من الشائع في تربيتنا التقليدية – مع الأسف، أننا نريد من أبنائنا أن يقوموا بعمل يحتاج إلى تكوين مهارة وبناء عادة، مثل ترتيب الغرفة أو الدراسة، بمجرد إعطاء أوامر، أو لجوء للمكافآت أو العقوبات، على غير وعي منا بما تحتاجه المهارة لتتكون في الدماغ، فمثلاً لندرب ولدنا على مهارة ترتيب الغرفة نحتاج إلى شرح خطوات وتفاصيل العمل، ثم تشجيعه على القيام به تحت إشرافنا، على أن تكون مهام المهارة ملائمة لعمره.
ثم الانتقال إلى مرحلة القيام بها وحده، مع تذكيره في حال نسي، برفق و دونَ لوم، حتى نساعد المهارة لتتكون في الدماغ وتتعمق مساراتها فتصبح عادة.
يجهل الأهل في كيفية تكوين العادات والمهارات في الدماغ، فيريدوا من ولدهم أن يقفز قفزة واحدة من مرحلة أول المعرفة بالعمل إلى مرحلة الالتزام به في غضون فترة قليلة، ربما تكون يوماً واحداً! وهو شيء مستحيل لأن ضعف تشابكات المهارة في الدماغ يجعل الإنسان غير واعٍ بالقيام بها، وينساها بسهولة عند تذكر أي شيء آخر أكثر متعة أو أكثر أهمية بالنسبة له.
يلجأ الأهل إلى المكافأة والعقاب وإلى أساليب الضبط السلبي لسد الفجوة الكبيرة بين أول المعرفة واكتساب المهارة، فيشعر الولد بالإحباط، وتبدأ المعاناة معه والتمرد وإساءة السلوك.
ما الحل؟
لنأخذ مهارة الدراسة على سبيل المثال:
1- اشرح خطوات العمل في البداية، واشرف عليه بعدها للتأكد أنه تم استيعاب أجزاء وتفاصيل العمل. مثل أن تشرح لولدك كيف يدرس، وتبقى جالساً معه، لتتأكد أنه جلس وركّز، ويقوم بخطوات العمل بشكل صحيح ليكتسب مهارة الدراسة. (يمكن أن تقوم بعد فترة من جانبه عندما تتأكد أنه اكتسب المهارة، ولكنه يحتاجك إلى جانبه في البداية ليعتاد على الجلوس، وهو أمر صعب لطفل في البداية)
2- تهيئة المكان و الزمان لممارسة العادة يسهّل على الدماغ التمكّن منها لتصبح سجية.
ضع قانوناً: مثل: الدراسة تبدأ الساعة الرابعة، وهيئ مكاناً مناسباً ومريحاً خالياً من المشتتات، واجلس معه في المكان لتنشر الراحة والدفء والسكينة.
3- التذكير بحبّ: ذكر ولدك بحبّ و دون توتر إذا تأخر عن الدراسة وانشغل بشيء آخر، من خلال كلمات قليلة بنبرة حازمة لا تخيفه ولا تؤنّبه مثل: "الدراسة أولوية".
كم ستحتاج من الوقت؟
الأمر يعتمد على عدة عوامل، لا يوجد وقت محدد، قد يكتسب ولدك المهارة في شهر، وقد يحتاج متابعتك وتشجيعك لسنوات، الأمر لا يتعلق بالذكاء، بل بنوع الذكاء، فلا شكّ أنّ ولد ذكاؤه الحركي أو الاجتماعي مرتفع سيحتاج منك وقتاً أكثر من ولد ذكاؤه الذاتي مرتفع، الثاني يحبّ أن يجلس ويركّز أكثر.
تذكّر أنه لا يوجد أحد أذكى من الآخر، لكن اختلافنا حكمة وجمال من الله الحكيم العليم، ليعمر هذا الكون، وكلٌّ ميّسر لما خُلق له.
كما أن قوة علاقتك به ومحبته لك تسهّل عليه تكوين العادات الإيجابية التي تدعوه إليها، وعلى العكس؛ سوء العلاقة بيننا وبين أبنائنا تجعلهم يتمرّدون علينا وعلى الأعمال الفضيلة التي ندعوهم إليها، انتقاماً منا على سوء المعاملة.
عندما تتابع ولدك وتشجّعه ليكتسب العادات الإيجابية؛ أنت تؤسّس لديه عادات التفوق والنجاح التي يحتاجها مدى الحياة، وعندما تؤنّب ولدك أو تلومه أو تعاقبه وأنت تجهل صعوبة ما يحتاجه الأمر ليتكون في الدماغ ويصبح سهلاً عليه وعادة له؛ فإنك تربي إنساناً محبطاً فاقداً الثقة في نفسه، يرى نفسه لا يرقى لأن يكون ضمن توقعاتك؛ فيفقد الرغبة في السمو والتطور الذاتي، ويشعر بالعجز.
تعاملك مع ولدك وصبرك عليه وتشجعيك له يرسم ملامح شخصيته ويوقد دافعيته الذاتية نحو الأمام، فانتبه لردة فعلك، وكن رفيقاً.
إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ. رواه مسلم.
هل تعلم أن 85% من نجاح الإنسان في الحياة يُعزى للذكاء العاطفي؟
وهل تعلم أن مهارة "تأجيل الإشباع" هي من أهم المهارات التي تدل على امتلاك ذكاء عاطفي مرتفع؟
إنها عضلة نفسية تساعدنا أن نقاوم ما نشتهي أو نؤجل إشباع حاجتنا لأجل قناعات نمتلكها أو مكاسب نريد أن نحققها، مثل أن نقاوم النوم وندرس للامتحان، أو نقاوم رغبتنا في استغابة شخص تقوى لله، أو نقاوم شهوة الطعام طمعاً في نيل مرضاة الله في أجر الصيام..
إن الإسلام هو دين معجز في تقوية هذه العضلة النفسية منذ الصغر والتي تؤدي إلى امتلاك الإرادة ومقاومة الضغوط النفسية وهي فعلاً أساسٌ لنجاح الإنسان في الدنيا والآخرة، فهي تُعلّمنا الصبر على الأذى، والصبر لبذل الجهد لتحقيق أهدافنا، والصبر على الشهوات التي تَحْرفنا عن طريق النجاح والنمو الذاتي.
إن إمكانات هذا الدين لانهائية في بناء أفراد نوعيين يستطيعون تأجيل إشباع رغباتهم وتوجيه إرادتهم وفق قناعاتهم ليتربعوا على عرش التميز البشري.
يستثمر ديننا الحنيف أهم فترة في نمو هذه القدرات وهي مرحلة الطفولة، فعندما يبدأ الطفل بالتعوّد على الصيام ليقاوم وهو صغير ملذات الطعام من حوله فيقول "لا.. لن آكل ليرضى عني ربي" فإن عضلة الإرادة لديه تنمو بقوة لأن دماغه لا زال في الفترة الخصبة للنمو (حتى لو صام صيام العصفورة!)، وعندما يقول: سأقوم وأصلي بالرغم من أني أشعر بالنعاس، وسأبر أمي وأقوم لمساعدتها بالرغم من أني أشعر بالتعب، فإن مثل هذه الأعمال التي قد نراها صغيرة هي عميقة في تنمية الذكاء العاطفي وتقوية مهارة "تأجيل الإشباع".
إن تعاليم ديننا الحنيف تستثمر في دماغ الطفل والفتى والشاب ليُنمّي ملكاتٍ فطرية تجعله يعلو فوق ما يرغب ليسمو بروحه ونفسه وعقله وسلوكه فيكون ذلك الإنسان الذي يحقق غايات وجوده على الأرض بالعمل الأخلاقي والمبدع ليعمر الأرض بالخير والصلاح.
لكن قد يسأل سائل.. بالرغم من أن تعاليم هذا الدين العظيمة تُنشئ بشراً نوعيين يمتلكون الإرادة والقرار، فلم يشير الواقع إلى جيل يفتقر أحياناً إلى الإرادة والقرار؟
إن إمكانات هذا الجيل عالية، وإن الأخطاء التي يقومون بها هي في الأغلب نتاجنا نحن، فالإنسان يولد على الفطرة ونحن الذين نُسيء التوجيه أو نُحسن إليه.
أولاً: التحكم بهم واتخاذ القرار عنهم يُضعف عضلة الإرادة، ويحدث ذلك أحياناً لأن الوالدين يمتلكان صورة محددة في داخلهم يريدون من أبنائهم أن يحققوها، وهذا الشيء خطير يؤدي إلى انتكاسة في الذكاء العاطفي الذي يحتاج إلى مساحة من الحرية والقرار الذاتي، المبني على معرفة الذات وتحديد القدرات (مثل أن يدرس في الجامعة مساقاً نريده نحن ولا يتوافق مع قدراته العالية)
ثانياً: نقدهم وإشعارهم بالضعف والسوء وعدم القدرة (ظناً منا أن ذلك سيجعلهم يعيدون النظر في تصرفاتهم) سيجعلهم يفقدون الثقة بأنفسهم فيفقدون الإرادة.
ثالثاً: الخوف عليهم وعدم منحهم فرصاً للتجريب والاستكشاف والتعلم من الخطأ يجعلهم يفقدون المبادرة التي تؤدي إلى امتلاك الإرادة.
رابعاً: افتقارهم لقدوة أمامهم يمتلك أهدافاً واضحة يسير نحوها ليلهمهم الإرادة في مشاريعهم الخاصة.
خامساً: التشتت في أهداف كثيرة وعدم تحديد أهداف واضحة لتجميع الإرادة نحوها.
سادساً: عدم حصول الأبناء على التشجيع المستمر، حيث أن التشجيع المستمر من قبل الوالدين وتقدير الإنجاز الذاتي لولدنا أو ابنتنا فيما يريده هو ويختاره بناء على قناعات واضحة لديه يجعل الإرادة تنمو وتقوى.
سابعاً: استخدام الكلمات التي تعظم نظر الناس مثل الكلمات التي تزرع التنافس، أو ماذا سيقول الناس عنا إذا.. أو غيرها.. لأن الإنسان يفقد الوجهة الذاتية عندما يفكر بأعين الناس وبالتالي تضعف الإرادة الذاتية.
ثامناً: تداول الأحاديث التي تشعر أبناءنا بالإحباط وتنشر السلبية التي تنخر الإرادة، مثل كثرة الحديث عن المشكلات (من دون أن نهدف لإيجاد حلول)، أو الحديث عن الغلاء أو الخوض في الناس، أو التذمر والشكوى باستمرار.
تاسعاً: استخدام الأسلوب التبريري أمام الأبناء، فعندما نرى إنساناً مميزاً بدلاً من أن نشجع أبناءنا ليُلهموا من إرادته، نقوم بتبرير نجاحه على أنه إنسان أتيحت له الفرص، أو نستخدم أسلوب التبرير الذاتي أمام أبنائنا مثل أن نقول: لو أنه حدث معي كذا لنجحت في..
من المهم أن نعي أن عضلة الإرادة لدينا أو لدى أبنائنا تنمو وتقوى بالتدريج وأنها لا تكبر بكبسة زر، إنها تتأثر بكل ما يحدث من حولنا، وتحتاج إلى ثبات في التعامل وجوٍّ إيجابي تترعرع به، فهي تحتاج أن يُحاط الإنسان بالإيجابية والتقدير والاحترام، وأن يُنشئ عادات صغيرة يداوم عليها، لأن الإنسان يكبر بالعمل الصغير الذي ينمو بتدرجٍ عبر السنين، ولا تستطيع هذه العضلة أن تنمو في لحظة.
دعونا نستثمر بركات الشهر الفضيل في تنمية ذكائنا العاطفي لنا ولأبنائنا، ونعي أساليب التفكير والسلوك التي تؤدي إلى انتكاسته لنقي أنفسنا وأبناءنا شرها فننمو نحو المعالي ومكارم الأخلاق كما أراد الله لنا عندما استخلفنا في هذه الأرض.. "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ" (البقرة/30)
والإرادة هي مفتاح الخلافة وعنوان الوجود.. ومفتاح الولوج إلى جنات الخلود..
لا تنسونا من صالح دعائكم
لا يخلو يوم إلا ونشكو فيه من معاناتنا من الطرق وتراجع أخلاق القيادة لدى الناس، حيث لا يعود الواحد منا إلى البيت إلا ويشعر كأنه عاد من "حرب شوارع"، ويجلس ملتقطاً أنفاسه شاكراً الله على عودته سالماً، فما هو السبب العلمي فيما يحدث؟
هناك عدة أسباب لكن أهمها يرجع إلى ما يحدث داخل أدمغتنا..
إن الدماغ العامودي هو الجزء المسؤول داخل أدمغتنا عن أخلاق القيادة.
يتكون الدماغ العامودي كما تحدثنا سابقاً من ثلاثة أجزاء:
1- جذع الدماغ الذي يوصل لنا المعلومات من خلال الحواس.
2- اللوزة وهي منطقة المشاعر، وهي تسيطر على ردة الفعل إنْ شَعر الإنسان بالخوف أو التوتر لتكون ردة الفعل واحدة من ثلاث: اهجم، اهرب، تجمّد.
3- القشرة الجبهية وهي منطقة القرار المنطقي والسلوك الأخلاقي.
تمرّ المعلومات التي نراها في الشارع عبر جذع الدماغ ثم إلى اللوزة ثم إلى القشرة الجبهية.
إذا كان الإنسان بشكل عام يعاني من التوتر فإن منطقة القشرة الجبهية سوف تُحجب عن القرار المنطقي وعن السلوك الأخلاقي ليكون إنساناً بطبيعة أحواله هجومياً بردود أفعاله (اهجم) أو انهزامياً (اهرب) أو سلبياً (تجمد)..
وهذا الإنسان لن يكون أخلاقياً بطبيعة الحال عندما يقود السيارة.
كثير منا يشعر أن أخلاقه قد تراجعت عند قيادة السيارة على الطريق وأنه لا يسيطر على ردود أفعاله، علمياً هذا صحيح بسبب أننا نشعر بالتوتر عندما نرى الاكتظاظ أو سوء أخلاق الناس أو نعاني من قلة أماكن الاصطفاف، مما يجعل القشرة الجبهية تُحجب عن القرار الأخلاقي فتسلّم رغماً عنها ردة الفعل لمنطقة اللوزة لتجعلنا هجوميين أو انهزاميين أو سلبيين.
1- يجب أن نراقب درجة التوتر لدينا عندما نقود السيارة بشكل خاص وفي حياتنا أيضاً بشكل عام.
2- نستطيع أن نقلل من درجة التوتر من خلال توجيه التركيز إلى ما يريح أعصابنا عند القيادة من خلال الاستماع مثلاً لترتيل نرتاح إليه للقرآن الكريم أو لموسيقى تساعد على الاسترخاء وذلك قبل أن ننطلق بالمركبة.
3- نستطيع أن ننتبه إلى التحدث مع الذات ونوجهه ليكون إيجابياً مثل:
4- نستطيع أن نستخدم استراتيجية التنفس لإزالة التوتر من الدماغ من خلال أخذ نفس عميق (شهيق) ونحن نعد (بداخل رأسنا) إلى الرقم ثلاثة، ثم نخرج (الزفير) براحة ونحن نعد (بداخل رأسنا) إلى الرقم أربعة. ثم نكرر العملية.
إن مراقبة درجة التوتر لدينا هي استراتيجية حياتية فارقة في نمو ذكائنا العاطفي وامتلاك الوعي الذهني (البصيرة) وهما أساس للنمو الذاتي والتميز والنجاح.
تستطيع أن تجعل من مشكلة سوء أخلاق القيادة سبباً للتمرن على إدارة المشاعر السلبية إلى إيجابية لتقوّي عضلات الذكاء العاطفي لديك لتنطلق في حياتك.
كما تستطيع أن تكون قدوة لغيرك عندما تشعر أنك نجحت في إدارة مشاعرك وتحسين أخلاقك لتنشر الإيجابية والأخلاق في مجتمعك..
وبدلاً من أن نلعن الظلام لنشعل شمعة على الأقل.. إن لم تضىء لغيرنا استمتعنا بنورها..
يعتمد نمو الذكاء البشري على تنمية مناطق مهمة في الدماغ مثل القشرة الجبهية، واللوزة، والحصين، وجذع الدماغ كما أشرنا في المقال الذي تحدثنا به عن الدماغ العامودي من قبل.
تنمو مناطق الذكاء لدى الطفل عند تعريضه للمثيرات البيئية التي تنمي هذه المناطق.
تعد السنوات الأولى وحتى الخمس سنوات فترة حرجة وخصبة لنمو الذكاء، بحيث يمكن تنمية الذكاء أضعافاً مضاعفة عن أي فترة أخرى لاحقة، كما نحتاج إلى جهود مضاعفة لتعديل الأخطاء التي تحدث في هذه الفترة الحرجة – إذا أمكن التعديل.
وعند حديثنا عن أهمية هذه الفترة نحتاج أن نلتفت إلى العناية التي أحاطها الله بنبيه الكريم "محمد" صلى الله عليه وسلم "نموذج الكمال البشري" عندما تربى في البادية في سنواته الأربع الأول، لنتفكر ما أهمية المثيرات التي تعرض لها في هذه الفترة وما مدى تأثيرها في الدماغ؟ وفي أي بيئة ينشأ أطفالنا اليوم؟
يحتاج الطفل إلى تشغيل حواسه من خلال تعريضه لمثيرات بيئية تشجعه على التأمل لتنمية منطقة مهمة في نمو الذكاء وهي منطقة جذع الدماغ Brain stem، فكلما تأمل الطفل وشغل حواسه الخمس فأرسل بصره إلى السماء، واستمع إلى تغريد الطيور، وتفحص ورقة الشجر بيده الناعمة، واستمتع بشم النسيم العليل، وتفاعل بحواسه ومشاعره مع القطة أو الكلب أو الغنمة، كلما نمت هذه المنطقة الحرجة والهامة في نمو الذكاء، وهنا تتجلى الحكمة الإلهية في نشأة رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بين أحضان الطبيعة.
إن نشأة الأطفال في حجرات مغلقة وعدم إعطائهم الفرص لتشغيل حواسهم يؤدي إلى تراجع هذه المنطقة، وأما إذا التقف الطفل الصغير الهاتف الجوال بين يديه فستنتكس هذه المنطقة تماماً، فلا يعود يلتفت إلى حواسه، وتفقد المثيرات الحسية بريقها، وتصبح عملية التأمّل لديه صعبة جداً في المستقبل، ويصبح قليل الصبر، محدود الرؤية، سطحي المشاعر، وهذه الظاهرة بدأنا نتحسس ثمارها مع الأسف.
لتنمية ذكاء أبنائنا يجب بناء شجرة لغوية في الدماغ يفكر من خلالها، هذه الشجرة هي اللغة الأم التي يتحدث بها مع نفسه ويفكر بها، تعد السنوات الخمس الأولى سنوات حرجة جداً في بناء هذه الشجرة، وهنا تتجلى الحكمة الإلهية في تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم في البادية "أفصح البيئات اللغوية".
تقوية اللغة الأم وتشغيل الحواس من الأُسُسِ التربوية الهامة في نموّ ذكاء الطفل في سنواته الأولى، والواقع يسير نحو العكس في عالمنا العربي مع الأسف، فإن لم نعِ ونَنشُر الوعي ستَنْشَأُ أجيالٌ منحدرةُ الذكاء عن آبائها وسنُسألُ عنها يوم القيامة.
ونحن الآن على أعتاب بدء الدراسة٬ أحببت أن أجيبكم على سؤال كثيرٍ ما طُرح عليّ وهو "كيف نجعل أبناءنا متفوقين دراسياً بحب ورغبة من الداخل؟" كلّ منا يتمنى من أعماقه تفوقاً دراسياً لأبنائه، ومن أجل ذلك قد نستخدم عدة أساليب منها الصحيح ومنها الخاطئ، فلنركز عدستنا التربوية قليلاً في هذا الشأن.
إن دفع أبناءنا للتفوق من خلال النقد والتوبيخ واللوم والحبس والإهانة هو أسلوب خاطئ مئة بالمئة، وستجد ضرره على مدى الأيام لأنه يدمر تقدير الذات، وإذا تدمر تقدير الذات سيعاني ولدنا في حياته وسيمتلك شخصية مهزوزة مترددة سلبية متشائمة غير متوازنة.
إن دفع ولدنا للتفوق من خلال زرع التنافسية في أعماقه، بحيث يجن إذا سبقه أحد، وبالتالي يبذل الجهد المستمر ليبقى هو في المقدمة لا غيره هو أسلوب خاطئ أيضاً يجعل قلبه مريضاً بتقديس "الأنا" وكره الخير للآخرين، ويقتل الإبداع في نفسه، لأنه سيكتسب عقلية ثابتة fixed mindset ترى نجاحها في أعين الآخرين وتتألم كلما تفوق غيرها، وتخشى المغامرة والإبداع حتى لا تتعرض للفشل أمام الناس.
إن دفع أبناءنا للتفوق من خلال زرع قيمة رضا الوالدين في نفسه ثم استغلالها من خلال ربط الرضا المشروط بالتحصيل الدراسي هو أسلوب خاطئ أيضاً لأنه يجب أن يتفوق أولاً من أجل قناعاته وليس من أجل قناعات الآخرين، وهذا الربط سيكسبه أيضاً عقلية ثابتة لأنه يعمل لأجل الناس لا لأجل قناعاته.
إيقاد الدافع الداخلي "النية الصحيحة". والتي نستدل عليها بسؤال "هل تعلم لماذا يجب أن تدرس؟" اسأله واستمع له وأكد الأفكار الصائبة التي تحدث بها مثل "أحب أن أكون إنساناً مميزاً.. أحب أن أؤدي واجبي.. أحب أن أكون قدوة أمام إخوتي، أحب أن يرضى عني ربي، ويرضى والداي".
قوة العادة هي قاعدة التفوق في أي مجال. يجب أن نستثمر قوة العادات وتأثيرها السحري على الدماغ لتحصيل التفوق الدراسي ونبدأ مع الطفل منذ الصغر (وحتى لو كبر أيضاً يستطيع أن يؤسس العادة).
العادة بحب تحتاج وقتاً وصبراً ولكن نتائج العادة مذهلة، تؤثر في ولدنا مدى حياته، في نجاحه، وفي سهولة تكوين عادات أخرى تدفعه للنجاح في ميادين مختلفة، وبالتالي تربية أبناء مميزين أنقياء محبين لله وللناس ولمجتمعهم.
• الأساس الأول:
لتنمية الذكاء في هذه المرحلة يحتاج الطفل إلى بيئة حب واحترام خالية من التوتر والعصبية والعنف، والسبب في ذلك يعود إلى أن الذكاء لا ينمو في بيئة متوترة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:(إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف وما لا يُعطي على ما سواه) رواه مسلم.
تحتاج الأم إلى الرفق و"طولة البال" مع هذا العمر، والوعي بأنه لا شيء في الدنيا يستحق أن أدمر ذكاء ابني أو ابنتي لأجله، خاصة وأن هذه السنوات لا تعوض مهما فعل المربي.
• الأساس الثاني:
دع الطفل يشعر بالهواء، بالنسمة، ينظر إلى السماء ويتأمل غروب الشمس، يتخيل أنه يتكلم مع الغيوم، يراقب امواج البحر، يلعب بالرمل، يخلط الماء مع الرمل ويكون الأشكال، يلمس الأرنب، يتبادل الحب مع القطة، يراقب سلحفاة، يحضن الخروف، يتأمل سمكة، يستمع إلى تغريد الطير، يجمع ويتأمل الصدف، يراقب دودة، يتأمل اختلاف أوراق الشجر، يتمتع بألوان الورود، يتأمل الفاكهة والخضار، يرسل بصره بعيداً ليتعلم بعد النظر. ولعل هذا يفسر لنا شيئاً من الحكمة عندما قدر الله سبحانه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتربى في هذا السن في البادية لتنمية حواسه ومشاعره الإيجابية مما يؤدي إلى تنمية الذكاء بعمق.
• الأساس الثالث:
وعلمياً يكون هذا الكلام صحيحاً إن كانت الثرثرة تعني الحوار المتبادل بحب وثقة من دون عصبية وإثارة توتر، فالأم التي تتبادل الحديث مع صغيرها، وتقرأ له القصص، وتأخذه في جولة في الطبيعة ليتعلم أسماء الأشياء من حوله وهو يتأملها ويشغل حواسه، بينما يجلس ويلعب بهدوء يستمع إلى السور القصيرة من القرآن الكريم، يستمع إلى الأناشيد التي تتناسب مع عمره ويقوم بالحركات التي تناسب الكلمات، عندها ستبني الأم شبكة لغوية عميقة في الدماغ تقوم عليها قاعدة التفكير.
نذكّر ونشدد أن الشاشات الالكترونية تدمر الوصلات العصبية بين خلايا الذكاء، ومع تقدم عمر الطفل الذي يتعامل يومياً مع الأجهزة، سيكتشف الأهل أن هذا الطفل لا يستطيع التركيز وأصبح فاقد للصبر، وهما ركيزتا التعلم، ناهيك عن أضرار كثيرة أخرى لا يتسع المقال الآن لذكرها..
ماذا تريد أن تفعل لتنمية ذكاء طفلك؟... شاركنا الأفكار الإيجابية
دور الأب هو نفس دور الأم.. خاطبنا الأم هنا لأنها تقضي وقتاً أطول عادة مع الطفل في هذا العمر.
اطلع إلى تنمية الذكاء والإبداع في منهاج تفكر من عمر خمس سنوات إلى 12 سنة https://tafakkur.com/ar/3646-5
كم نفرح عندما يستطيع طفلنا الصغير أن يقرأ، أو يحسب أسرع من أقرانه، أو يكتشف آلية عمل جهاز، أو تركيب لعبة بعينها فنقول له: " حقاً إنك ذكي!.. "
لأن ثناءنا على ذكائهم سيعلمهم أن ذكاءهم هو سبب نجاحهم وتميزهم وليست المحاولة وبذل الجهد. لا شك أن عليهم التعرف على قدراتهم المرتفعة من ذكاء لغوي، أو حركي، أو بصري ( فني)، أو منطقي، أو اجتماعي، أو شخصي، أو إيقاعي، أو طبيعي (حب للطبيعة والكائنات)، ولكن دون أن يركنوا إليها. بل ليعلموا أن الذكاء ينمو بالمحاولة والتجربة، مثل العضلة التي تقوى وتكبر ببذل الجهد.
لذا يجب علينا أن نثني على الجهد المبذول والمحاولة ونتجنب الثناء على الذكاء حتى يتعلم ولدنا أن التميز يأتي من بذل الجهد وليس من الركون للذكاء، فيصبح لديه عقلية نامية growth mindset وهي العقلية التي تحب التحدي، ومعيار احساسها بالنجاح هو متعة التعلم والمحاولة بغض النظر عن النتائج، بعكس العقلية الثابتة التي تعتبر أن نظر الناس لها هو معيار النجاح والفشل، فتتجنب التحدي خشية الوقوع بالفشل لتتجنب نقد الناس، وبالتالي لن تبدع ولن تتطور كما ينبغي لها، كما أنها لن تتعلم من مميزات الآخرين بسهولة لأن تميز الآخرين يشعر العقلية الثابتة بالتهديد، فهو يرى أنه الأذكى والأفضل، فتضع العقلية الثابتة نفسها في قالب من الجمود والاعتزاز بأوهام من الغرور "أنني أنا الأذكى.. كما قيل لي"، بينما تمر عنها العقليات النامية وتتقدم معانقة التحدي ومستمتعة بالمحاولة والتعلم من الخطأ، بغض النظر عن النتائج، فتحلق في سماء التميز والإبداع.
فلنحذر من أبعاد كلماتنا.
سؤال سألته لي إحدى صديقاتي قبل يومين، وهو سؤال أراه حرجاً نوعاً ما، فعندما نقول "ما أكثر"، فهناك الكثير من الأشياء المهمة لبناء الدماغ وتنمية الذكاء. ولكن الأمر الأكثر حرجاً في بناء الدماغ والذي يشكل فارقاً واضحاً بين أسرة قامت به وأسرة لم تقم به في تنمية شخصيات مفكرة ومبدعة هو:
" الحوار المتبادل بمتعة وثقة مع الأبناء.."
السبب في ذلك يعود إلى أن الأهل الذين يحاورون أبناءهم ويشاورونهم ويستمعون لهم فإنهم يقومون بتنمية وصلات بين الخلايا العصبية في أدمغة أبنائهم مع كل تبادل في الحوار، ومع مرور السنين، يصبح الدماغ غنياً بهذه الوصلات العصبية مما ينمي الشبكة الدماغية بشكل عميق، ومع استمرار لغة الحوار والتشاور واحترام وجود هذا الإنسان من خلال الاستماع له والأخذ برأيه ستنمو القشرة الدماغية مما يعني نمو الذكاء.
ولماذا أقول حوار بمتعة؟ لأن هرمونات السعادة هي ناقل عصبي وجوده شرط لحدوث التشابك بين الخلايا العصبية، أي أن البيت الذي يفقد الحب والمتعة معيق لنمو الدماغ؟، نعم بالتأكيد. ويربي أفراداً منكمشي الدماغ أي محدودي الذكاء ويفتقرون للإيجابية والقدرة على التفكير وحل المشكلات.
يحتاج كل واحد من أبنائنا إلى 15 دقيقة من الحوار المتبادل في الحد الأدنى ما لم يكن يمر بمشكلة فإنه سيحتاج إلى المزيد، لكن الحوار الذي نتحدث عنه لا يعني أن أستجوبه حول مدى قيامه بواجباته، بل أفتح له الباب ليعبر عن نفسه ويتخذ القرار.
وأجمل ما في هذه الشخصية التي يبنيها والدان متوازنان يستمعون ويستمتعون بنعمة أبنائهم، هي المرونة العالية التي يكتسبها الأبناء من جراء الحوار المتواصل، فيواجهون الحياة بتكيف رائع ومرونة عالية وذكاء من دون توتر وصدمات تجعلهم ينتكسون، فيتعاملون مع مشكلات الحياة بإيجابية وتفاؤل. كل هذا وأكثر عندما نفتح المجال لنجلس مع أبنائنا ونتحدث إليهم بحب وثقة وتقدير لأفكارهم ومشاعرهم. نبني بهذا السلوك أفراداً مميزين ينهضون بواقعنا في زمن وجب فيه التغيير.
وانظر إلى ثقافة الحوار واحترام الناشئة عند نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يوم قال للغلام: (( أتأذن أن أعطي هؤلاء ؟ )) قال الغلام : والله يارسول الله لا أؤثر بنصيبي فيك أحداً!.
من المهم أن يعيش الطفل أهدافاً إيجابية يحلم بتحقيقها عندما يكبر، لأن ذلك يزرع التفاؤل والأمل في نفسه، بغض النظر عن تمسكه بهذا الحلم، فقد يعبر من حلم إلى حلم مع خطوات نموه، ولكن حتى يستقر حلمه، ستكون لك يدٌ بذلك، ترتبط بمعرفة أنواع ذكائه المرتفعة واختيار مهنة تلائم هذه الأنواع، ليتخصص بها ويبدع، فإن الإنسان لا يمكن أن يبدع إلا بموهبته التي وهبها الله إياه وهي أنواع الذكاء المرتفعة لديه، وهي ثلاثة أنواع.
في الوضع الطبيعي، ابتعد عن التفكير التقليدي الذي يدفعنا له مجتمع يباهي بالطبيب والمهندس فقط، بغض النظر عن ملاءمة قدراته لذلك، وافتح لابنك مجالاً حقيقياً للإبداع ليجد نفسه، ولينفع أمته، فإن أمتنا لن ترقى إلا بتنوع الإبداعات.
سيساعدك منهاج تفكر مع أنوس في تنمية ذكاءات ولدك والكشف عن المرتفع منها حيث ينمي كل درس الذكاءات التسعة الرئيسية، كما أنه هنالك توضيح بجانب كل تمرين عن تمارين البرنامج لأنواع الذكاء التي يكشفها كل تمرين، لنسهل على معلم التفكر الكشف عن أنواع الذكاء المرتفعة لولدك، حتى يطلعك عليها فتعتني بها وتوجه ولدك مهنياً في ضوئها ليبدع وينفع أمته.
للاطلاع على التنمية الإبداعية في منهاج تفكر اضغط على الرابط التالي: https://tafakkur.com/ar/3646-5
إن الذكاء العاطفي هو أساس في بناء شخصية متوازنة وسعيدة، ناجحة ومحبوبة. حيث يشكل الذكاء العاطفي 85% من نجاح الإنسان في الحياة.
أنك كلما تعاطفت زاد ذكاؤك، فمهارة التعاطف هي مهارة يمكن أن تنمى كأي مهارة عندما نهتم بها ونرعاها.
وهناك فرق بين أن نأخذ حذرنا عندما نشعر بشيء غير مريح، ومن أن نسارع في إصدار أحكام على الناس بناءاً على موقف وليس على صورة مكتملة، والمشكلة أننا نظن أحياناً أن سوء الظن ذكاء وفطنة، وهو يعبر حقيقة عن الغباء العاطفي.
تذكر أن اللوم لا يطور ذكاء غيرك لأنه يوترهم، والتوتر هو العدو الأول لنمو الذكاء، بل التعامل بذكاء عاطفي مع غيرك هو الذي يطوره، خاصة شريك الحياة أو الصديق أو الولد.
فاهتم وتعاطف وأحسن الظن ابتغاء وجه الله دون انتظار مقابل من أحد، فالراحمون يرحمهم الرحمن وأحب عباد الله إلى الله أحاسنهم اخلاقاً. وتذكر أنك كلما زدت عطاءاً لله زاد ذكاؤك. فجُد على غيرك تجُد على نفسك.
من المهم جداً ألا تحل أنت مشكلته، وأن تصبر وتسكت بعد أن تسأل السؤال ليقوم هو بدوره بالاجابة، سيحتاج الى وقت للتفكير، اسأله وشجعه كما يلي:
- لماذا تحدث أو حدثت هذه المشكلة؟
- ماذا تستطيع أن تفعل؟ (شجعه على توليد أكبر عدد من الحلول)
- ما الحل الذي تراه مناسباً؟
- ماذا قررت أن تفعل؟ ولماذا اتخذت هذا القرار؟ (الشق الثاني من السؤال للأبناء فوق 10 سنوات)
- في اليوم التالي (أو بعد أن يقوم بحل) اسأله: ماذا حدث معك؟ هل أنت مقتنع بالحل الذي اخترته أم تريد أن تعدل عليه شيئاً ما؟
تصلح هذه الاستراتيجية بدءاً من سن الروضة.
إن هذه الاستراتيجية الرائعة تنمي تشابكات هائلة بين الخلايا العصبية وهي من أفضل طرق نمو الذكاء، نستطيع أن نستخدمها مع أبنائنا يومياً ليحلّوا مشكلاتهم وينمّوا شخصياتهم وذكاءاتهم في نفس الوقت، في البداية اصبر عليه، لأن هذه المهارة من الطبيعي أن تكون ضعيفة لديه، ستتنمى مع الوقت وبعدها ستجد أن شخصيته وذكاءه قد تطور بشكل لا يمكن أن تتصور عمقه، إنه يؤدي إلى اللدونة العصبية Neuro Plasticity التي هي اساس نمو الذكاء.
إن موضة المدارس الانترناشونال أصبحت تنتشر بسرعة كبيرة في تنافس عجيب، يشحذها حاجة الناس لتهريب أطفالهم من ضعف المناهج الوطنية التي تعتمد على حشو الأذهان، وتؤدي إلى إحباط الطفل، وطمعاً في تمكن الطفل من اللغة الإنجليزية التي هي لغة العصر ولغة العلم.
نعم، لا شك في أننا كلنا نمر بتفكيرنا تحت وطأة هذه الضغوط، ولكن هناك الكثير من الإشكالات الأخرى التي يجب أن ننتبه لها حتى لا نخسر ما هو أهم.
إن دراسة الطفل الصغير غالبية مواده التعليمية بلغة غير لغته الأم يؤدي إلى ضعف اللغة الأم بشكل نلحظه جميعاً، مما يؤدي إلى إشكالات كثيرة في المستقبل، حيث أن الإنسان يفكر بلغته الأم، ويحلم بلغته الأم، ويتخيل ويبتكر بلغته الأم، وكلما كانت اللغة الأم أقوى لديه فإن مهارات التفكير لديه تكون أعمق، مما يؤثر عليه كباحث ومبتكر في المستقبل، والعكس صحيح.
إن الإنسان كلما قويت لغته الأم، تعمقت جذور اللغة في الدماغ وتشعبت، مما يسهل عليه تعلم أي لغة أخرى بسبب قوة الذكاء اللغوي لديه، وإن ضعف اللغة الأم هو ضعف في تطوير تعلم اللغات لديه.
وهناك إشكال آخر كبير يحدث في هذا الشأن، وهو أن لغتنا الأم هي اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، ولسان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وإن طلاب المدارس الدولية يعانون من غربة كبيرة عن تراثهم وأصالتهم، ويجدون صعوبة في فهم دينهم، وتذوق حلاوة القرآن الكريم، وهذا يؤثر عليهم مدى الحياة ويصعب جداً تعويضه، فالمسلمون غير العرب يتمنون لو كانوا عرباً يفهمون القرآن ويستمتعون بجماله، فكيف نربي نحن أبناءنا العرب الذين من أصلابنا ليصبحوا عجماً؟.. نحن نحرمهم من أكبر النعم التي أنعم الله بها عليهم.. وسنُسأل..
أنا معكم من أنه هناك ضغوط تجعلنا نريد أن نسجل أبناءنا في المدارس الدولية، ولكن نصيحتي لكم، لا تسجلوهم في هذه المدارس في مرحلة رياض الأطفال ولا في المرحلة الابتدائية، لأن هذه السنين هي السنين الأهم في تقوية اللغة الأم، ثم لا باس إن قمنا بتسجيلهم في الصف السابع ابتدائي فما بعد.
كما أنصحكم بالتركيز على تقوية اللغة الأم في مرحلة الطفولة، من خلال تعليم الطفل القرآن الكريم والحديث الشريف، وقراءة القصص، ووضع أناشيد في البيت بشكل مستمر ليقوموا بحفظها بشكل عفوي، فإنها تثري اللغة بشكل هائل، مما يزيد الذكاء وينمي تشابكات عظيمة بين الخلايا العصبية في الدماغ، فتقوى جذور اللغة الأم بشكل عميق.
اللهم لك الحمد أن جعلتنا عرباً نتلو كتابك ونفهم مرادك، اللهم لا تحرمنا وذرياتنا شرف الاعتزاز والفهم والتلذذ بحلاوة كلامك... اللهمّ آمين
يخطئ كثيرٌ من الآباء عندما يعتقدون أن العلامة المدرسية المرتفعة تعني "طفلاً ذكياً"، حيث أن العلامة المدرسية تُبنى على مهارة الحفظ بالدرجة الأولى، وهذه المهارة ليست من مهارات التفكير العليا.
تابعْ ولدك ليعتاد على الاهتمام بدراسته دون أن توتره وتربط رضاك عنه بالعلامة المدرسية، فإن ذلك سيؤدي إلى تراجع نموه العقلي والعاطفي، وتذكر أن ذكاءات الطلاب متنوعة، وأنه لا يمتلك جميع الطلاب "القدرة على التفوق الدراسي"، ولكن الجميع يمتلك القدرة على التفوق في ذكاءاته المرتفعة التي وهبه الله إياها، والتي يجب أن يتخصص بها مستقبلاً.
تابع مع معلم التفكر لتكتشف ذكاءات ولدك المرتفعة لتنميها له، فيشعر أنه مميز من خلالها ويتوازن ويبدع.