك.. ياه كم أحبك يا من تطعمني وتسقيني.. وترعاني وتشفيني.. نعم.. أحبك وأحبك.. فأنا أهنأ ليل نهار.. بعطائك وإحسانك..
ربي.. إني أرقد ثم أصحو .. فأجد رحمتك سبقت إدراكي.. عادت روحي تتنشر يقظى في أعضائي.. واستعدت وعيي.. وشحذت مشاعري بأمل جديد.. أتنسم فيه الخير المديد.. فأقوم وأسعى برحمتك.. وأتحرك في سائر يومي برعايتك.. إنساناً أكرم أيما إكرام.. روحه نفخة من روح الله...فيا الله ما أحن رعايتك.. وكم يتجدد - في كل يوم- كرمك وعطاؤك..
أحب شدة حنانك
أحياناً.. أشعر بالهم يلف كياني.. والإحباط يزلزل أركاني.. فترسل لي ربي.. بشرى تزيل همي.. أو يداً حانية تمسح أحزاني.. أو حتى نعاساً.. أفيق بعده لأرى همومي قد تضاءلت وتصاغرت.. وحلت مكانها بسمة أمل.. تشرق على قلبي.. ما أرق ودك.. وما أعظم عنايتك.. أحبك وأحب مواساتك.. وشدة حنانك..
أخطئ.. فتحلم علي.. وتعفو عن كثير.. أتمادى فتعيدني إليك.. بابتلاء يطهرني من ظلمي وزللي.. ويرفع مقامي ومنزلتي.. تشتد الدنيا علي.. فألجأ إليك وأدعوك.. فتتولى أمري.. وتقضي تدابيرك بما فيه الخير لي... والحكمة والرحمة منسوجتان بين أقدارك.. فسبحانك.. ما أعدل حكمك.. وما أشد عونك.. وما أعذب حنانك في بلائك..
أشرق بحبك.. عندما أرى الرحمة والحب في قلوب الناس من حولي.. فأنا.. إنما امتلأت بالمعايب.. فأظهرت للناس مني المزايا والمواهب.. ما ألطف سترك.. وما أجود كرمك.. أحبك لروعة حنانك..
تعلقت بجمالك الخالد
يتوق قلبي إلى تذوق الجمال.. وإشباع حواسي ووجداني بعذوبته.. فيتعلق قلبي ب
العفوية هي عدم التصنع والتكلف اعتقاداً أن ذلك سيؤدي إلى استحسان الناس..
العفوية تعني أن أتصرف على طبيعتي وأنا متقبل لنفسي ومتقبل للناس عموماً..
العفوية تنتج عن تقدير قيمة تفردنا وأننا لا نحتاج أن نجعل من أنفسنا نسخة من غيرنا لنشعر بالانتماء..
العفوية إيجابية وانطلاق وتحرر من مخاوف الرفض أو النقد وتحرر من التمركز حول نظر الناس..
العفوية أن يتشابه ظاهري مع باطني..
العفوية تعني قلب منفتح للمحبة.. مقبل على الحياة.. وصدر منشرح برضا..
العفوية أن أمتلك قلب طفل وعقل راشد..
العفوية راحة للقلب.. نحن نسعد مع الناس الذين نشعر أننا على طبيعتنا وعفويتنا معهم.. والعكس صحيح..
العفوية تعني التصالح مع الذات والتصرف بدون قيود التوتر بل بقيود الحكمة ومرضاة الله..
العفوية لا تعني أن أفقد الحكمة في التحدث أو التصرف.. ولا أفقد اللباقة أو الاحترام..
عندما أتحدث بعفوية أبقى مراقباً للحكمة من حديثي:
هل حديثي فيه فائدة؟ هل هو مريح لغيري؟ هل أبتغي به مرضاة الله؟
الناس يرتاحون إلى العفوية ويشعرون بها وينفرون من التصنع ويشعرون به.. حتى لو لم يتكلموا..
العفوية عنصر جاذب في المرأة.. على عكس ما تعتقد بعض النساء.. فتتكلف وتتعب دون جدوى..
العفوية سر من أسرار التأثير وسر من أسرار نجاح العلاقة الزوجية..
العفوية تجذب الطفل للمرأة.. وتساعد في تربية شخصية الطفل الواثق من نفسه..
كلما تراجع تقدير الذات تصنّع الإنسان وتكلّف وربما تزيّف.. وكلما زاد تقديره لذاته أصبح عفوياً على طبيعته.. لأنه يحب نفسه.. ولا ينتظر أن يحبها بسبب استحسان الناس لها.. أو بسبب رأي الناس به..
البيئة السلبية تقتل العفوية.. والعفوية تربو في بيئة إيجابية فيها التقدير وحسن الظن..
عندما يبادر أحد أبنائنا فيعبر عن رأيه أو يطلب منك الإذن ليخرج إلى مكان معين أو يسجل في دورة معينة أو يشتري شيء لأمر معين أو يرغب في اقتناء حيوان فنقول له "لا" ونشعره بالذنب لأنه سأل فإننا نغلق أمامه نوافذ الحياة..
" كلمة "نعم" هي أكثر من مجرد كلمة.. هي تعبير عن كياننا مع أبنائنا وعن طريقة التواصل..
هي بوابة الإيجابية والتفاؤل وحب الفضول المعرفي والشجاعة والمرونة والنمو الذاتي لأبنائنا.."
هناك كثير من الأعمال الإيجابية والتعبيرات التي يقومون بها يجب أن نلتفت لها ونقول لهم "نعم"..
يوجد مساحة كبيرة في حياة ولدنا أو ابنتنا نستطيع أن نتوافق معهم فيها ولا نقوم بتنكيسهم.. نستطيع أن نتوافق معهم في كثير من الآراء التي لا يضرهم فيها أن نقول "نعم".. وكثير من "المباح" أو حتى " المكروه" أحيانا الذي يميلون إليه ويختارونه..
إن لم تكن مقتنعاً بطلبه.. تجنب أن تقول له "لا" على الفور.. حاوره بلطف ليعبر لك عن حاجاته وأفكاره.. وإذا أردت أن ترفض فارفض بلطف وأنت تحاوره لتقنعه.. واجعل رفضك استثناءً بين العدد الكبير من كلمة "نعم" التي تسمعها أذنيه في حياته معك..
"نعم أوافقك" بابتسامة تشجعه على اكتشاف العالم واكتشاف ذاته للنمو والتألق الذاتي..
تذكر أن القمع والكبت هما السببان الرئيسيان وراء كل سلوك سلبي.. وأن الكبت يعلم ولدنا أو ابنتنا التمرد علينا وعلى عدم التمييز بين التمرد على ما هو خطأ وما هو صواب، بما في ذلك منظومتنا الدينية والثقافية والأخلاقية..
ثم نتساءل لماذا يرفض ولدنا الإنصات إلينا؟!.. ولماذا لا ترغب ابنتنا في ارتداء الحجاب؟!.. ولماذا؟.. ولماذا؟!..
فلا نريد أن نقول لهم "لا" لأننا سمعناها من آبائنا مراراً أو لأننا نتوهم أن ذلك سيمنحنا قيمة أمامهم..
انتبه لردة فعلك فالثمن سيكون باهظاً لعدم وعيك..
تابعونا وشاركوا معنا: كم مرة قلت "نعم" هذا اليوم؟.. وكم مرة قلت "لا"؟..
نحو شخصية إيجابية..
بقلم أ.مها شحاده
حقيقة ينبغي أن ندركها وهي أنه لا يمكننا النجاح في تربية أبنائنا مهما فعلنا إلا أن يتولاهم الله برحمته ورعايته.. ولذلك فإن دعاءنا لهم بالصلاح هو المنطلق الأول في التربية.. ونحن في ذات الوقت مأمورون بالأخذ بالأسباب..
فما هو مقياس نجاحنا كمربين؟ هل هو ثناء الناس على إنجازنا معهم؟ هل هو تحقيق المناصب والألقاب؟
هناك أساسان لنجاحنا في تربية أبنائنا، وكل شيء يأتي بعدهما، فما هما؟
الأساس الأول هو: أن نربي أبناءنا بعيداً عن العقد النفسية وأمراض القلوب، والإحساس بالنقص في تقدير الذات، وننجح في ذلك عندما نتقبلهم كما هم دون شروط ودون رسم طريق حياتهم بتفاصيل محددة وإرغامهم على السير وفقها لنمنحهم الشعور بأنهم مقبولون ومحبوبون فقط عندما يرضوننا بالسير على النهج الذي نحدده.
ليشعر أبناؤنا بالتوازن والتقدير ينبغي أن نفتح معهم باب الحوار المبني على الاحترام والثقة، ونمنحهم الحرية النفسية من خلال التخلي عن التحكم بهم، لنتيح المجال لثقتهم بأنفسهم أن تكبر بداخلهم، ولا تعتقد أن مديحك لولدك بأنه الأفضل سيمنحه الثقة في نفسه، بل على العكس سيجعله منفوشاً على فراغ، مثل البالون ترمي به ريح ضعيفة، كما سيكسبه عقلية ثابتة Fixed mindset، سبق وأن تحدثنا عنها في مقالاتنا حول العقلية النامية.
وحتى نبني الثقة ينبغي أن يكبر ولدنا دون تحكم في إرادته وقراراته وخطواته، ودون مديح أو مقارنات، فقط علينا أن نمتدح الجهد الذي يبذله ليتعلم أهمية الصبر ويبذل الجهد في تحقيق أهدافه، وأن نمتدح الموقف الأخلاقي الذي قام به - وهو يقوم به - لتشجيعه وإشعاره أنه خلوق وطيب.
كما يحتاج أن نشعره بالحب والقبول دائماً دون شروط، وإذا أخطأ نحاوره ليستنتج الخطأ بنفسه، ونناقشه لماذا يجب أن يتوقف عنه دون إهانة أو ذل أو تهديد.
إن منح الحرية النفسية والقدرة على اتخاذ القرار لا يعني أن أترك له المجال ليؤذي نفسه، بل يعني أن يشعر بالحرية الداخلية أنه قادر على معرفة ما يريد وقادر على اتخاذ القرار، وعند اختلافي معه أفتح له أبواب الحوار والنقاش.
إن تربية ولدنا على نقاء القلب والثقة بالنفس يطلق دافعيته للنجاح ويجعله يميّز بعمق ما يريد، ويجعله إيجابياً مثابراً نحو أهدافه وطموحاته، غير ملتفت لسلبية الناس ونقدهم الهدّام.
الأساس الثاني: بناء علاقته الإيجابية مع الله تعالى وذلك من خلال الخطوات الثلاث:
1- بناء الإيمان من خلال التفكر في النعم والإنسان والكون للاستدلال على آثار وجود الله وغرس محبته من خلال تأمل آثار إكرامه وحكمته وقدرته وعطائه.. اقرأ المزيد في مقال "امتلك مهارة إثارة الأسئلة لتغرس محبة الله في نفوس أبنائك"
2- إثارة دافعيته للعمل من خلال الحرص على مرضاة الله، كأن تقول ادرس ليرضى الله عنك.. فمن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة.. ساعد زميلك ليرحمك الله ويرضى عنك، فالراحمون يرحمهم الرحمن.. اهتم بمظهرك لأن الله جميل يحب الجمال.. وهكذا فإن ربط دوافعه بنيل مرضاة الله يغرس العبودية والإخلاص في أعماقه فيسعد في الدنيا والآخرة.
3- تذكيره دوماً بالشكر على العطاء والصبر على البلاء ليحيا لله ويتذكر الله في النعم والنقم فيتوازن ويؤجر في آن واحد، فلحظات الحياة تتلون بين نعمة وبلاء، وعليك أن تذكره كيف عليه أن يتصرف بما يرضي الله في المحن لينجح في امتحان الحياة الذي يستمر معنا حتى آخر شهيق.
إن قاعدة هذين الأساسين بلا شك هي الإخلاص لله في تربيتهم وليس التباهي بهم أمام الناس، والإحسان في تربيتهم لنجد أبناءنا شفعاء لنا يوم القيامة، ولنترك خلفنا ولداً صالحاً يفعل الخير ويدعو لنا، " رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " آل عمران
"وأنبتها نباتاً حسنا".. نحن ندعو ونستعين بالله ونعذر إلى الله بأن نأخذ بالأسباب، والله هو يصلح وينبت.. ويجعل أبناءنا برحمته قرة عين لنا في الدنيا والآخرة..
"رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا " سورة الفرقان
شاركونا أفكاركم.. ما أكثر خطوة تُهمل عادة في هذين الأساسين؟
إنك لا تعمل عملاً - ولو كان صغيراً بحجم الذرّة - إلا ويكافئك الله الشكور عليه في الدنيا قبل الآخرة..
فلا تحقرن من المعروف شيئاً..
حقيقة إيمانية.. ما من أحد منا إلا وقد لمس أثرها في حياته.. بل وفي حياة من حوله..
أساس هام نرفع به إيماننا وإيمان أبنائنا.. ليبدد القيم الواهية التي تنشر شباكها على مجتمعاتنا التي مرضت بالأنانية واللؤم والعمل للمصلحة الشخصية دون الالتفات إلى الرحمة والحرص على الآخرين..
يقول المثل "اعمل خير وارميه في البحر".. أعتقد أننا يجب أن نكمل هذا المثل قائلين:
"والله سيخرج لك من البحر درراً وجواهر لأنه الشكور"..
قد تكون الجواهر حفظاً أو بركة أو كف أذى أو شفاء أو تيسير أو توفيق أو رزق أو محبة أو نصر أو بر الأبناء أو فتح أو علم أو هداية أو انشراح.. إلخ ما لا يحصى من النعم..
أنت مع الله في ربح دائم.. فافعل الخير من أجله وثق أنه سيكرمك..
حقيقة يجب أن نتغنّى بها مع أنفسنا وأمام أبنائنا في كل يوم ليقبلوا على الخير ويقدّروا فعل الخير مهما كان صغيراً..
عندما نذكر أبناءنا بحب أن الله الشكور يكافئنا على أعمالنا في الدنيا قبل الآخرة، ولكن بشرط:
أن نعمل العمل فقط ليرضى الله عنا.. ونقوم به بحب ورغبة من قلوبنا لا لأننا مكرهين..
فإننا سنربطهم بقاعدة إيمانية عميقة تقوم على التقدير والثقة بالله وبعطاء الله وبخير الله.. في الوقت الذي تحيط بأبنائنا الكثير من المشوشات التي تعمل على تلاشي تلك القاعدة في قلوبهم ليعيش أبناؤنا في فراغ تحكمه الأنا والعمل فقط لأجل إثبات الذات.. متناسين أن الله يكبّر الخير القليل ويربيه لنا ليبلغ مبلغ جبل أحد.. لأنه الشكور..
فعندما يطلب أحد المساعدة في المنزل يتقاعس الجميع (في العادة) .. وكل واحد يقول "اشمعنى أنا".. ولو آمن باسم الله الشكور لعلم أن الله سيكافئه في الدنيا قبل الآخرة عندما يساعد غيره لله ويخرج من أنانيته..
وعندما تسخر مجموعة من الطالبات من زميلة لهن في الصف.. يضحك الجميع ولا يتورع أحد عن رفض الموقف.. ولو آمنت الواحدة منهن باسم الله الشكور لعلمت أن الله سيكافئها في الدنيا لو رفضت الموقف بدل حرصها على مرضاة الناس بسخط الله..
وعندما تطلب طالبة مساعدة من طالبة متفوقة.. ترفض أو تشح عليها بالمعلومات حتى لا تتفوق مثلها.. ولو آمنت باسم الله الشكور لعلمت أن الله الشكور سيكافئها على مساعدتها في الدنيا بتوفيق وانشراح في الصدر يجعلها تذوق السعادة الحقيقة بدل أوهام السعادة التي يزينها الشيطان أمام أعيننا بتعظيم الأنا..
مفاهيم خاطئة أخذت تسود.. مع تقديم القناعة والمبررات لها باستمرار.. "لا تكون أهبل".. "تخليش حدا أحسن منك".. "تخليش حد يجي بطرفك".. " لا تقدم شي ما حدا بيقدّر".. ونسينا أن الله هو الشكور.. وأنه من يكافئك.. فقط اعمل لأجله..
تصرفات كثيرة انتشرت في مجتمعاتنا ومدارسنا وبيوتنا يندى لها الجبين.. يؤلمنا أنها تخرج من مسلمين.. ومن أصلاب المسلمين.. تظهر ضعف العلاقة بالله وضعف الإيمان والأنانية التي تفتك بصاحبها في الدنيا قبل الآخرة فتحرمه الجواهر والكنوز الربانية التي تساق له كل يوم عندما يفعل الخير لله.. كنوز من رضا وطمأنينة وانشراح في الصدر وسلام داخلي وبركة وتوفيق وحفظ وتيسير ورزق ومحبة وألفة بين الأبناء والإخوة والزوج والزوجة ونصر وهداية وبصيرة وكفاية وشفاء وولاية وغيرها من خير الله، الذي تعجز عن كتابته: لو أن ما في الأرض من شجر أقلام والبحار أحبارها..
التفكر في اسم الله الشكور وبركته في حياتنا ينشر الطمأنينة ويطلق بواعث الخير فينا بمحبة وطيبة..
كل مكافأة من الله الشكور تجعلنا نذوق السعادة والحياة الطيبة..
"مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"
يجب أن نغرس في أبنائنا أن كل خير نقوم به لوجه الله سيعود إلينا أضعافاً في الدنيا.. وكل عمل سوء سيعود علينا بسوء أيضاً.. "مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا".. والله هو الغني ونحن الفقراء..
"أنت مع الله في ربح دائم.. فافعل الخير من أجله وثق أنه سيكرمك.. وامتنع عن السوء لأجله وثق أنه سيكرمك"..
قاعدة إيمانية مهمة في مراقبة السلوك الذاتي ورفع الرقابة لدينا ولدى أبنائنا.. فنحن نفعل الخير لأجل نفع أنفسنا بالخير.. وليس لأن الله يحتاج إلى أعمالنا.. وسيئاتنا مهلكات لنا في الدنيا قبل الآخرة ولو زينها الشيطان..
قاعدة إيمانية تستحق أن نجعلها ديدناً في حياتنا وفي حياة أبنائنا.. وسنرزق ألطافها كوالدين عندما ي
سواء وعينا أم لم نعِ.. كلٌّ منا يريد أن يشعر أن له قيمة في هذه الحياة..
لكن هل يمكن أن تسعى لتشعر بقيمتك ثم تزداد إحساساً بالنقص؟
وما هو الطريق الأسرع لإشباع حاجتنا هذه للإحساس بالقيمة وفق علم النفس الإيجابي وأبحاث الدماغ؟
كلٌّ منا بداخله حاجة أن يشعر بأهميته.. ببصمته.. بوجوده وبقيمته في هذه الحياة..
هناك صورة أو صور في العقل اللاواعي نستمد منها هذه القيمة، ثم نربط شعورنا بالرضا بتحقيق هذه القيمة، فإن لم نحقق هذه الصورة التي نستمد منها قيمتنا شعرنا بالتعاسة.
فهل يمكن أن نعيش في أوهام لا نصل منها إلى شيء؟
وهل يمكن أن تكون هذه الصور مجرد خيالات للوصول إلى السخط أو الوصول إلى سراب؟
كيف يصل الإنسان إلى الرضا؟
وكيف يشعر بسعادةٍ وقيمةٍ حقيقيةٍ لنفسه وفق علم النفس الإيجابي؟
إن مؤسس هذا العلم هو الدكتور مارتن سيلجمان الذي يضع من خلاله أسساً لتحقيق السعادة والرضا الداخلي وهي ثلاثة أسس:
لو تأملنا أسباب الرضا والسعادة الثلاثة لوجدناها تتطابق مع غايات الوجود التي يدعونا إليها إسلامنا العظيم، وهذا إعجاز علمي يثبت أن هذا الدين حق، وأن الذي شرعه للإنسان هو الذي أوجد هذا الإنسان ويعلم ما يرضيه وما يصلح حاله، ولكن كيف يكون كثير من المسلمين اليوم بهذا السخط ودينهم يدعو إلى تلك الأسس العلمية التي تؤدي إلى الرضا والسعادة والازدهار؟
1- هناك فارق بين ما يدّعيه الإنسان وبين ما يقوم به حقيقة، فإنسان يدّعي أنه يعيش وأمله بالحياة أن يرضى الله عنه، ثم يربط قيمته بالحياة بغير ذلك ستراه في سخط لأن حياته لم تسر معه كما يحلم، أو لأنه ليس الأفضل بين الناس، أو ليس الأغنى، أو ليس الأجمل، أو ليس في منصب اجتماعي رفيع، أو ليس الأكثر تميزاً، أو لأنه لا يعيش في البلد الأفضل، أو مع الزوج الأفضل، والأولاد الأفضل، والبيت الأجمل .. الخ
لا شك أن هذا الإنسان لا يدور همه في إطار غاية الوجود الأولى وهي طلب مرضاة الله، لأنه لو كان همّه الله لكفاه الله ما أهمه، ولشعر ببرد اليقين بحسن ظنه بالله فالله يعلم ما هو الخير له وهو لا يعلم.
إن هرمونات الدماغ التي تفرزها مشاعر الاقتراب من الله سبحانه من خلال الذِكر الواعي من أعمق الهرمونات التي تؤدي إلى ازدهار الدماغ والوصول إلى الرضا وبغيرها سيبقى الإنسان شاعراً بالضياع، فابدأ عباداتك بنية جديدة وهي الاقتراب من الله سبحانه، لا يهم أن تقرأ جزءاً من القرآن الكريم ولكن المهم أن تشعر بالقرب من الله أكثر وأنت تقرأ، ولو قرأت صفحةً بتدبّرٍ وأنت تُنمّي مشاعر محبة الله وخشيته وتعظيمه لكان خيراً من قراءة جزء من القرآن الكريم بدون وعي، وهكذا في سائر الأذكار والنوافل، يجب أن ننوي بعباداتنا نية الاقتراب من الله والهداية ولا نقوم بها فقط لأنها واجبٌ أو لنيل الأجر، حتى تتحرك هرموناتنا بعمق وتتحرك مشاعر الإيمان في قلوبنا، إن مشاعر الإيمان عندما تتحرك في أدمغتنا تفتح قنوات الرضا المغلقة في الدماغ وتبدأ السعادة بالنفاذ إلى مشاعرنا.
2- إن تقدم الإنسان في أهداف واقعية ينغمس بها من أسباب الرضا والسعادة شريطة أن تكون هذه الأهداف لغاية عُظمى وليس ليُقال عنا أننا الأفضل، ولربما كانت هذه النقطة من أضعف النقاط في واقع المسلمين اليوم، حيث أن تفكيرهم يتمحور حول الناس، ولا يعون حقيقة ما يريدون وما يُرضيهم بسبب غياب الحريات النفسية وانتشار التربية التسلّطية التي تفرض على الإنسان أن يعيش ليحقق "برستيج" معين وليس لأنه يعيش لقناعاته الذاتية، وعلاج ذلك أن يبدأ الإنسان بعمل يحب أن يقوم به ويكبر به بالتدريج لأنه يحبه ومقتنع به ولأنه يبتغي من ذلك مرضاة الله فيتمتع به ولا يتحدث به للناس حتى ينمو داخلياً ويزدهر دماغه.
3- إن الحب المشروط الذي يُقَدَّم للإنسان منذ صغره يعلمه الأنانية وشُحّ العطاء، فعندما يشعر الطفل بالرضا من ذويه فقط إذا قام بعمل معين ويُسلب هذا الشعور إذا لم يعمله، ستصله رسالة مفادُها ألا تعطي غيرك لله من دون مقابل، فيُحرم الإنسان شعور لذّةِ العطاء وبالتالي يكبر على المصالح والأنانية الذاتية، ونستطيع أن نعالج أنفسنا من هذا البلاء بالتدرّب على العطاء من دون مقابل والاستمتاع بالعطاء لله مع أهمية كتمان العمل ليزدهر دماغنا.
لو تأملنا هذه الأسباب التي تؤدي إلى ازدهار الدماغ flourishing وبالتالي إلى الرضا والسعادة وتأملنا الصور التي نعيشها بداخلنا والتي ربطنا الرضا والسعادة بتحقيقها، سنكتشف هل نسيرُ في طريق حقيقي لتحقيق السعادة، أم أننا نلاحق سراباً يرسمه الشيطان ويزينه لنصل إلى السخط وانعدام الشكر كما أخبرنا القرآن عن غاية عمل الشيطان في أدمغتنا "وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ" (الأعراف/17)
هذه الأسباب الثلاثة العميقة في الشعور بالقيمة الذاتية وتحقيق الرضا والسعادة لا تعني أن الإنسان لا يسعد مع أصدقائه أو عائلته أو في ممارسة هواياته أو في السفر والمغامرات وغيرها مما يُسعدنا ويُمتعنا، ولكن تعني أنه بدون إعطاء الأولوية لهذه الأسباب العميقة ستشعر بالضياع والتعاسة كلما خلوت بنفسك لبعدك عنها، وبالتالي فضحكاتك أمام الناس ستكون عبارة عن قناع تتجمّل به ووراءه كذبة كبيرة تعيشها، وتعاسة أكبر تتقدم نحوها كلما كبرت في السن.

عندما يشعر الإنسان بالضياع وضعف القيمة لأنه لا يسير على طريق صحيح يستمد منه قيمة حقيقة لنفسه تعتمد على الإخلاص ونبل العطاء ومعرفة نفسه سيلجأ إلى طرق خاطئة ومَرَضِية مح
تمر بنا أيام نشعر فيها أن ثقتنا بأنفسنا باتت واهية ونشعر بالحساسية من ريشة تمر بجانبنا وأنها تثقل على صدورنا، فكيف نخرج من هذا القبو الذي يضغط على أنفاسنا ويجعلنا نشعر بأنه لا قيمة لنا في هذه الحياة؟
أود أن أوضح بداية حقيقة علمية تساعدنا للخروج من هذا القبو، وهي أن الثقة بالنفس تنبع من الداخل، وهذه النقطة مهمة للغاية، فهي الحبل الذي نمده بداية لنخرج من هذا القبو الذي يضغط على أنفاسنا.
امتلاك آلية تفكير داخلية تقوم على المقارنة، بحيث أشعر أني رائع وأن لي قيمة إذا رأيت إنساناً بيته أقل من بيتي، أو شعبيته الاجتماعية أقل من شعبيتي، أو شهاداته أقل، أو وسامته أقل، أو قدراته أقل، أو علمه أقل، أو عائلته أقل.. الخ.. عندها أشعر أني أفضل منه فتنتشر مشاعر الارتياح بداخلي لامتلاك الأفضلية، وقد أشعر بالفخر عليه أو الزهو أو الكبر.
وأما إذا رأيت أو جالست من يفوقني في شيء من المظاهر التي يتفاخر بها الناس من مال أو جاه أو جمال أو صيت أو منصب أو أبناء أو علم أو شعبية اجتماعية أو نجاح معين عندها أشعر بأني أقل أو أني لا شيء فإما تتراجع ثقتي بنفسي أو أسعى للإساءة له ظاهراً أو باطناً لأرسم صورة جديدة له مشوهة بداخلي تبرد على قلبي ألم تميزه عني.
المقارنة هي آلة تفكير لا واعية تجعلنا نحفر بأنفسنا قبورنا لندفن فيها ثقتنا بأنفسنا، وهي آلية تفكير ربما اكتسبها البعض من آبائهم الذين كانوا يستخدمون أسلوب المقارنة لدفعهم للعمل، أو من خلال البيئات الصفية التي تدفع للتعلم من خلال المقارنة أيضاً، أو غيرها، والنتيجة أنه مع الوقت يصبح لدينا آلية تفكير لا واعية تقوم على فرز هرمونات السعادة أو فرز هرمونات التوتر من خلال المقارنة، لتجعلنا ننفش داخلياً بطريقة غير واعية أو نُحبط أو نغتاظ بطريقة لا واعية أيضاً.
وأؤكد لك بأن هذه النفشة الداخلية التي نشعر بها عندما نتعامل مع شخص نعتقد أننا نتفوق عليه لا تعني الثقة بالنفس بل على العكس هي علامة على تدني الثقة.
أولاً: الوعي بوجود المشكلة والرغبة الحقيقية في التخلص منها، إن صَدقنا مع أنفسنا هو الباب الأول للتغيير، أما التستّر على مُشكلاتها سيزيد المشكلة سوءًا، وهذه نقطة البداية.
ثانياً: أن ننتبه إلى هذا التفكير عندما يحدث بداخلنا ونخرجه للوعي ثم نوقفه بكلمة نقولها لأنفسنا:
"توقف أيه التفكير فإنك تؤذيني وتؤذي إيماني"..
وبالتأكيد ستؤذي غيرك أيضاً بهذا التفكير وأنت لا تشعر، وسَتُفاجأ يوم القيامة بميزان سيئاتك وقد لَمّ ما لم وأنت غير واعٍ بما تفعل، لأن التوتر الداخلي الذي تحدثه المقارنة يتحول إلى ألم يخرج من خلال الإساءة لغيرنا سواء شعرنا بذلك أو لم نشعر، ولا يمكن للتوتر أن يبقى محبوساً بداخلنا.
ثالثاً: أن نستبدل التفكير بالناس بالتفكير بأنفسنا، أي معرفة ما نريده نحن ونحبه ويجعلنا نستمتع ونشعر بالرضا، حتى لو كان ممارسة تمارين رياضية معينة لمدة 20 دقيقة يومياً، أو مجال علمي نحب أن نتعلمه ونبدع به مثل لغة جديدة نرغب بتعلمها أو نتقوى بها، أو عمل خيري نحب أن نتطوع فيه، أو مشروع صغير نريد أن نبدأ به، أو أي شيء نشعر حقيقة أننا نريده.
إذا كنت لا تعرف ماذا تريد وماذا يُسعدك ابدأ بأشياء صغيرة تحب أن تفعلها لتبدأ دائرة الوعي بنفسك بالاتساع فتتعرف على نفسك أكثر وتميّز ما يرضيك ويسعدك.
رابعاً: إذا كنت تعتقد أن ما يرضيك مرهون بما يقدمه الناس من أجلك فستزداد تعاستك يوماً بعد يوم وتصل مع الوقت إلى السخط التام وانعدام الثقة بالنفس، لأن الثقة بالنفس تنمو كلّما قدمنا للآخرين وتخلصنا من أنانيتنا، وتتراجع عندما ننتظر منهم المقابل، فاخرج من إطار التفكير بالناس وحاول أن تتعرف على نفسك وتُصاحبها بالتركيز على نموها وليس بتنمية التركيز على غيرك.
خامساً: إذا كنت ممن يدمن استخدام الهاتف أو الألعاب الالكترونية أو ما شابه فهذه علامة على تراجع ثقتك بنفسك، لأن الإدمان وسيلة للهروب من الواقع، حتى إذا ما عدت إليه وجدت أن الإحساس بالنقص يكبر بداخلك وأنك لا تدري هل تُقبل على الانتحار أو تزداد إدماناً فتدفن نفسك حياً أو ميتاً.
والصواب أن نعي أن هروبنا إلى الهاتف وإدماننا عليه هو علامة على تدني الثقة بالنفس، وأن الحل بالعودة إلى النفس وفهمها والاهتمام بها بما يصلحها ويسعدها.
سادساً: إيقاد شعلة الروح، إن إيقاد هذه الشعلة هو أسرع طريقة للرضا والارتياح وبناء الثقة بالنفس، هذه الشعلة توقد عندما نوجه بوصلتنا الداخلية نحو مرضاة الله بحيث يكون نيل مرضاة الله هو همنا الأكبر، أن يكون الله سبحانه هو همنا حقيقة وليس شعار نرفعه أمام الناس، وكشف الزيف في هذا الأمر أن يجن جنوننا من كلمة تمس كبرياءنا أو قرش نخسره أو نكتسبه فهذا علامة على خواء الباطن من التعلق بالله.
عندما يكون الله سبحانه هو أكبر همنا نستيقظ وقربنا منه هو غاية أرواحنا، فنفرز هرمونات السعادة كلما اقتربنا منه، هذه الهرمونات العميقة جداً في الدماغ تعالج هرمونات النفشة الشيطانية التي تفرزها آلية المقارنة المريضة، كما تعالج هرمونات التوتر التي تؤدي إلى تراجع الثقة بالنفس عندما نستاء من شخص يتميز علينا في شيء، فعندما نقبل على الله بصدق ونذكره بحب وصدق إقبال تتغير آلية فرز الهرمونات بحيث تصبح داخلية لتعتقنا من آلية المقارنة الخارجية التي تجلب لنا السخط وتراجع الثقة، فيتحول نظرنا اللاواعي من الناس إلى الله.
بداية نحتاج أن نصبر لتقوى أماكن فرز هذه الهرمونات في الدماغ، وتبدأ بالتدفق فتوقد الشعلة الداخلية التي تضيء لنا الحياة بنور يجعلنا نرى الله ونعرفه ونقدره سبحانه، فنقدر أنفسنا ونقدر غيرنا، ونفرح بعطاء الله لنا ولغيرنا، ونرى حكمة الله تتجلى في كل عطاء وفي كل
يعتمد نمو الذكاء البشري على تنمية مناطق مهمة في الدماغ مثل القشرة الجبهية، واللوزة، والحصين، وجذع الدماغ كما أشرنا في المقال الذي تحدثنا به عن الدماغ العامودي من قبل.
تنمو مناطق الذكاء لدى الطفل عند تعريضه للمثيرات البيئية التي تنمي هذه المناطق.
تعد السنوات الأولى وحتى الخمس سنوات فترة حرجة وخصبة لنمو الذكاء، بحيث يمكن تنمية الذكاء أضعافاً مضاعفة عن أي فترة أخرى لاحقة، كما نحتاج إلى جهود مضاعفة لتعديل الأخطاء التي تحدث في هذه الفترة الحرجة – إذا أمكن التعديل.
وعند حديثنا عن أهمية هذه الفترة نحتاج أن نلتفت إلى العناية التي أحاطها الله بنبيه الكريم "محمد" صلى الله عليه وسلم "نموذج الكمال البشري" عندما تربى في البادية في سنواته الأربع الأول، لنتفكر ما أهمية المثيرات التي تعرض لها في هذه الفترة وما مدى تأثيرها في الدماغ؟ وفي أي بيئة ينشأ أطفالنا اليوم؟
يحتاج الطفل إلى تشغيل حواسه من خلال تعريضه لمثيرات بيئية تشجعه على التأمل لتنمية منطقة مهمة في نمو الذكاء وهي منطقة جذع الدماغ Brain stem، فكلما تأمل الطفل وشغل حواسه الخمس فأرسل بصره إلى السماء، واستمع إلى تغريد الطيور، وتفحص ورقة الشجر بيده الناعمة، واستمتع بشم النسيم العليل، وتفاعل بحواسه ومشاعره مع القطة أو الكلب أو الغنمة، كلما نمت هذه المنطقة الحرجة والهامة في نمو الذكاء، وهنا تتجلى الحكمة الإلهية في نشأة رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بين أحضان الطبيعة.
إن نشأة الأطفال في حجرات مغلقة وعدم إعطائهم الفرص لتشغيل حواسهم يؤدي إلى تراجع هذه المنطقة، وأما إذا التقف الطفل الصغير الهاتف الجوال بين يديه فستنتكس هذه المنطقة تماماً، فلا يعود يلتفت إلى حواسه، وتفقد المثيرات الحسية بريقها، وتصبح عملية التأمّل لديه صعبة جداً في المستقبل، ويصبح قليل الصبر، محدود الرؤية، سطحي المشاعر، وهذه الظاهرة بدأنا نتحسس ثمارها مع الأسف.
لتنمية ذكاء أبنائنا يجب بناء شجرة لغوية في الدماغ يفكر من خلالها، هذه الشجرة هي اللغة الأم التي يتحدث بها مع نفسه ويفكر بها، تعد السنوات الخمس الأولى سنوات حرجة جداً في بناء هذه الشجرة، وهنا تتجلى الحكمة الإلهية في تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم في البادية "أفصح البيئات اللغوية".
تقوية اللغة الأم وتشغيل الحواس من الأُسُسِ التربوية الهامة في نموّ ذكاء الطفل في سنواته الأولى، والواقع يسير نحو العكس في عالمنا العربي مع الأسف، فإن لم نعِ ونَنشُر الوعي ستَنْشَأُ أجيالٌ منحدرةُ الذكاء عن آبائها وسنُسألُ عنها يوم القيامة.
إن وجود علاقات ناجحة في حياتنا سواء على مستوى العائلة أو الزواج أو الأصدقاء هي حاجة نفسية لكل إنسان ينبض في هذه الحياة تمده بالسعادة والتوازن والإيجابية.
وإن تعثر العلاقات الهامة في حياتنا قد يؤدي إلى انتكاسنا بشكل ما، فما هو السر في نجاح أي علاقة؟ وكيف يمكن أن نرتب أولويات العمل وفقها لكسب علاقات تمنحنا سعادة وإشراقاً.
قد ننجذب لكثير من البشر من حولنا لكن لن تستمر العلاقة وتثمر دعماً ومساندة وسعادة ما لم تترسخ روابطها الإيجابية في أعماق الدماغ، ولكي نفهم ذلك السر علينا أن نفهم كيف يحدث ذلك في الدماغ.
تقوم أي علاقة بين شخصين على أسس التعامل بينهما، فعندما يكون التعامل قائماً على الرحمة والعطاء والتقدير والتفهم والاحترام ستتولد مشاعر إيجابية مع تشابكات الخلايا العصبية المرتبطة بصورة هذا الشخص في دماغنا، مما يؤدي إلى التعلق به مع الوقت نتيجة الهرمونات الإيجابية التي تم فرزها في أعماق الدماغ والتي ارتبطت بهذا الشخص وترسخت من خلال السلوك، فنظرة رحمة وابتسامة حانية وقبلة فوق الرأس وإيماء عطف، كل ذلك وغيره يؤدي إلى اشعال الروابط الإيجابية لتصبح العلاقة الزوجية هي كما أرادها الله علاقة مودة ورحمة. ولن يسكن الشريك إلى شريكه ما لم تكن روابط الدماغ المتعلقة به مشحونة بالسكينة والرحمة والمودة كما أخبرنا الله سبحانه:
"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم/21)
تتعثر العلاقات بسبب هدم الروابط الإيجابية في الدماغ وإقامة روابط سلبية مكانها، وكلما سار أحد الشريكين في هذا الاتجاه ستنهدم العلاقة في النهاية بسبب أن الروابط السلبية تؤدي إلى النفور، ويُترجَم النفور على شكل لا مبالاة أو ضعف الحب أو موته، أو تجنب التواجد في البيت، أو تجنب الحديث، أو تجنب العلاقة الجسدية، أو غيرها كنتيجة حتمية للنفور.
ونحن نتحدث هنا عن أسباب النفور التقليدية التي قد تحدث مع الأزواج الحريصين على إنجاح أسرتهم، ولا نتكلم عن المدمرات السريعة مثل الخيانة أو الإهانة أو الخمر أو غيرها..
1- الأنانية:
وهي التركيز على مصالح الذات دون التفات حقيقي إلى حاجات الشريك، والتي تجعل الإنسان لئيماً يفكر أنه لو قدّم شيئاً قليلاً لشريكه يجب أن يحصل مقابله على الكثير، وقد يمنّ بعطائه القليل، فيكون شحيح الرحمة والعطاء مما يرسخ تشابكات سلبية منفّرة في أعماق الدماغ تؤدي إلى الإضرار بالعلاقة.
2- الاستعاضة بالانفجارات الكلامية والنكدية عن الحوار الهادئ:
عندما يحمل الشريك على شريكه ويلجأ إلى الانفجارات الكلامية أو إلى النكد أو اللوم والنقد ظناً أنه سيحصل بهذا الأسلوب على ما يريد، فإنه على العكس يشحن دماغ شريكه بروابط مشحونة بضغط عالٍ تؤدي إلى هدم كثير من الروابط الإيجابية السابقة بسبب شحنات الانفجار العالية، وترسخ المزيد من مشاعر النفور في أعماق التشابكات العصبية.
3- التوقعات العالية:
وهي أن نتوقع من الشريك أن يقوم وحده بأمور معينة دون أن نخبره بما نتوقعه، فنلجأ للانفجارات الهادمة للعلاقة للمطالبة، وقد تكون توقعاتنا مهمة لنجاح الاسرة، وفي حال ذلك يجب أن نوصل رسالتنا له من خلال الحوار والرفق، وقد تكون نابعة من الأنانية والبعد عن الواقعية ويحدث هذا كلما تدنى تقدير الذات للشريك، حيث ترتفع الأنانية مع تدني تقدير الذات فيصبح شديد اللوم والمعاتبة والمطالبة لسد الإحساس بالنقص من خلال الأخذ والكسب من الآخر وأنّى له ذلك؟.. هو كمن يشرب من ماء البحر فيزداد عطشاً إلى عطشه، فتقدير الذات ينمو بالعطاء والاستقلالية وليس بالمطالبة والمعاتبة.
إن إنجاح العلاقة يحتاج العمل من الطرفين، لذا فالمسؤولية في ذلك تقع على الشريكين، ويقوم النجاح على إشعال المشاعر الإيجابية في ارتباطات الخلايا العصبية في الدماغ المسؤولة عن العلاقة، وهذا الأمر لا يحدث بيوم ولا ينهدم بيوم كذلك.
1- الإيماءات الصامتة:
لو أنك قمت بتصوير نفسك في فيديو وأنت تتحرك وتجلس في بيتك.. ترى كيف ستبدو؟
نعبر بإيماءاتنا أكثر من كلماتنا فهي تشكل أغلب يومنا وهي تتشابك تأثيراتها بعمق لدى الشريك لأنها السلوك الغالب.
كثير منا لا ينتبه أنه لا يبث أي روح للإيجابية أثناء جلوسه في البيت بل قد يكون على العكس، وتبث الإيجابية من خلال التفكير الإيجابي الذي يبث إشعاعات الطاقة الإيجابية والتي ستترجم من خلال الابتسامة والرضا والسلام الداخلي، فعندما يتحرك الشريك في البيت وهو يشع بالإيجابية والسلام بإيماءاته وكلامه سيسكن إليه شريكه (لتسكنوا إليها) وأبناؤه كذلك والعكس صحيح.
نصبح إيجابيين من خلال مراقبة التفكير وتحويله من سلبي إلى إيجابي ومصاحبة الإيجابيين، وامتلاك أهداف إيجابية، إضافة إلى الإقبال على الحمد والذكر مع حضور قلب حيث يعالج بعمق الهرمونات التي تبث التوتر في الدماغ.
2- الاستقلالية: وهي تتعلق بإيجاد أهداف خاصة ينشغل بها الشريك عن شريكه، فكلما دار الشريك في فلك شريكه ينطرد بتأثير القوى الدافعة الطبيعية خارج الدائرة وإلا سيفقد الشريك الآخر توازنه، لذا فإن تمحور أهداف الشريك الأساسية حول وجود شريكه الآخر يؤدي إلى نفور الشريك، ويجب أن يكون لكل شريك أهدافه الحيوية والبناءة الخاصة به وهذا الأمر تبرز أهميته عندما يكبر الأبناء أو يصل أحد الزوجين إلى سن التقاعد.
3- تقدير القليل: إن تقدير الأعمال الصغيرة التي يقوم بها الشريك هو أساس مهم جداً في إنجاح العلاقة، لأن الأعمال الصغيرة هي التي تشكل لوحة الحياة اليومية لدينا، فعندما نلتفت إلى هذه الأعمال ونتدرب على تقديرها وشكرها من خلال ابتسامة الرضا والنظر على وجه المسرّة فإن كل نظرة تشعل الحب، أو من خلال هدية بسيطة تعبر عن التقدير. ويظن بعض الناس أن التقدير سيجعل الشريك يتكبر على شريكه، هذا صحيح فقط في حال كان الشريك لئيماً أما إن كان كريما
شرطان تربويان لننهض كأفراد وتنهض أمتنا بنا.
يوجد لدى كل إنسان دماغ أفقي ودماغ عامودي Vertical and Horizontal Brain.
الدماغ الأفقي: هو الذي يتكون من شقي الدماغ الأيمن والأيسر اللذين يسيطرا على اللغة والمنطق والخيال والحركة والأرقام وغيرها.
أما الدماغ العامودي: فهو المسؤول عن الحكمة ومهارة القرار والمرونة والتعاطف والأخلاق والإبداع وغيرها.
عندما ننتقد أنفسنا كعرب أو مسلمين في هذا الزمن فلا شك أننا ننقد ضعف الدماغ العامودي لدى غالبية الأفراد حتى لو حصلوا على شهادة الدكتوراة أو بلغوا أعلى المناصب أو جمعوا أكبر الثروات.
يتكون الدماغ العامودي من أربعة مناطق:
جذع الدماغ brain stem (موصل للمعلومات)، الحصين Hippo-campus (منطقة الذاكرة)، اللوزة Amygdala (منطقة المشاعر وردة الفعل) والقشرة الجبهية Prefrontal cortex (منطقة القرار والحكمة والأخلاق والإبداع وهي الناصية التي ذكرت في القرآن الكريم ويرمز لها بالدماغ العلوي العامودي upper brain)
نعاني كأفراد بشكل عام من ضعف الدماغ العامودي بسبب أخطاء تربوية تحدث في البيت وفي الصف ويهدف هذا المقال إلى نشر الوعي بأهم التصرفات التي تؤثر بشكل كبير على تنمية الدماغ العامودي.
أولاً: إن العدو الأول الذي يؤدي إلى انتكاس الدماغ العامودي هو التوتر حيث يمنع تدفق الأكسجين والسكر إلى منطقة القشرة الجبهية مما يؤدي إلى انتكاسها مع الوقت.
جميع أمراض القلب هي مشاعر توتر وهي مشاعر سلبية أيضاً أي أن الإنسان الذي يحمل مشاعر سلبية مثل السخط والغضب والغيرة والأنانية وحب الظهور والحقد والغرور والقسوة والحسد وحب السيطرة وحب المال وحب الرئاسة والتعصب وغيرها كل ذلك سيصب بشكل عكسي في تنمية دماغه العامودي بسبب توتر اللوزة وحجب الناصية مما يؤدي إلى فقدان الوعي والحكمة والإبداع والأخلاق ناهيك عن آثار تلك المشاعر يوم الحساب.
1- علاج التوتر يكون بإبعاد أنفسنا وأبنائنا عن أسباب التوتر ما استطعنا والتوقف عن التفكير السلبي.
2- يطفأ التوتر ويهدأ بالإقبال على ذكر الله، والهرمونات التي يفرزها الدماغ عند الذكر هي أعمق الهرمونات التي تنمي الدماغ بشرط أن يكون الذكر مع حضور القلب وتلاوة القرأن الكريم بترتيل هي الأعلى تأثيراً في التخلص من التوتر وتنمية المشاعر الإيجابية في اللوزة والحصين.
3- القيام بالأعمال العطوفة مثل الرحمة والخدمة والعطف والصدقة تؤدي إلى تنمية الدماغ العامودي مع الوقت.
ثانياً: استخدام الحوار والشورى مع الأبناء إضافة إلى طرح الأسئلة الذكية التي تتطلب تفكيراً عميقاً ينمي الدماغ العامودي العلوي أي منطقة القشرة الجبهية وهي الناصية.
كلما سيطرنا على تفكير أبنائنا وفرضنا عليهم آراءنا ولم نشركهم في القرار انتكس الدماغ العامودي والعكس، كذلك ينتكس مع إهمال الوالدين للأبناء واللامبالاة بهم.
استخدم عبادة الشورى دائماً في منزلك لأخذ القرار فهي من أعمق استراتيجيات تنمية الدماغ العامودي، واطرح عليهم الأسئلة الذكية خلال يومك: مثل لماذا؟ ماذا لو؟ ماذا تفعل لو؟ كيف يمكن أن؟
فهل وعينا عمق الآية: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد/11)؟
هل تعلم أن وجود علاقات اجتماعية هو من أسباب ازدهار الدماغ flourishing كما يخبرنا علم النفس الإيجابي Positive Psychology ؟
ولكن!! هل علاقاتنا من خلال واتساب أو فيس بوك أو تويتر أو غيره ستؤدي إلى ازدهار أدمغتنا؟ بالطبع لا
فقد يكون للواحد منا 1000 صديق على فيس بوك، ولكنه مصاب بالاكتئاب بسبب الوحدة!
تزدهر أدمغتنا عندما نتفاعل وجهاً لوجه ونتحدث مع بعضنا، ولكن بشرط ألا تقوم العلاقة بهدف المتعة فقط بل تقوم على الثقة والحرص .
• يجب أن تقوم هذه القاعدة في منظورنا الدائم على طلب مرضاة الله وليس لمصلحة شخصية (وإن كنا ننتفع بأصدقائنا ولكن علينا أن نهتم لله دون انتظار المقابل وإلا لن نؤجر ولن نكسب ثقتهم).
وتذكر أنه لا يمكن أن يكتئب شخص له صديق يحبه بإخلاص.
علينا أن نعلم ابناءنا مهارة كسب الأصدقاء، و بناء الثقة وتعلّم الاهتمام والحرص، وذلك من باب حسن الخلق وطلبِ مرضاة الله
فهم بأمسّ الحاجة إلى ذلك، لأن التواصل عبر الشاشات - بشكلٍ غالبٍ - يجعلهم معرضين بنسبة كبيرة للاكتئاب في المستقبل، لا سيما نحن، فلننتبه..!!
إليك تمرين بسيط وعميق الأثر، حافظ عليه يومياً وستشعر بالفارق. لأنه يعمل على تغيير كيمياء دماغك ويفرز هرمونات الإيجابية والراحة فتصبح سعيداً، متفائلاً، ونشيطاً.
تحد نفسك كم إنجاز لطيف أو مميز قمت به تستطيع أن تشكر عليه.
تذكر أن الإنسان يكبر بالأشياء الصغيرة لأنها تشكل غالبية أيام حياتنا.
شاركونا وتأملوا معنا، ماذا فعلتم اليوم من شيء لطيف أو مميز؟.
ثم اشكروا الله وانشروا روعة الإيجابية.
تختلف هذه الهرمونات بحسب تجارب سابقة مرت بنا تشكل ردود أفعال معينة لدينا، وهي تؤدي إلى أن نصبح شاكرين أم متكبرين، واثقين أم مهزوزين، سعداء أم تعساء، كما يلي:
والتي كانت سبباً في طرد ابليس من الجنة "أنا خير منه"، وتؤدي إلى طردنا نحن ايضاً إذا ما سلكنا تفكيره وشعوره المريض "لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر.."
تأتي هذه الدوافع الشيطانية عندما يدفع الأهل أبناءهم للتميز بطريقة خاطئة "أنت الأفضل".. "لا ترضى بأن يسبقك أحد".. وعندما يظهر الغيظ على وجه الأم أو الأب أمام أبنائهم عندما يرون نعمة على أحد، وقد تزداد سوءاً عندما يتكلمون بكلمات تسيء لهذا الشخص المتميز أمام أبنائهم ليطفئوا نار الحسد في أذهانهم وقلوبهم، بتشويه صورته أمامهم وأمام غيرهم.
ثم تأتي المدارس لتكمل هذا الغرس السلبي عندما تمدح أوائل الصف بأنهم هم الأفضل وتكرمهم وتحتفل بهم بشكل دوري، وتضع التفوق الدراسي شرطاً للإحساس بالقبول من المعلم. فيشعر الأول على الصف بأنه فوق الناس وأفضل منهم، ويشعر الآخرين بالدونية، خاصة إذا كانوا من الفئة الأخيرة في الصف. وقد ينشأ لديهم حقداً على الفئة المتفوقة إذا ما قام المعلم بالمقارنات السلبية التي تجعلهم يكرهون أنفسهم ويكرهون الأوائل.
إن نظام العلامات المدرسية إذا ما تم تقديسه من قبل الأهل والمعلمين والدوران في فلكه ليصبح الرضا والقبول مرتبطاً به، فإنه يؤدي إلى أمراض القلوب وإلى حرمان توفيق الله وإلى حرمان السعادة في الدنيا والآخرة، فالذي يبتغي التفوق ليكون هو الأفضل ويكره الخير لغيره، سيتألم من كل خير يراه على أحد من الناس إن كان لا يمتلكه هو، والخير من الله لا يتوقف عند أحد، وإن كان ممن يحقد كلما رأى خيراً عند أحد، فسيحيا حاقداً متألماً تحرق أحقاده نوره وحسناته لأنه ساخط على عدل الله وأقداره غير ملتفت إلى نعم الله عليه.
إن هذا التفكير السلبي الذي نراه منتشراً في مجتمعاتنا مع الأسف هو سببٌ لحرمان توفيق الله ونصره لأنه مبني على السخط وكره الخير، وهو يحتاج إلى علاج لهذه التشابكات السلبية التي تراكمت عبر السنوات، ويمكن ذلك من خلال:
عندما قمنا بتطبيق المستوى الرابع من المنهاج أفكاري ومشاعري والذي يهدف للإيجابية والرضا وحب الخير للناس والثقة بالنفس، تفاجأنا بأن بعض الأوائل في الصف هم الأكثر مرضاً وكرهاً للخير لغيرهم، فلا ندري ما الفائدة من متفوق مريض؟ هل يُرجى منه خيراً؟
فالوضع يحتاج حقيقة إلى إعادة النظر في أساليبنا، وحتى ننجح يجب أن يعتاد أبناؤنا الشكر لله على النعم، وأن يندفعوا للتميز ابتغاء مرضاة الله، "ادرس حتى يرضى الله عنك، فمن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة"، "ادرس حتى تنفع مجتمعك وأمتك"، "ادرس فالعلم قوة والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله.." وهكذا..
وفرصة لنا في رمضان أن نطهر قلوبنا وقلوب أبنائنا بأن ندفعهم إلى مرضاة الله فقط، لا للتكبّر ولا للكسب المادي ولا للظهور أمام البشر، فإنا وإياكم والناس الذي نريد أن نظهر أمامهم ما نحن غداً إلا جماجم تحت التراب، ولن يبقى لنا إلا نياتنا التي تعمقت في تشابكات دماغنا عبر السنوات، والتي توجه مدى إخلاصنا لله وتحدد منزلتنا يوم القيامة.. يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. (الشعراء آيه 89)
نفعنا الله وإياكم ببركات رمضان ورفعنا وطهر قلوبنا.
وكل عام ونحن جميعاً بخير، ونحن نحب الخير، لأنفسنا وللناس وللجميع.
لفت انتباهي بعض السلوكيات المنتشرة بين الآباء الحريصين على تربية أبنائهم والتي يقومون بها بشكل عفوي ويومي مع أبنائهم وتؤثر في بناء شخصيات أبنائهم بشكل عميق دون أن ينتبهوا.
فكثيراً ما تحتاج البنت أو الولد من أمهما شيئاً، فتكون الأم مشغولة بشيء آخر تراه مهماً ويجب إنجازه، وقد تكون أمورها لا تسير على ما يرام، فتقترب البنت أو الولد في مثل هذا الوقت لتصاب برصاصة نفسية بأحد الكلمات التي تطلق من دون وعي مثل "حلّي عني" أو "انصرف من وجهي هلأ" أو "فكوا عني مش شايفيني مش فاضية لسماكو".. وغيرها.. حتى باتت كلمة "انصرفي" كلمة شائعة تقال هنا وهناك من دون إحساس بالذنب أو استغفار وتوبة بعدها.
إن ردة الفعل هذه تُخزّن في الخلايا العصبية لأدمغة أبنائنا، ليتعلم منها الاستجابة بتوتر لمجريات الحياة، مما يعني توتره عند وجود حاجة للصبر، فيستجيب للمشكلات حوله بتوتر مما يعيق مهارات التفكير العليا أن تتم عندما يواجه مشكلة، فيعجز عن حل المشكلات التي تواجهه في الحياة، ويكبر قليل الحيلة، قليل الصبر، أي لا يمتلك الفاعلية اللازمة أو العمق الذي يحتاجه الإنسان لينجح في مشاريعه أو أسرته، وبالتالي يكون أقل من "عادي".
إضافة إلى أنه هناك خلايا عصبية بداخل أدمغتنا تدعي خلايا المرآة Mirror Neurons - سبق وأن تحدثنا عنها، تحاكي مشاعر الشخص الذي أمامها وتتقمص شعوره، فتذهب البنت أو الولد ليستجيب لإخوانه في البيت بنفس الطريقة التي استجابت فيها الأم اتجاه أتفه الأشياء، لتصبح العلاقة بين أفراد الأسرة علاقة خالية من الرفق ومن الحب. ولا داعي لنتحدث عن الآثار التي ستحدث نتيجة هذا الأمر فهو لا يمكن الإحاطة به.
أن البيت الذي تنتشر فيه هذه الطاقة السلبية الخالية من الرفق سيخسر محبة الله وولايته فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق.
وأن “طولة البال” في التعامل مع الأبناء من أهم الأسس التي تنشر الرفق والحب، وتؤدي إلى بناء أفراد متوازنين فاعلين في مجتمعاتهم محبين لبعضهم، فهلا انتبهنا لردود أفعالنا التي تشكل شخصيات أبنائنا؟ وانتبهنا إلى أنه لا شيء أهم منهم في الحياة، وأنه لا شيء يستحق أن أهدم أسساً هامة في شخصية أبنائي لأجله؟ الأمر يحتاج توبة ونية وعهد مع النفس.
سؤال سألته لي إحدى صديقاتي قبل يومين، وهو سؤال أراه حرجاً نوعاً ما، فعندما نقول "ما أكثر"، فهناك الكثير من الأشياء المهمة لبناء الدماغ وتنمية الذكاء. ولكن الأمر الأكثر حرجاً في بناء الدماغ والذي يشكل فارقاً واضحاً بين أسرة قامت به وأسرة لم تقم به في تنمية شخصيات مفكرة ومبدعة هو:
" الحوار المتبادل بمتعة وثقة مع الأبناء.."
السبب في ذلك يعود إلى أن الأهل الذين يحاورون أبناءهم ويشاورونهم ويستمعون لهم فإنهم يقومون بتنمية وصلات بين الخلايا العصبية في أدمغة أبنائهم مع كل تبادل في الحوار، ومع مرور السنين، يصبح الدماغ غنياً بهذه الوصلات العصبية مما ينمي الشبكة الدماغية بشكل عميق، ومع استمرار لغة الحوار والتشاور واحترام وجود هذا الإنسان من خلال الاستماع له والأخذ برأيه ستنمو القشرة الدماغية مما يعني نمو الذكاء.
ولماذا أقول حوار بمتعة؟ لأن هرمونات السعادة هي ناقل عصبي وجوده شرط لحدوث التشابك بين الخلايا العصبية، أي أن البيت الذي يفقد الحب والمتعة معيق لنمو الدماغ؟، نعم بالتأكيد. ويربي أفراداً منكمشي الدماغ أي محدودي الذكاء ويفتقرون للإيجابية والقدرة على التفكير وحل المشكلات.
يحتاج كل واحد من أبنائنا إلى 15 دقيقة من الحوار المتبادل في الحد الأدنى ما لم يكن يمر بمشكلة فإنه سيحتاج إلى المزيد، لكن الحوار الذي نتحدث عنه لا يعني أن أستجوبه حول مدى قيامه بواجباته، بل أفتح له الباب ليعبر عن نفسه ويتخذ القرار.
وأجمل ما في هذه الشخصية التي يبنيها والدان متوازنان يستمعون ويستمتعون بنعمة أبنائهم، هي المرونة العالية التي يكتسبها الأبناء من جراء الحوار المتواصل، فيواجهون الحياة بتكيف رائع ومرونة عالية وذكاء من دون توتر وصدمات تجعلهم ينتكسون، فيتعاملون مع مشكلات الحياة بإيجابية وتفاؤل. كل هذا وأكثر عندما نفتح المجال لنجلس مع أبنائنا ونتحدث إليهم بحب وثقة وتقدير لأفكارهم ومشاعرهم. نبني بهذا السلوك أفراداً مميزين ينهضون بواقعنا في زمن وجب فيه التغيير.
وانظر إلى ثقافة الحوار واحترام الناشئة عند نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يوم قال للغلام: (( أتأذن أن أعطي هؤلاء ؟ )) قال الغلام : والله يارسول الله لا أؤثر بنصيبي فيك أحداً!.