أخبار ومواقف يومية تحدث مع هذه الأزمة، منها ما هو مؤلم ومنها ما يزف معه رائحة النصر، وتختلف ردود فعل الآباء والأمهات أمام أبنائهم تجاه الأخبار والمواقف التي نسمع بها يومياً. فبعضهم قد يثير المشاعر السلبية – دون أن يعي – مثل الخوف أو الإحباط أو سوء الظن بالله، مما يجعل الأبناء متوترين نافرين أو خائفين ومحبطين، وقد يصل الأمر إلى إساءة سلوك الأبناء بشكل غريب بسبب الغضب المكبوت مما يحدث؛ كما وردني من بعض الأمهات.
وبعض الآباء والأمهات قد يستغل الأخبار والمواقف التي تحدث ليُربي أبناءه على معانٍ مهمة جداً برزت مع هذه الأزمة ومشاعر عزيزة يحتاجها أبناؤنا كما يحتاج النبات الماء.
فما هي ردة فعلك عند سماع الأخبار؟ وما هي المشاعر التي تشعر بها وتبثها لأبنائك؟
شاركونا.. ما هي أكثر مشاعر التي نجحت في بثها حتى الآن في أبنائك؟ وما المشاعر التي لم تنتبه لها؟
عندما تكون مبادئك في الحياة عظيمة وأهدافك تتوافق مع هذه المبادئ ستحترم نفسك على قدر عظم المبادئ التي تؤمن بها
وكلما تطابقت أفعالك مع هذه المبادئ زاد احترامك لنفسك وارتفع تقديرك لنفسك
وعندما يتحدث الإنسان عن إيمانه بمبادئ عظيمة ويفعل عكسها يفقد احترامه لنفسه بقدر هذه الفجوة التي تفصل مبادئه عن سلوكه
قد يعتقد بعض الناس أنه من الذكاء أن أخدع الآخرين بقناع أضعه أمامهم أبدو من خلاله بأني إنسان كبير بمبادئي التي أتحدث عنها وهو في الحقيقة لا يخدع أحد بقدر ما يخدع نفسه فهو لا يدري أنه يشعل صوت الاحتقار الذاتي في أعماقه الذي يفسد عليه مشاعره الإيجابية عن نفسه في كل لحظة تجعل فاقداً للاحترام الذاتي وفاقداً الإحساس بقيمته الحقيقية
لذلك أكثر الناس كرهاً لأنفسهم هم المنافقون والنرجسيون الذي يعيشون في خداع دائم والشيطان يزين لهم أنهم الأذكى وهم في الحقيقة ليسوا سوى الأحقر أمام أنفسهم وأمام من يكشفهم!
أن تحترم نفسك وتقدرها يعني أن تكون حقيقياً لا مزيفاً.. وأن تتطابق أقوالك مع أفعالك.. فإذا زللت وتعارضت أفعالك مع أقوالك ومبادئك فليس لك إلا التوبة تعيدك إلى ذاتك الحقيقية وتقلص الفجوة التي تكونت في أعماقك وتردك إلى صدقك مع نفسك رداً جميلاً..
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً..
هل يجب أن يشكر الإنسان نفسه؟ وعلى ماذا يشكر نفسه؟
وهل شكر النفس يؤدي إلى العجب؟
وماذا لو لم يشكر الإنسان نفسه؟ هل سيؤثر على إحساسه بقيمته الذاتية؟
وما تأثير إحساس الإنسان بقيمته على نفسيته وسلوكه؟
أسئلة وصلتني من المتدربات في دورة مربي الشخصية الإبداعية الأخلاقية التي انطلقت قبل أسبوع، ونحن نتحدث عن أهمية إثارة المشاعر الإيجابية لفرز هرمونات السعادة التي تؤدي إلى ازدهار الدماغ flourish ، وبالتالي تحقيق السعادة والرضا well being ، وذلك وفق علم النفس الإيجابي.
الشكر يفرز هرمونات إيجابية مهمة في تحقيق التوازن النفسي وازدهار الدماغ، مثل هرمون السيراتونين وهرمون الأكسيتوسين وهرمون الدوبامين، سواء كان هذا الشكر موجهاً لله تعالى، أو للناس، أو للنفس، حيث ينشر الشكر في النفس الإحساس بالتقدير والرضا والسعادة، لذا أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشكر فقال: من لم يشكر الناس لم يشكر الله. رواه الترمذي
ونحن من الناس! فهل يجب أن نشكر أنفسنا؟ وكيف نشكر أنفسنا دون أن نصاب بالعجب؟
شكر النفس هو من شكر الله تعالى، فعندما ننتبه إلى الأعمال الصغيرة التي قمنا بها خلال يومنا فإننا ننتبه إلى نعم الله تعالى علينا، فلولا توفيق الله لنا ما تحركنا من أماكننا، ولا بادرنا وقمنا بأي عمل، فهذا الشكر يجعلنا نقدّر أنفسنا ونشعر بقيمة ما نقوم به، ونحن نشكر الله في الوقت ذاته، ونرجع الفضل إليه، أي يمكننا أن نسميه: شكر الذات على أعتاب العبودية لله تعالى (وما توفيقي إلا بالله).
كما أن الإنسان إذا لم يشكر نفسه ويقدّر نفسه من الداخل، لن يعوّضه التقدير الخارجي مهما كان، لأن التقدير الذاتي ينبع من الداخل وليس من الخارج.
إذن يجب أن نشكر أنفسنا على ما نقوم به، ونربط هذا الشكر بشكر ثاني هو شكر الله تعالى على توفيقه لنا، وهنا يأتي السؤال:
كيف يمكن أن نشكر أنفسنا؟..
تخيل معي..
في آخر يومك، وقبل أن تسدل الستارة على هذا اليوم، مر بخيالك على مشاهد يومك، وتذكر:
ما الأشياء التي قمت بها وتؤثر عليك وعلى المحيطين بك؟ ماذا فعلت اليوم من أشياء إيجابية وطيبة؟
مرّ وأنت تتذكر وتشكر نفسك وتشجعها، وتشكر الله تعالى أنه أعانك..
قل لنفسك (مثلاً): الحمد لله أني.. استيقظت في الصباح، تهيئت واعتنيت بنفسي، سعيت وعملت، صليت، ذكرت الله، قمت بأعمال منزلية، تواصلت مع والديّ، سألت عن صديق، تناولت طعاماً صحياً، مارست رياضة، استرخيت، قمت بشيء استمتعت به وجددت نشاطي، استمعت إلى فيديو تعلمت منه شيئاً إيجابياً، قرأت، تصدقت، ساعدت، قلت كلمة لطيفة شكرت فيها أحداً، منعت ظلم وأذى عن نفسي أو عن غيري، سامحت، رحمت، حنوت، ابتسمت في وجه أحد..
تخيل.. كل ما سبق هو إحسان للنفس وللآخرين.. إحسان يستحق شكر النفس وشكر الله، ونحن عندما ننتبه إلى تفاصيل يومنا، ونشكر أنفسنا على هذا الإحسان، سنبث الإيجابية في أنفسنا ونشجعها على القيام بالمزيد، فالتشجيع يطلق المبادرة والفاعلية، وشكر الله تعالى يذكرنا بأن الله تعالى أنعم علينا إذ مكنّنا من هذا الخير، ولو كان صغيراً، ولو كان ابتسامة، فلا تستهين بابتسامة تخرج منك وتصل إلى شخص أمامك تسعده، وتسعد نفسك أيضاً معه، في لحظة بادرت فيها للتبسم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ بوجهٍ طلقٍ. رواه مسلم.
هذه الابتسامة البسيطة تستحق شكر النفس وشكر الله على توفيقه أن مكنّنا أن نبتسم..
يعتقد بعض الناس أن عليه أن يقوم بعمل عظيم - مثل أن يحفظ القرآن الكريم أو يحصل على شهادة دكتوراة أو يصبح غنياً - حتى يشكر نفسه، والحقيقة أن حفظ القرآن الكريم لا يـأتي بخطوة واحدة، بل هو حصيلة عدد كبير من الخطوات اليومية، كل خطوة منها تستحق شكر النفس لتشجيعها على المزيد من المبادرات الطيبة، وأيضاً شكر الله تعالى على توفيقه، وكذلك الحال في أي عمل كان؛ سواء كان كبيراً أم صغيراً، فلا يوجد عمل صغير، كل عمل طيب نيته لله تعالى، هو عمل عظيم، ولو كان "ابتسامة".
شكر النفس وتشجيعها يؤدي إلى الإحساس بالقيمة والاستغناء عن التقدير الخارجي، وهو مهم في التوازن النفسي، ومهم أيضاً في إخلاص العمل لله، والقيام بالعمل دون انتظار المقابل، سواء كان مادياً أو معنوياً، فالاستغناء بإحسان هو روح العمل وسر من أسرار قوة الباطن. رزقنا الله وإياكم شكر الله تعالى في جميع سكناتنا وحركاتنا.. وكتبنا في الشاكرين..
جربوا معي: اجلسوا مع أنفسكم آخر اليوم، ولو على وسادة النوم، تشكرون أنفسكم وتشكرون الله على الأعمال الإيجابية التي قمتم بها خلال اليوم، وانتبهوا إلى مشاعركم الذاتية، وبركة أيامكم..
وأخبروني: كم ارتفع شعوركم بالرضا والسعادة؟
خمس خطوات لتكون "أنت" النسخة الأصلية من نفسك
هل أنت النسخة الأصلية من نفسك؟ أم أنت نسخة مما يجرك إليه من حولك من أشخاص أو إعلام أو غيره من المؤثرات الخارجية المترامية هنا وهناك؟..
ربما يكون هذا الزمن هو الزمن الأصعب أن نكون حقيقيين لأن التأثيرات الخارجية التي تصب في مساحة وجداننا أصبحت تتراكم بطرق معقدة ومتسارعة بداخلنا، حاجبة عنا ذواتنا الحقيقية مؤدية بنا إلى الشعور بالتخبط والضياع والضيق وربما مرض العصر "الاكتئاب".. فكيف نبصر ذواتنا الحقيقية ونشعر بالقيمة والثقة والرضا والسعادة؟
أولاً: حتى تعرف ذاتك وتجمع نفسك عليها تحتاج أن تسأل أهم سؤال في حياتك وهو: ما هي قيمي العليا؟ بماذا أؤمن؟
ثانياً: تحتاج أن تسأل نفسك السؤال الثاني المهم جداً وهو: ماذا أريد؟
ثالثاً: يجب أن تتوافق أهدافك مع قيمك العليا لتصب في طريق تحقيقها فتجمع نفسك بذاتك الحقيقية، وإلا ستبقى في ضياع وتعب.. مستعيراً ذاتاً غير ذاتك.. ذاتاً رسمها لك التأثير الخارجي أو مخاوف ألقتها عليك هذه التأثيرات وجعلتك تجري متخبطاً تائهاً عن ذاتك..
رابعاً: تحتاج أن تضع خططاً لحياتك تنبثق من قيمك العليا، وتُبسّطها إلى أهداف يومية تعيش لذاتها لأنك أنت من اختارها، ولأنك تتقدم نحو ما تريد، عندما تجد أن ما تقوم به يصب في قيمك العليا سترتاح وتسكن وترضى، نعم لا شك أننا جميعاً نُبتلى ونعاني ونصبر، ولكن لن تضرنا العواصف ما دمنا نسير في مركبنا الذي اخترناه وتشبثنا به، وستمر عنا ونبقى ثابتين، وكم ستكون العواصف متعبة إذا واجهتنا ونحن لا ندري أين نحن ولم نختر أين نكون.
خامساً: نحتاج أن نقف وقفات استكشافية خلال يومنا، ونتساءل: كيف أشعر الآن؟.. وبم أفكر؟.. وماذا أفعل؟..
هل أفكاري ومشاعري وسلوكي يصب فيما أريد؟ أم أنا مشتت وتائه؟ فإذا وجدت نفسك – مثلاً- مستغرقاً بحوار داخلي متعب حدث بينك وبين أحد من الناس، اجمع نفسك بذاتك مجدداً بالأسئلة التالية: هل ما أفكر به يساعدني لأتقدم نحو ما أريد؟ فإن لم يكن فاختر أن تفكر بشيء تريده يصب في أهدافك..
وإذا مررت بتجربة صعبة ومحبطة؛ قف مع نفسك متسائلاً: هل هنالك شيء ما يمكن أن أتعلمه يساعدني لأتقدم نحو ما أريد؟ تعلم مما حدث وعد للتركيز على ما تريد.. وإذا شعرت بالانبهار من شيء يلمعه الإعلام أو يطري عليه الناس يشدك بعيداً عنك؛ اسأل نفسك مجدداً لتعود لقواعدك سالماً: هل هذا حقيقة ما أريد؟ أين أنا ذاهب وماذا أريد؟
من الطبيعي أن نتشتت أحياناً عن طريقنا، فالتشتت سيجعلنا نشعر بالضيق، ثم نعود بحب وشوق لما نريد.. ومن الطبيعي أن ننسى أحياناً ونُجر إلى ما لا نريد.. عندها سنشعر بالضياع فنعود ونقف مع أنفسنا وقفة الاستكشاف الداخلي متسائلين: ماذا أشعر؟.. وبم أفكر؟.. وماذا أفعل؟.. وماذا أريد؟..
فنسترجع وعينا ونعود إلى ذواتنا الحقيقية التي تعرف بم تؤمن وأين هي ذاهبة وبم هي راغبة.. فتشعر بالرضا والسعادة لأنها على الطريق.. وهذه حكمة من أننا مخيرون.. أكرمنا الله بالقدرة على الاختيار.. فلن نسعد إلا إذا امتلكنا حرية الاختيار وحرية القرار لنعيش حياتنا أحراراً متوجهين لا عبيداً مجرورين..
قد يمضي بعض الناس حياته وما استدل على قيمه العليا وما استطاع أن يعرف ماذا يريد من هذه الحياة وهم كُثر تائهون.. وقد يستدل آخرون على قيمهم العليا ويعرفون ما هي أهداف هذه القيم ولكنهم يمضون أنفاسهم في مكان آخر يرجون أن يجدوا قيمة لحياتهم في أوهام وصور يرسمها الآخرون لهم وأولئك هم المُزيّفون..
وقلة قليلة تعرف هدفها من هذه الحياة وتجتهد لتكون حياتها بأيامها ودقائقها انعكاساً لما تؤمن به، وأولئك هم المؤمنون حقاً.. أولئك هم الحقيقيون..
نسأل الله أن نكون منهم.. وأن يكون رضاه أكبر همنا.. وأفكارنا ومشاعرنا وسلوكنا يصب كل يوم في طريق حبه ورضاه.. متحررين عما سواه.. اللهم آمين..
من الشائع في تربيتنا التقليدية – مع الأسف، أننا نريد من أبنائنا أن يقوموا بعمل يحتاج إلى تكوين مهارة وبناء عادة، مثل ترتيب الغرفة أو الدراسة، بمجرد إعطاء أوامر، أو لجوء للمكافآت أو العقوبات، على غير وعي منا بما تحتاجه المهارة لتتكون في الدماغ، فمثلاً لندرب ولدنا على مهارة ترتيب الغرفة نحتاج إلى شرح خطوات وتفاصيل العمل، ثم تشجيعه على القيام به تحت إشرافنا، على أن تكون مهام المهارة ملائمة لعمره.
ثم الانتقال إلى مرحلة القيام بها وحده، مع تذكيره في حال نسي، برفق و دونَ لوم، حتى نساعد المهارة لتتكون في الدماغ وتتعمق مساراتها فتصبح عادة.
يجهل الأهل في كيفية تكوين العادات والمهارات في الدماغ، فيريدوا من ولدهم أن يقفز قفزة واحدة من مرحلة أول المعرفة بالعمل إلى مرحلة الالتزام به في غضون فترة قليلة، ربما تكون يوماً واحداً! وهو شيء مستحيل لأن ضعف تشابكات المهارة في الدماغ يجعل الإنسان غير واعٍ بالقيام بها، وينساها بسهولة عند تذكر أي شيء آخر أكثر متعة أو أكثر أهمية بالنسبة له.
يلجأ الأهل إلى المكافأة والعقاب وإلى أساليب الضبط السلبي لسد الفجوة الكبيرة بين أول المعرفة واكتساب المهارة، فيشعر الولد بالإحباط، وتبدأ المعاناة معه والتمرد وإساءة السلوك.
ما الحل؟
لنأخذ مهارة الدراسة على سبيل المثال:
1- اشرح خطوات العمل في البداية، واشرف عليه بعدها للتأكد أنه تم استيعاب أجزاء وتفاصيل العمل. مثل أن تشرح لولدك كيف يدرس، وتبقى جالساً معه، لتتأكد أنه جلس وركّز، ويقوم بخطوات العمل بشكل صحيح ليكتسب مهارة الدراسة. (يمكن أن تقوم بعد فترة من جانبه عندما تتأكد أنه اكتسب المهارة، ولكنه يحتاجك إلى جانبه في البداية ليعتاد على الجلوس، وهو أمر صعب لطفل في البداية)
2- تهيئة المكان و الزمان لممارسة العادة يسهّل على الدماغ التمكّن منها لتصبح سجية.
ضع قانوناً: مثل: الدراسة تبدأ الساعة الرابعة، وهيئ مكاناً مناسباً ومريحاً خالياً من المشتتات، واجلس معه في المكان لتنشر الراحة والدفء والسكينة.
3- التذكير بحبّ: ذكر ولدك بحبّ و دون توتر إذا تأخر عن الدراسة وانشغل بشيء آخر، من خلال كلمات قليلة بنبرة حازمة لا تخيفه ولا تؤنّبه مثل: "الدراسة أولوية".
كم ستحتاج من الوقت؟
الأمر يعتمد على عدة عوامل، لا يوجد وقت محدد، قد يكتسب ولدك المهارة في شهر، وقد يحتاج متابعتك وتشجيعك لسنوات، الأمر لا يتعلق بالذكاء، بل بنوع الذكاء، فلا شكّ أنّ ولد ذكاؤه الحركي أو الاجتماعي مرتفع سيحتاج منك وقتاً أكثر من ولد ذكاؤه الذاتي مرتفع، الثاني يحبّ أن يجلس ويركّز أكثر.
تذكّر أنه لا يوجد أحد أذكى من الآخر، لكن اختلافنا حكمة وجمال من الله الحكيم العليم، ليعمر هذا الكون، وكلٌّ ميّسر لما خُلق له.
كما أن قوة علاقتك به ومحبته لك تسهّل عليه تكوين العادات الإيجابية التي تدعوه إليها، وعلى العكس؛ سوء العلاقة بيننا وبين أبنائنا تجعلهم يتمرّدون علينا وعلى الأعمال الفضيلة التي ندعوهم إليها، انتقاماً منا على سوء المعاملة.
عندما تتابع ولدك وتشجّعه ليكتسب العادات الإيجابية؛ أنت تؤسّس لديه عادات التفوق والنجاح التي يحتاجها مدى الحياة، وعندما تؤنّب ولدك أو تلومه أو تعاقبه وأنت تجهل صعوبة ما يحتاجه الأمر ليتكون في الدماغ ويصبح سهلاً عليه وعادة له؛ فإنك تربي إنساناً محبطاً فاقداً الثقة في نفسه، يرى نفسه لا يرقى لأن يكون ضمن توقعاتك؛ فيفقد الرغبة في السمو والتطور الذاتي، ويشعر بالعجز.
تعاملك مع ولدك وصبرك عليه وتشجعيك له يرسم ملامح شخصيته ويوقد دافعيته الذاتية نحو الأمام، فانتبه لردة فعلك، وكن رفيقاً.
إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ. رواه مسلم.
في هذه الأيام الفضيلة ترغب كثير من الأمهات بربط أطفالهن بمناسك الحج لتعظيم شعائر الله، وهذا شيء طيب، لكن أثناء ذلك كثيراً ما يتم التطرق إلى قصة إبراهيم وإسماعيل الذبيح، فهل تفاصيل القصة مناسبة للطفل؟
تهدف قصة إبراهيم وإسماعيل الذبيح إلى تطهير القلب مما سوى الله، ولنا في سيدنا إبراهيم أسوة حسنة حتى ننقي قلوبنا من كل التعلقات التي تزاحم محبتنا لله، فهل يدرك الطفل مغزى هذه القصة عندما تقصها عليه؟
بالتأكيد لا..
ما الذي يدركه الطفل إذن؟
يدرك الطفل أن الله تعالى أمر سيدنا إبراهيم بذبح ابنه ولكنه لا يدرك لماذا أمره الله بذلك، لذا هو قد يسأل أباه: هل سيطلب الله منك أن تذبحني؟ وهذا ما حدث بالفعل مع كثير من الأطفال في رياض الأطفال – خاصة الأذكياء منهم..
ربما يؤدي قص هذه القصة بتفاصيلها على الطفل الصغير إلى سوء ظنه بالله على المدى، ولا شك أنها لن تجذبه إلى طريق الله تعالى، لأن الهدف من القصة فوق إدراكه، لذا يجب تأجيل التفاصيل بعد عمر 9 سنوات.
ماذا نقول للطفل عندما يسأل عن خروف العيد؟
ممكن أن نوضح له أن الله أهدى سيدنا ابراهيم خروفاً لأنه أطاع الله من دون ذكر أن الله أمر سيدنا ابراهيم بذبح ابنه.. ثم نضيف هذه التفاصيل عندما يكبر الطفل أكثر وينضج ادراكه..
ونوضح لأبنائنا الصغار أيضاً أن نبي الله وحبيبه ابراهيم كان يحب الله كثيراً و يطيعه دائماً.. لذلك أهدى الله له الخروف لأنه يطيعه.. عندما نرى الخروف يجب أن نتذكر كيف أن سيدنا ابراهيم أحب لله وأطاعه.. ونكون مثله.. نحب الله ونطيعه.. حتى نربطه في أولويات البناء العقدي..
قد يتساءل البعض: ولكن القصة وردت في القرآن الكريم؟ لماذا نحجبها عن الطفل؟
ليس كل ما ورد في القرآن الكريم يجب أن يوضح بالتفصيل للطفل الصغير، فنحن لا نشرح مفهوم الزنى مثلاً للطفل؛ بالرغم من أنه ورد في القرآن، نوضح للطفل ما يدركه عقله.
كيف نشرح للطفل عن الحج؟
نقول لأطفالنا أن الله أمر سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل ببناء الكعبة، نعم، ونقول لهم لماذا أمرهم الله، وذلك حتى يذهب الناس إليها ويتجمعوا هناك ليعبدوه ويطيعوه بهذا المنظر الجميل الذي نشاهده، فتتعالي الأصوات من ذلك المكان تملأ السماء ب "لا إله إلا الله"، يستطيع الطفل أن يدرك ذلك، ويستطيع أن يدرك أن الله أمر سيدنا إبراهيم أن ينادي الناس للحج، ليتجمعوا ويعبدوه وحده مرددين "لا إله إلا الله"..
هل نقول للطفل أن الشيطان عدو لنا لذلك يرميه الحجاج بالجمرات (الحصى)؟
بعد السبع سنوات يناسب الطفل أن يتعرف إلى الشيطان كمخلوق من نار، ونسرد عليه قصته مع أمر الله له بالسجود مع الملائكة لأبينا آدم، إلى آخر القصة.. أما قبل ذلك فيحتاج الطفل أن يعرف ربه ويتعلق به قبل أن يعرف معلومات كثيرة عن الشيطان حتى لا يظن أنه نداً لله تعالى وحتى لا يخاف منه.
نقول لأبنائنا - فوق 7 سنوات – أن مع قصة سجود الملائكة لسيدنا آدم بدأت عداوة الشيطان لنا نحن البشر وأنه وعد أنه سيضلنا ويصدنا عن الصراط، وفي يوم الحج الأكبر نتذكر هذه العداوة ونعاهد الله أننا لن نستجيب له من خلال رمي الجمرات.
كثير من الأمهات يعتقدن أنه يجب أن نملأ أذهان أطفالنا بالمعلومات الكثيرة ليصبحوا أفضل وأذكى، ونذكّر أن هذه المعلومة غير صحيحة، فنحن مأمورون بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، حيث يحتاج الطفل إلى التعلق بالله وتوحيده أكثر من أي شيء في الخطوات الأولى من البناء العقدي، ثم يحتاج أن يتعلق برسوله وبالقرآن الكريم، ثم نتوسع بحسب الإدراك خلال سني عمره ونموه، فالأيام قادمة بإذن الله وإدراكه سيكبر، ومن الحكمة أن نغتنم الوقت المناسب ولا نستعجل.
تذكروا أن ترددوا مع أطفالكم خلال هذه الأيام المباركة تكبيرات الحج:
"الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.."
بشكل جماعي وصوت جميل يشعرهم بالراحة ويحبب إليهم ذكر الله.
وتقبل الله طاعاتكم وكل عام وأنتم بخير ..
مفهوم الثقة بالنفس مفهوم حرج تدور حوله مغالطاتٌ كثيرة وحقائق وأوهام. هو مفهوم مهم لأنه الأكثر مساساً والتصاقاً بأنفسنا، وقد يحتمل هذا المفهوم تفسيراتٍ كثيرةً ويُشتق له تصرفات عدة قد لا تؤدي إليه، فلنَدُر قليلاً في فَلَكِ هذا المفهوم لعلنا نفهم أنفسنا بشكل أفضل ونوجه تصرفاتنا بشكل أقوم. مفهوم الثقة بالنفس هو مصطلح علميّ يدلّ على "قوة الباطن"، ولا يُترجم حرفياً فيظن السامع أنّ من يَثقُ بنفسه لن يَثقَ بربه، وهذا غير صحيح، هو مصطلح علميّ يعبّر عن:
سمات الإنسان الواثق بنفسه
مفاهيم مهمة وأساسية ترتبط بالثقة بالنفس
انتبه!! فهذه التصرفات لا تعني الثقة بالنفس
متى نبني ثقتنا بأنفسنا؟
أهم مرحلة لبناء الثقة بالنفس هي مرحلة الطفولة، لكن أغلبنا يبني ثقته بنفسه بعد مرحلة المراهقة بل بعد مرحلة الجامعة أيضاً، بسبب الأخطاء التربوية التي تحدث في كلٍّ من الأسرة والمدرسة.
ما هي الأخطاء التربوية الشائعة التي تؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس؟
كيف نبني ثقتنا بأنفسنا؟
سأناقش في هذا المقال أسلوب غير تربوي يتبعه كثير من الآباء والأمهات ظناً منهم أنه سيؤدي إلى تربية مميزة لأبنائهم بينما هو حقيقة يدمر صحتهم النفسية وتقديرهم لأنفسهم وهو أسلوب:
"السعي لتحسين السلوك من خلال المديح والنقد السلبي اللاذع للخطأ"
إن تعريض الابن أو الابنة للنقد السلبي اللاذع عند قيامه بخطأ سواء بالكلمة المباشرة أو بالنظرة الكاسرة، ومدحه بمبالغة عند قيامه بالسلوك المرغوب ظناً منا أن هذا الأسلوب سيجعله كما نريد، هو من الأسباب التي تجعل أبناءنا يفقدون توازنهم وصحتهم النفسية بحسب ما تشير الدراسات، بل قد يؤدي إلى اضطراب الشخصية والذي لا يظهر إلا بعد سن 18 عاماً، وللأسف أسلوب النقد والمديح منتشر في كثير من الأسر، وهو أسلوب خاطئ جداً، يجعل الإنسان أسيراً لنظرة الناس ورضاهم، شديد الحساسية لتميز الآخرين، سريع الإحباط عند وقوعه في الخطأ.
بهذه الطريقة نبني داخله ضميراً حياً قادراً على التقييم الذاتي، ونفصله عن الاعتماد المرضي على تقييم الآخرين، ونجعل ثقته بنفسه تنبع من الداخل، لا من التصفيق أو الإهانة.
الصحة النفسية لا تُبنى بالكلمات، بل بالأسلوب اليومي الذي نعامل به أبناءنا.
كل مقامات الإيمان تقوم على حسن الظن بالله.. والتوازن النفسي يستند إلى حسن الظن بالله أيضاً.. فالبلاء سنة من سنن الحياة.. وتقوية ثقتنا بالله وحسن ظننا به لا شك أنه سيجعلنا نرى البلاء بصورة إيجابية فنشعر بالسكينة والسلام أمام عواصف الحياة..
واليوم ونحن نمر بذكرى عطرة هي ذكرى الهجرة النبوية المليئة بالمواقف التي تزيد معرفتنا بالله ويقيننا بوجوده، فكيف نستغلها وننمو إلى الأفضل؟
تعالوا نتفكر في يوم الهجرة..
انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته من مكة إلى المدينة لينشر دعوة الإسلام في المدينة بعد التضييق الشديد الذي عاناه من أهل مكة ومقاومتهم للدعوة بكل قوتهم، فخطط لهذه الرحلة بشكل جيد، وكان ملازماً للدعاء الوارد في قوله تعالى: (وَقُل رَبِّ أَدخِلني مُدخَلَ صِدقٍ وَأَخرِجني مُخرَجَ صِدقٍ وَاجعَل لي مِن لَدُنكَ سُلطانًا نَصيرًا)، تعالوا نتفكر في هذه القصة الرائعة..
يوم الهجرة كلف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيدنا علي ابن أبي طالب أن يبقى في مكة ليرد الأمانات إلى أهلها وطلب منه أن ينام في فراشه .. وجاء كفار قريش ليقتلوه..
الطبيعي أن يقتلوه في فراشه ظناً منهم أنه النبي، ولكن الله الحفيظ حفظه ورعاه ولم يقتلوه.. الله ألهمهم أن يكشفوا الغطاء قبل قتله حتى يعرفوا أنه ليس النبي.
لأنه لا يخشى إلا الله ولا يهمه إلا رضاه.. الله الحفيظ تولاه ورعاه بحفظه ورعايته..
انطلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعه صديقه وحبيبه سيدنا أبو بكر من مكة إلى المدينة عبر الصحراء،
وصلوا إلى باب غار ثور الذي يأوي النبيّ وأبا بكرٍ، وكان الكفار على مقربةٍ كبيرة منهما، فخاف أبو بكرٍ، وطمأنه النبيّ وقال له: (ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟).
الحفيظ سيحفظني.. القريب يراني ويسمعني.. الناصر سينصرني.. الولي لن يتركني.. وفعلاً حفظه الله القريب الناصر الولي ولم يروه ولم يدخلوا الغار بحفظ الله ورعايته...
الموقف الثالث: موقف سراقة ابن مالك
موقف في قمة الروعة يجعلك مذهولاً أمام قوة الله وحفظه لمن يحبه ويريد رضاه..
عندما علما قريش بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، أعلنت في نواديها عن مكافأةٍ ممثّلةٍ بمئةٍ من الإبل لمن يأتي بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حيّاً أو ميّتاً، فسمع بذلك سراقة بن مالك، وخرج يتتبّع أثر النّبي؛ طمعاً في المكافأة، فلمّا اقترب من النّبيّ وأبي بكر، وكاد أن يصل إليهما، غاصت قدما فرسه في الرمل، ولم يستطع التقدّم بها، فأخبر سراقةُ النبيَّ بمؤامرة قريش، وسأل النبيُّ سراقةَ أن يخفي عن قريش أمره وأمر أبي بكر، ووعده مقابل ذلك بسواري كسرى، فرجع سُراقةُ وأخفى خبر النبيّ عن قريش، وهذا من عناية الله بنبيّه؛ إذ أبدل حال سراقة الذي جاء ليمسك بالنبيّ ويسلّمه لقريش، فتركه وأخفى أمره ولم يمسّه بأذى.
كلما اقترب منه سراقة جعل الله فرس سراقة تغرس في الرمال..
عندما يكون حرصنا على رضاه هو أهم شيء في حياتنا.. عندما يكون حرصنا علىمرضاه أهم من رضى أي شخص أو أي ناس..
عن أبي العباس عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: (يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعـوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف)؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
"اثبت نفسك".. أو "اثبتي نفسك" مقولة تنتشر في مجتمعاتنا.. والهدف منها تشجيع الإنسان ليعمل جهده فيثبت أنه شخص قدير ومميز.. نريد أن نحوم قليلاً حولها لنرى هل تزودنا هذه المقولة بالقوة أم بالضعف؟ فنعرف هل يجب أن نستفيد منها أم نرفضها..
يتألق الإنسان ويبدع كلما كانت دافعيته للعمل من الداخل، عندها يستطيع أن يتجاوز العقبات والإحباطات التي لا بد أن يمر بها كل إنسان في عمله وفي حياته..
الدافعية الداخلية هي الرغبة الداخلية للإنسان أن يقوم بالعمل لأنه مقتنع به ويحبه، ويريد أن يتحسّن به ويؤديه على أكمل وجه ليكون بالمستوى الذي يحقق له الرضا الذاتي، تلك الدافعية الداخلية للإنسان العادي، أما المؤمن فيزداد على ذلك بأنه يبتغي بعمله مرضاة ربه، ويريد أن يجد هذا العمل في ميزان حسناته يوم الحساب.
الدافعية الخارجية هي الرغبة بالقيام بالعمل بدوافع من الخارج، بحيث تنمو هذه الرغبة وتزداد عند المكافآت المادية أو استحسان الناس، وتتراجع عند تغير هذا الاستحسان أو المكافآت، والدافعية الخارجية مؤقتة بحسب تكرار الحافز الخارجي، بحيث تضمحل عند إيقافه أو تتراجع.
يعتقد الإنسان عندما يتبنى هذه الفكرة بأن نيل الاستحسان والتقدير والثقة والمكانة مرتبط بما أقوم به الآن وبما أقوله عن نفسي، وهو اعتقاد خاطئ، لأن الإنسان قد ينال بعض الاستحسان أو التقدير عندما يقوم بعمل جيد الآن، ولكن هذا لا يجعله يثبت نفسه أنه جدير بالثقة والمكانة، فحتى يستحق الإنسان الثقة يجب أن يمضي عليه وقتاً يُظهر فيه صبره على العمل، ومرونته وإيجابيته في المواقف الصعبة، وقدرته على تخطي الإحباطات، وتقبله للنقد البنّاء، وحرصه على إتقان العمل بغض النظر عن المحفزات الخارجية، لأنه إنسان مخلص بعمله، وهذه لا يحدث في يوم وليلة، بل يحتاج وقتاً تظهر فيه هذه المهارات النفسية التي تؤدي إلى العمل المبدع والمتقن، والذي يؤدي إلى استحقاق الثقة، بالرغم من أن الذي يمتلك هذه المهارات لا يعمل كي ينال الثقة بل لأنه مخلص بعمله، ولكنه يسعد بسعادة مسؤوليه ورضاهم، لأنه يشعر بأنه أدى الأمانة.
(يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه)
"اثبت نفسك" تجعل الإنسان من ذوي العقليات الثابتة Fixed mindset - التي تحدثنا عنها في مقالات سابقة - وهي العقلية التي تؤمن أن الذكاء والمواهب والقدرات ثابتة منذ الولادة لا تتغير، ومعيار النجاح لديها هو ثناء الآخرين، دافعية هذه العقلية خارجية مرتبطة بالمكافآت المادية واستحسان الناس وثنائهم.
وأما الإخلاص في العمل فيجعلك من ذوي العقليات النامية Growth mindset وهي العقلية التي تؤمن أن الذكاء والموهبة والقدرات تنمو عند المحاولة وبذل الجهد وطلب المساعدة من الآخرين، ومعيار النجاح لديها هو التعلم والنمو، دافعية هذه العقلية داخلية مرتبطة بمتعة التعلم والنمو الذاتي والإبداع.
موضة "اثبت نفسك" تنتج أفراداً إخلاصهم ضعيف، صبرهم قليل، تكوينهم هش، يبحثون دوماً عن كيفية تبرير أخطائهم بإلقاء اللوم على الظروف وعلى الآخرين، بينما يتقدم غيرهم عنهم ويقطعون مسافات، وهم لا زالوا محدودين وسيبقون محدودين ولن يستطيعوا أن يثبتوا أنفسهم حقيقة ما داموا بهذه العقلية.
انتشر مفهوم الذكاء الروحي عالمياً في الآونة الأخيرة، ويعد هذا المفهوم مفهوماً حساساً بسبب ارتباطه بالعقيدة وغايات الوجود، لذا تحتاج كل أمة أن تطور مفهومها الخاص المرتبط بفلسفتها وقيمها الروحية، مع الاشتراك مع كثير من القيم العالمية التي ترتبط بسمو الإنسان وارتقاء روحه وأخلاقه.
يذكر ستيفن كوفي في كتابه العادة الثامنة بأن الذكاء الروحي هو مركز وأساس الذكاءات الأخرى لأنه يصبح مصدرَ التوجيه للذكاءات الأخرى، ويعرف كوفي الذكاء الروحي بالبحث عن المعنى والارتباط بالخالد " أي الارتباط بشيء أكبر وأعظم من أنفسنا وأعمارنا".
يعرف إيمونز الذكاء الروحي وفق خمسة أبعاد:
الذكاء الروحي يتكون من عدة قدرات، هذه القدرات هي فطرية ومكتسبة في آن واحد، فالذكاء الروحي هو ذكاء الفطرة، ويولد الإنسان على الفطرة، ولكن أبواه يساعدانه في السمو الروحي والأخلاقي، أو يهبطا به، ومن ثم يكمل الإنسان طريقه في الحياة، متخذاً قرارات إما يسمو بها أو يدنو.
نعم، يختلف الناس في ذلك، فهناك من أبناء البيت الواحد من تظهر عليه مؤشرات مرتفعة منذ صغره في هذا الذكاء، وقد لا تظهر بنفس الكيفية على أخيه.
يرتبط الذكاء الروحي بغايات الوجود الإنساني، تختلف تلك الغايات باختلاف العقائد والملل، وبالتالي يتأثر تعريف الذكاء الروحي بحسب الغايات التي يؤمن بها الفرد.
كلما صحت العقيدة منحت أتباعها فرصة حقيقة للسمو الروحي الكامل، وبالتالي فإن الإيمان بعقيدة سليمة واتباعها بصدق، يؤدي إلى التنمية الأعلى لقدرات الذكاء الروحي
العقيدة السليمة هي عقيدة الفطرة، هي العقيدة التي تؤمن بإله واحد خالق مدبر لهذا الكون، لا شريك له، إليه يرجع الأمر كله.
وصلتنا كثير من الكلمات الحزينة لمفارقة المساجد والبيت الحرام.. والإحساس بالذنب أمام العقوبة الربانية التي تحل بالبشر.. ناهيك عن تخوفاتنا من انهيار الاقتصاد العالمي والشعور بالقلق أمام المستقبل المجهول.. وغيره.. وغيره.. مما يحرك فينا مشاعر الحزن والخوف والقلق.. في دائرة كورونا التي تدور فيها مشاعرنا السلبية إلى أن يشاء الله.. فهل غاب حسن الظن بالله عن ساحة كورونا؟.. وهل غابت الإيجابية؟
ما الحكمة مما يحدث؟ وما هي الفرصة التي يمكن أن تمنحها لنفسك وولدك من خلال كورونا لتبني إيمانه وترفع ثقته بالله؟
كيف تستغل كورونا في تعليم نفسك وولدك الإيجابية وحسن الظن بالله؟
1- لترسخ حسن الظن بالله كرر العبارة الإيجابية التالية:
هناك الكثير من الخير في بلاء كورونا.. قد لا نفهمه كله ولكن الله الحكيم يقدّر كل شيء لحكمة وخير..
2- اسأل نفسك وولدك عن الحكمة:
ما الحكمة والخير للناس مما يحدث؟
ما هي الحكمة التي يمكن أن تستفيد منها أنت شخصياً من خلال تغيير نمط حياتك للأفضل مع أوضاع كورونا؟
هل تحسنت البيئة في غياب تخريب الإنسان؟ ما الحكمة والخير للبيئة والحيوانات والطيور؟
دعه يفكر ويجيب وتناقش معه.. اسأل في كل يوم سؤالاً جديداً.
3- كن قدوة في الايمان والايجابية:
لا تكثر من إبراز جانب الترهيب من دون توازن مع الترغيب، بل غلّب الترغيب
كن قدوة في الحرص على ذكر الله والدعاء واغتنام الوقت بالخير
4- الوضع خطير جداً للإدمان:
لا تسمح في بيتك بالإدمان على التلفاز أو الهاتف أو ألعاب الفيديو أثناء الحجر، فالوضع خطير يهيئ لإدمان كبير على الشاشات، مما يؤدي بعدها للاكتئاب والسلبية، فكن صارماً في منع ذلك، وحدد وقتاً لنفسك ولأهل بيتك لا يتخطاه أحد، أطلعهم بعلمية على شدة الضرر وناقشهم في ذلك.
5- استخدم التخيل الإيجابي:
لا أحد يعلم كم يمكن أن تطول هذه العزلة.. قد تتعدّى سنة وربما سنتين - كما تشير دراسة في جامعة "امبريكال لندن"..
لن تخرج منها كما دخلت.. فيجب أن تضع خطة.. كيف تتمنى أن تخرج بعد هذه العزلة؟.. تخيل نفسك.. ضع خطتك العملية ولإيجابية واكتبها ثم تابعها..
6- كورونا فرصة ذهبية للنمو:
استخدم الكلمات الإيجابية والبنّاءة مع نفسك ومع أحبابك:
الله الرحيم الودود يمنحنا فرصاً للتغيير للأفضل، كما في رمضان، هذه فرصة لنا:
فرصة لنصفو.. نتأمل.. نتنفس.. نشعر بالهدوء.. وننمو ذاتياً..
فرصة لنتحرر من تعلقاتنا بالبشر.. نتحرر من لفت نظر الناس..
فرصة منحنا الله لنا برحمته.. بطأ فيها جريان عجلة الحياة الذي نجري خلفه من دون وعي.. فرصة للخلوة مع النفس وخمول السمعة.. لمراجعة الأخطاء.. وتعديل الأولويات.. ومعرفة حقيقة ما نريد..
فرصة للأنس بالله وبذكره.. للأنس بالعلم.. والشعور بقيمته..
فرصة للأنس بأفراد أسرتنا وتسجيل ذكريات سعادة تقوي أواصرنا معهم.. فهم أغلى ما نملك..
فرصة للتراحم والدعاء للناس بالحفظ والخير.. لنوحد شعورنا مع إنسانية العالم ونتخلص من أنانيتنا الشخصية والعرقية.. ونتعلم مبدأ "الكل يكسب"..
فرصة نادرة ومثيرة للتعرف إلى أنفسنا.. التي لم نمنحها فرصة كافية أمام زخم الحياة وتسارعها الجنوني.. فرصة لنحلل تفاصيل حياتنا.. نستبدل ونحل.. ونبتكر توازن متناغم مع سعادة الدنيا والآخرة..
كورونا فرصة ذهبية فاغتنمها لتنمو وتزدهر..
شيء ما بداخلنا.. يدفعنا لنسعى ونتحرك.. قوى عظيمة تحركنا لنجري ونعمل.. في صباحنا.. وفي مسائنا.. كأننا نبحث عن شيء نريده.. هنالك شيء عميق بداخلنا نحتاجه..
نعم .. نحن نتحرك في يومنا لدوافع كثيرة.. فربما أننا نتحرك سعياً للنجاح .. وربما نريد أن نشعر بالقوة.. وقد نتوق للتميز.. ونرغب بأن نتحلى في عيون من حولنا بالجمال والكمال..
لكن هلا تساءلنا عن حقيقة دوافعنا؟.. وما وراء تحركاتنا؟.. هل نرغب بهذه الأمور لذاتها؟.. أم لأنها وسيلة تلبي حاجات أخرى كامنة في أعماقنا؟.. في داخلنا؟.. في عمق العمق؟!..
تساءلت وتساءلت.. ثم فتشت ومحصت.. فشعرت بأننا نريد شيئاً آخر.. شيئا ما.. وراء هذا النجاح والتميز والجمال.. شيئاً ما.. يجلبه لنا.. نجاحنا وجمالنا وتفوقنا..
قد رأيت.. أننا كثيراً ما نسعى.. ونحن نريد أن نشعر بالقبول.. ونتحرك.. ونحن نتعطش للتقدير.. ونتفوق.. ونحن نرغب بالحب.. نريد أن نشعر بالحب... ونريد أن نتبادل الحب.. فإن أرواحنا – حقيقة - لا تسكن إلا بالحب.. فهي ظمأى للحب.. ولا يرويها إلا الحب..
آه ..إني أشعر بقلب كل واحد منا يفتقر إلى الحب وينادي عليه :"أين أنت أيها الحب؟.. أين أجدك؟.. أحتاجك.. ولا أرى سعادة بدونك!.... أرح نفسي أيها الحب.. وأخبرني أين أجدك؟.. فقد تعبت من الجري والبحث.. والسعي من أجلك."
كم أرى في عيون البشر ظمأ قلوبهم لك أيها الحب.. وكم أشعر بحاجتهم للسكون والسعادة..
إني أسمع الآن.. مناجاة رقيقة.. ومناداة حنونة.. همس بها قلب إنسان قائلاً للحب: "بحثت عنك أيها الحب عند شتى البشر.. وكلما ظننت أني وصلت إليك.. أو أنني تحسستك.. أجدك اختفيت.. ولا أجد إلا الوهم.. أخبرني أيها الحب.. فقد تعبت.. وكدت أصاب باليأس أن أجدك يوما ما.. "
سمع الحب نداء القلب فأجاب: " تريدني.. أيها القلب لتنبض؟.. تتعطش روحك إليّ لتحيا؟..نعم.. فأنا حقيقة السعادة.. وأنا غاية الوجود.. من وجدني.. فقد وصل.. ومن فقدني.. ضاقت روحه وضاع عمره ومسعاه.. "
تساءل الحب وأكمل: " تبحث عني عند البشر؟.. ربما تجدني يوماً.. لكنك لن تجد حقيقتي.. إنما يكون شعاعاً ضعيفاً مني.. يشرق تارة.. وينطفئ أخرى.. فإن البشر.. إنما يحبونك لأجلهم.. لا لأجلك.. فربما آلموك لتحسن إليهم.. وربما منعوك وحرموك.. وربما أساؤوا فهمك فأحزنوك.. فعندها ينطفئ شعاعي"..
"حسناً.. أخبرني أيها الحب.. أين أجدك؟.. أخبرني وأرحني.." سأل القلب بحرارة
أجاب الحب: " تريد أن تتمتع بي عند " كائن بشري"؟.. نعم.. إن كان حلالاً ستجد ذلك .. وإلا أُضرم قلبك نارا بعد الحب.. ستجدني يا قلب في حب حلال.. ومع ذلك.. سأشرق على قلبك تارة.. وأنطفئ أخرى.. فإن البشر يخطئون.. يعتريهم الضعف.. فهم لا يستطيعون أن يجلبوا لأنفسهم النفع.. ويدفعوا عنهم الضر.. فكيف يجلبوا لك ويدفعوا عنك؟.. ربما لن تجدهم لك يوماً.. وربما لن تجدهم معك دوماً.. فإنهم بشر.. الضعف مجبول فيهم"..
"إذن.. أين أجدك أيها الحب؟.. لقد أتعبتني وراءك.. " تنهد القلب
أجاب الحب: "أيها القلب ستجدني.. نعم ستجدني.. وستجد حقيقتي لا أطيافي .. ستجدني عندما تتذوق الجمال.. وسأتحرك في أعماقك.. عندما تشهد الكمال.. وسأشرق بين أضلعك.. عندما ترى الإحسان.. لكن تذكر.. بـأني لا أبقى ولا أقر في جوفك إلا إذا.. ذقت جمالاً سرمدياً لا ينفد.. وكمالاً لا يعتريه الضعف والنقص.. وشهدت إحساناً دائماً لا ينقطع"..
قال القلب: " أيها الحب أريدك.. أريدك أن تأتي وتتحرك وتشرق في أعماقي.. فأنت حياتي ومناي ومهجتي.. دلني على الطريق إلى قرارك.. دلني لأجدك فأسعد.."
أيا قلب.. تفكر
قال الحب: "أيها القلب هلا تأملت في نفسك؟.. هلا تفكرت في أحوالك؟.. فلو أبصرت نفسك لعرفت ربك.. وتدفق الحب.. يغمر كيانك.. فإن الحب أقرب إليك من نبضاتك!.."
تعلقت بقدرتك ورعايتك
" أيا قلب...تيقظ...أيا قلب.. تعلق.. بمن أوجدك ويرعاك.. في نهارك وفي مساك.. وبالقوة يمدك.. وبالفهم ينير دربك.. فأنت بإمداده تحيا وتستمر .. وبدونه تطوى وتندثر.. فحياتك به.. ومآلك إليه.. ياه !.. كم أحبك يا من حياتي به.. وأمري كله بين يديه..
ما ألذ إحسانك
أيا قلب.. تنبه.. أيا قلب.. تأمل.. مع كل شربة ماء تروي الضلوع.. وفي كل لقمة لذيذة تسد الجوع.. ومع كل شفاء بعد السقم.. ومع كل رحمة بعد الألم.. أبصر عطاء الله يغمرك.. وبالحب يشحنك.. ياه كم أحبك يا من تطعمني وتسقيني.. وترعاني وتشفيني.. نعم.. أحبك وأحبك.. فأنا أهنأ ليل نهار.. بعطائك وإحسانك..
ربي.. إني أرقد ثم أصحو .. فأجد رحمتك سبقت إدراكي.. عادت روحي تتنشر يقظى في أعضائي.. واستعدت وعيي.. وشحذت مشاعري بأمل جديد.. أتنسم فيه الخير المديد.. فأقوم وأسعى برحمتك.. وأتحرك في سائر يومي برعايتك.. إنساناً أكرم أيما إكرام.. روحه نفخة من روح الله...فيا الله ما أحن رعايتك.. وكم يتجدد - في كل يوم- كرمك وعطاؤك..
أحب شدة حنانك
أحياناً.. أشعر بالهم يلف كياني.. والإحباط يزلزل أركاني.. فترسل لي ربي.. بشرى تزيل همي.. أو يداً حانية تمسح أحزاني.. أو حتى نعاساً.. أفيق بعده لأرى همومي قد تضاءلت وتصاغرت.. وحلت مكانها بسمة أمل.. تشرق على قلبي.. ما أرق ودك.. وما أعظم عنايتك.. أحبك وأحب مواساتك.. وشدة حنانك..
أخطئ.. فتحلم علي.. وتعفو عن كثير.. أتمادى فتعيدني إليك.. بابتلاء يطهرني من ظلمي وزللي.. ويرفع مقامي ومنزلتي.. تشتد الدنيا علي.. فألجأ إليك وأدعوك.. فتتولى أمري.. وتقضي تدابيرك بما فيه الخير لي... والحكمة والرحمة منسوجتان بين أقدارك.. فسبحانك.. ما أعدل حكمك.. وما أشد عونك.. وما أعذب حنانك في بلائك..
أشرق بحبك.. عندما أرى الرحمة والحب في قلوب الناس من حولي.. فأنا.. إنما امتلأت بالمعايب.. فأظهرت للناس مني المزايا والمواهب.. ما ألطف سترك.. وما أجود كرمك.. أحبك لروعة حنانك..
تعلقت بجمالك الخالد
يتوق قلبي إلى تذوق الجمال.. وإشباع حواسي ووجداني بعذوبته.. فيتعلق قلبي ب
العفوية هي عدم التصنع والتكلف اعتقاداً أن ذلك سيؤدي إلى استحسان الناس..
العفوية تعني أن أتصرف على طبيعتي وأنا متقبل لنفسي ومتقبل للناس عموماً..
العفوية تنتج عن تقدير قيمة تفردنا وأننا لا نحتاج أن نجعل من أنفسنا نسخة من غيرنا لنشعر بالانتماء..
العفوية إيجابية وانطلاق وتحرر من مخاوف الرفض أو النقد وتحرر من التمركز حول نظر الناس..
العفوية أن يتشابه ظاهري مع باطني..
العفوية تعني قلب منفتح للمحبة.. مقبل على الحياة.. وصدر منشرح برضا..
العفوية أن أمتلك قلب طفل وعقل راشد..
العفوية راحة للقلب.. نحن نسعد مع الناس الذين نشعر أننا على طبيعتنا وعفويتنا معهم.. والعكس صحيح..
العفوية تعني التصالح مع الذات والتصرف بدون قيود التوتر بل بقيود الحكمة ومرضاة الله..
العفوية لا تعني أن أفقد الحكمة في التحدث أو التصرف.. ولا أفقد اللباقة أو الاحترام..
عندما أتحدث بعفوية أبقى مراقباً للحكمة من حديثي:
هل حديثي فيه فائدة؟ هل هو مريح لغيري؟ هل أبتغي به مرضاة الله؟
الناس يرتاحون إلى العفوية ويشعرون بها وينفرون من التصنع ويشعرون به.. حتى لو لم يتكلموا..
العفوية عنصر جاذب في المرأة.. على عكس ما تعتقد بعض النساء.. فتتكلف وتتعب دون جدوى..
العفوية سر من أسرار التأثير وسر من أسرار نجاح العلاقة الزوجية..
العفوية تجذب الطفل للمرأة.. وتساعد في تربية شخصية الطفل الواثق من نفسه..
كلما تراجع تقدير الذات تصنّع الإنسان وتكلّف وربما تزيّف.. وكلما زاد تقديره لذاته أصبح عفوياً على طبيعته.. لأنه يحب نفسه.. ولا ينتظر أن يحبها بسبب استحسان الناس لها.. أو بسبب رأي الناس به..
البيئة السلبية تقتل العفوية.. والعفوية تربو في بيئة إيجابية فيها التقدير وحسن الظن..
حتى نبني ثقتنا بأنفسنا علينا أن نتحرر من عقلية المقارنة اللاواعية، ونتحرر من انتظار استحسان الناس، لأن الثقة بالنفس لا تبنى من الخارج، بل من الداخل، من خلال معرفة الذات، وتقبل الذات بدون شروط، بنقاط ضعفها ونقاط قوتها مع السعي للتحسين، برغبة ذاتية، دون انتظار مكافأة معنوية أو مادية من الخارج.
تعرضنا في المقال الأول للأسباب التي تولد ضعف الثقة بالنفس [اضغط هنا لقراءة المقال السابق]، وفي هذا المقال سنتطرق لخطوات العلاج:
فتحرر من مقارنة نفسك بالناس، وركز على قيمتك الحقيقية لتكبر وتنمو.
أولا: قيمتك عالية بما أكرمك الله واصطفاك به بغض النظر عن الرسائل السلبية التي سمعتها أو تسمعها، فأنت أروع مخلوق خلقه الله، وأجمل وأفضل مخلوق، أسجد الملائكة إكراماً لأبيك آدم، وإكراماً لك فأنت منه، خلقك بهذا الإكرام لتقوم بالغاية من خلقك وهي الخلافة في الأرض، قيمتك عالية باصطفائك، ولتحافظ على هذا الإكرام والاصطفاء، عليك أن تسير للغاية التي خلقت من أجلها، وهي العبادة وعمارة الأرض بالخير، وما عليك أن تقوم به هو ضمن استطاعتك وضمن إمكاناتك، لترضي الله، وتشكره على إكرامه، وليس مطلوباً منك أن تقوم بعمل خارق أو فوق طاقتك.
فتحرر من مقارنة نفسك بالناس، وركز على قيمتك الحقيقية لتكبر وتنمو.
ثانياً: إن عقلية المقارنة السلبية هي عبارة عن تشابكات في الدماغ تكررت حتى أصبحت طريقة تفكير، وبالتالي سيرتكز العلاج إلى تكوين عقلية تفكير جديدة تلغي العقلية القديمة من خلال تمارين معينة، وهذا سيحتاج إلى وقت، ولكنه هو الحل، ستشعر بالراحة والقوة والثقة بالنفس كلما تعمقت تشابكات الطريقة الجديدة في دماغك، فاصبر واستمر.
ثالثاً: ينبغي أن تتقبل أنك شعرت بمشاعر سلبية اتجاه نفسك أو اتجاه غيرك عندما تشعر بذلك، وتسمح لهذه المشاعر أن تطفو على السطح بوضوح أمام عينيك، فتستغفر وتسامح نفسك على ذلك لتتجاوز جلد الذات، إلى إيجاد الحلول، مما يجعل مهارة الوعي الذاتي تتطور لديك، فتنتبه متى شعرت بالضعف، وكيف قمت بالمقارنة السلبية لنفسك مع الآخرين، لتستطيع أن تحل المشكلة.
رابعاً: إذا شعرت أن المقارنة في بيئتك مستمرة، تُضعف محاولتك في التغيير الإيجابي، تحدث مع الأشخاص الذين يستخدمون هذا الأسلوب معك برحمة، وكلمهم عن ضرره عليك، واطلب منهم أن يوقفوه، وعندما ينسوا ويستخدموا الأسلوب مجدداً، قم بعمل إشارة بيدك لتذكيرهم بالتوقف عن ذلك بابتسامة وأسلوب لطيف، وانسحب من الموقف، وذكر نفسك دوماً بأن تصرفهم خاطئ ولا يعبر عن قيمتي الحقيقية لنفسي.
حاول أن تتجنب الأشخاص التنافسيين أو السلبيين لأنهم يخرجوك من دائرة التركيز الإيجابي على نفسك.
خامساً: حرر نفسك من وهم تحقيق القيمة بأعين الناس، فرضى الناس غاية لا تدرك، ولا يوجد إنسان فائق أو كامل، فقد خلق الإنسان ضعيفاً، وكل إنسان مليء بالعيوب، يغطي ضعفه ويتحرك بعطاء الله وعونه وستره، يتقلب بالنعم والبلاء.
إن عقلية المقارنة السلبية تعارض حكمة الله سبحانه وعدله في عطائه، فالله جعلنا مختلفين لحكمة، في القدرات والذكاء، والمال، والأعمال، والجمال، والعائلة، والاهتمامات وغيرها، لنتكامل ونشكر ونصبر ونرضى، حتى يرضى الله عنا، والله العدل أعطى جميع الناس بعدل، ولكن بنسب متفاوتة ليبلونا، فالحكمة أن نركز على ما أعطانا الله من قدرات أو إمكانات، لنستفيد منها ونتقدم إلى الأمام، دون أن نضيع طاقتنا النفسية في ملاحظة رزق الله للآخرين بتألم أو سخط، فالله هو العدل، وهو ليس ظالماً كما يوسوس لنا الشيطان أحياناً دون أن نشعر، لنسير في طريق السخط.
لذا.. لتنمو نمواً إيجابياً عليك أن تضع قاعدة للتفكير الإيجابي في عقلك وهي:
" ركز على إمكاناتك واشكر ولا تقارن".
سادساً: عندما تمسك تفكيرك وهو يقوم بمقارنة سلبية، غيّر التفكير فوراً وادع للشخص الذي تقارن نفسك به بالخير والبركة من أعماق نفسك، وأن ينفع الله به هذه الأمة، وهذا مهم جداً في إعادة الارتباط الإيجابي بالدماغ، وتوقيف برنامج المقارنة الذي يشتغل بطريقة لا واعية، ولا تنس أن الملائكة ستدعو لك بالمثل، وكلما دعوت للناس بالخير تحررت من برنامج المقارنة، فالدعاء علاج مهم للغاية، ضعه على قائمة أولوياتك.
سابعاً: عندما تمسك تفكيرك بمقارنة مع أحد الأشخاص، اسأل نفسك: هل هناك شيء إيجابي يمكن أن أتعلمه؟ هل هناك عمل أطمح أن أتقدم به؟ اسأل نفسك وأنت تشعر بمشاعر إيجابية اتجاه نفسك واتجاه الشخص الذي تود أن تتعلم منه، فالمشاعر السلبية تقمع عملية التعلم وتؤدي إلى حجب الحكمة عن الدماغ.
تذكر أن كل إنسان فريد بقدراته ومشاعره وظروفه، لذا فما يلائمك قد لا يلائم غيرك، والعكس صحيح، فلا ينبغي أن تكون كل ميزة للآخرين هي مجال اهتمام حقيقي لنا، علينا أن نحرر اهتماماتنا من عملية التمني المؤلم أو التقليد غير الواعي.
ثامناً: إن علاج عقلية المقارنة يكمن في التركيز الإيجابي على نفسك وعلى ما تريد، لذا عليك ان تبدأ بالتعرف الحقيقي إلى نفسك، والذي فاتك الكثير منه في الغالب، بسبب ضعف الحرية النفسية في مجتمعاتنا، وكثرة السيطرة والتقبل المشروط بشكل عام، ونحن لا نستطيع أن نلومهم الآن، لأنهم كانوا يعتقدون أن هذا أفضل ما يمكن أن يقدموه لنا لنرتقي، ولم يدركوا الأثار النفسية المرتبطة بهذا الأسلوب، فهذا كان أفضل ما لديهم، والآن آن الأوان للسير على خطة لحل المشكلة التي سببتها لنا تلك الأيام، والتخلص من آثارها السلبية.
كثيراً ما نرى ممارسات تعبر عن الثقة بالنفس، لكننا نكون غير متأكدين أن هذا التصرف يعبر عن الثقة أم لا، خاصة عندما يشوبه استعلاء، فهل الثقة بالنفس تعني أن أشعر أمام الناس أني الأفضل؟ أو أن أؤكد على نفسي وعلى مسامع الناس أني ممتاز؟ أم تعني أني أستطيع أن أواجه الإحباطات بثبات؟ وهل هي مقترنة بالاستعلاء أم بالتواضع؟ وما علاقة الثقة بالنفس بطريقة التفكير؟ ومن أين يأتي الإحساس بضعف الثقة بالنفس؟ وكيف يمكن أن يعالج؟
سنتناول في مقالين متتالين الإجابة العلمية عن هذه التساؤلات وعرض الخطوات العلاجية لضعف الثقة بالنفس فتابع معنا..
كثيراً ما يتصرف بعض الناس أمام الآخرين بأسلوب يشعرنا بالثقة بالنفس أو حتى بالغرور أحياناً، بينما يكون هذا الشخص مفتقراً للثقة بالنفس تماماً، ويرتدي قناعاً يغطي حقيقة ضعفه فيوحي بالثقة من خلال الاستعلاء على الآخرين بميزة يمتلكها حقيقة أو لا يمتلكها، فالاستعلاء لا يعني الثقة بل هو النقيض.
وكثيراً ما يعتقد الناس أن الثقة بالنفس تأتي من التأكيدات الإيجابية للذات بأني رائع، وإيصال هذه الرسالة للآخرين، ولكن الرسالة الإيجابية التي أبثها في نفسي أو للآخرين لا تكفي لبناء الثقة بالنفس ولا تعني بالضرورة الثقة بالنفس، لأن الثقة بالنفس تعني تقبل الإنسان لنقاط ضعفه، وأنه من الطبيعي أن يمتلك الإنسان نقاط ضعف، كما هو من الطبيعي أن ينتلك نقاط قوة، وهي معرفة الذات معرفة حقيقية وليست مجرد تأكيدات إيجابية، بل تلك التأكيدات قد تغطي جرحاً يحتاج إلى علاج أحياناً، وليس من الحكمة تغطيته بكلمات إيجابية تخديرية، مثل أن تقول الأم أنني أم رائعة لأبنائي وابنها يحتاج إلى إعادة تأهيل لبناء شخصيته وهي السبب الأول في ذلك.
فما هي الثقة بالنفس؟ وهل يجب أن ترتبط بالتواضع؟
سبق وأن عرّفنا الثقة بالنفس أنها القدرة على حل المشكلات ومواجهة التحديات، وتتعلق بمعرفة الإنسان لنفسه جيداً، ومعرفة نقاط القوة ونقاط الضعف، مع تقبل نقاط الضعف، والسعي لتقويتها، ووضع نقاط القوة في أهداف ذات أهمية بالنسبة للشخص، وهي مرتبطة بالتواضع، فالمستعلي يغطي ضعفاً باستعلائه.
ترتبط الثقة بالنفس بالمتعة الداخلية للانطلاق نحو الهدف، محرراً من نظر الناس، ويرتبط ضعف الثقة بالنفس بالرغبة من نيل الاستحسان من خلال ثناء الناس، لذا فالثقة مرتبطة بالإخلاص في العمل، وضعف الثقة قد يؤدي إلى الرياء.
هناك فارق جذري بين الثقة بالنفس وضعف الثقة هو التحرر من نظر الناس وطلب استحسانهم، والقيام بالعمل برغبة داخلية عن قناعة، متقبلاً احتمالية الفشل، ومعتبراً انها فرصة للتعلم، بغض النظر عن ثناء الناس أو ذمهم.
الواثق مرجعيته معرفة نفسه وما يريد، وما يلائمه ويلائم قدراته ولا يسعى للتقليد، وغير الواثق يريد أن يثبت نفسه للآخرين بعمله وينتظر المديح ويهتز من النقد ويتحرك بالغيرة ويسعى للتقليد، ولديه عقلية مقارنة لا واعية مع الآخرين، فعندما يمتلك شخص ميزة لا يمتلكها هو يشعر بالنقص، فتتراجع ثقته بنفسه.
من الطبيعي أن يشعر الإنسان أحياناً بضعف الثقة بالنفس، لكن إذا تكررت هذه المشاعر فإنها تؤثر علينا سلباً وتشدنا للوراء، فهي تؤثر على قراراتنا ومشاعرنا وعلاقتنا مع الآخرين، بل وعلى صحتنا النفسية والجسدية، فكيف يمكن أن نتخلص منها ونتقدم؟
حتى نتخلص من هذه المشاعر السلبية، يجب أن نعلم من أين جاءتنا هذه المشاعر، ولِم نشعر بها ولِم هناك أناس لا يشعرون بذلك؟
هل حقاً نحن نستحق أن نشعر بهذه المشاعر السلبية لأن لا قيمة لنا أم أنها دخلتنا بطريقة خاطئة ويجب أن نتخلص منها؟
هناك سببان في توليد هذه المشاعر السلبية والإحساس بضعف الثقة بالنفس..
السبب الأول لضعف الثقة بالنفس: أن ينشأ الشخص في بيئة تنافسية تدفع للعمل من خلال المقارنة أو النقد أو المدح، وتدفع للعمل من خلال المكافآت المادية أو المعنوية، وتتقبل الشخص تقبلاً مشروطاً بما يقدم أو يفعل، تجعل الإنسان يفقد إحساسه بقيمته الحقيقية، ويربط قيمته لنفسه بنظرة الناس، وتتكون لديه عقلية مقارنة لا واعية، فيقيس الشخص نفسه مع الآخرين بشكل مستمر دون أن يشعر، فيرتاح إذا جلس مع من يظن أنه أقل منه، ويتوتر إذا جلس مع شخص يتفوق عليه في أي ميزة، بسبب قياس قيمة الذات بالمقارنة مع الآخر وليس بمعرفة القيمة الحقيقية للذات.
إن التفكير بعقلية المقارنة السلبية تجعلنا نشعر بالدونية فنكره أنفسنا ونكره الآخرين، تشعرنا بالضعف والإحباط، بل وربما الغيرة والكره والحسد أيضاً، فتنتكس مشاعر الإيمان وتنتكس علاقتنا مع الله، لأن الحسد يؤدي إلى السخط، ومن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط.
إن العقلية التنافسية كلما كبرت بداخلنا ارتفعت أنانيتنا، وأصبحنا نفتقر إلى مشاعر المحبة للغير والرحمة والتقدير الحقيقي لأنفسنا وللآخرين فنبتعد عن أخلاق الإسلام وروحه، ناهيك عن أن العقلية التنافسية تكتسب عقلية ثابتة Fixed mindset لا تستطيع أن تبدع أو تغامر أو تنمو نمواً حقيقياً لأنها تركز على نظر الآخرين بدل متعة النمو.
السبب الثاني لضعف الثقة بالنفس: قد يميل بعض الناس أكثر من غيرهم للتركيز السلبي، ربما تجد أخوين في بيت واحد أحدهما يميل للتركيز الإيجابي والآخر يميل للسلبي، بشكل عفوي وجيني، فتتأثر ثقة الشخص الذي يميل للتركيز السلبي لأنه سينقد ذاته بشكل أكبر بكثير مما سيشكر نفسه فتتراجع ثقته بنفسه، أو أنه ينظر بعين الاستسصغار لكل ما يفعله ويرى أنه لا شيء فلا يشعر بقيمة النمو، حتى لو كان المحيط الذي يعيش به إيجابياً، يستطيع هذا الشخص أن يغير من طريقة تفكيره، ستجد في المقال التالي مفاتيح التغيير بإذن الله تعالى.
حتى نبني ثقتنا بأنفسنا علينا أن نتحرر من عقلية المقارنة اللاواعية، ونتحرر من انتظار استحسان الناس، لأن الثقة بالنفس لا تبنى من الخارج، بل من الداخل، من خلال معرفة الذات، وتقبل الذات بدون شروط، بنقاط ضعفها ونقاط قوتها مع السعي للتح
استغل مناسبة انتهاء العام لعمل جلسة عائلية حنونة تنمّي فيها: خلق التقدير والإيجابية والتفاؤل وروح المبادرة وأكثر. الحوار العائلي الإيجابي من أهم الأسس التربوية لبناء شخصيات مبدعة أخلاقية
1- لتنمية خلق التقدير والامتنان للآخرين قل:
نود أن نبث روح الشكر والامتنان، نريد أن نرسل عبارات الشكر والتقدير إلى بعضنا في هذه الجلسة من خلال "أشكر ........ على .........." (يمكن أن يكون شيئاً طيباً فعله من أجلك أو من أجل غيره أو من أجل نفسه)
2- لتنمية الإيجابية وتقدير الذات وشكر الله قل:
نود الآن أن نرفع ثقتنا بأنفسنا ونشكر الله: ما هي أفضل إنجازاتك في عام 2018؟ تعالوا نتذكرها ونشكر الله على توفيقه..
3- لتنمية عقلية نامية إيجابية قل:
نود أن ننمي عقلية نامية إيجابية، فكر وتأمل: هل قمت بأخطاء في العام الماضي تعلمت منها شيئاً جديداً جعلك أقوى؟ ماذا تعلمت؟
4- لتنمية التفاؤل وروح المبادرة والتطوير:
ماذا تتمنى أن تحقق في العام الجديد؟ اكتب أفكارك على الأصعدة التالية: تطوير روحانيتك – شخصيتك – تحسين صحتك – مهنتك – علاقاتك بماذا تريد أن تبدأ؟ – اختر واحدة تحب أن تبدأ بها وبعد أن تنجزها انتقل للثانية.. ارجع للورقة كل يوم لتذكر نفسك.. (يفضل أن تفرد للخطوة الرابعة جلسة خاصة، وتابعوا التطورات الذاتية للجميع بحب وتشجيع دون اتهام أو احساس باللوم حتى لو لم ينجز ما أراد خلال العام)..
حقيقة ينبغي أن ندركها وهي أنه لا يمكننا النجاح في تربية أبنائنا مهما فعلنا إلا أن يتولاهم الله برحمته ورعايته.. ولذلك فإن دعاءنا لهم بالصلاح هو المنطلق الأول في التربية.. ونحن في ذات الوقت مأمورون بالأخذ بالأسباب..
فما هو مقياس نجاحنا كمربين؟ هل هو ثناء الناس على إنجازنا معهم؟ هل هو تحقيق المناصب والألقاب؟
هناك أساسان لنجاحنا في تربية أبنائنا، وكل شيء يأتي بعدهما، فما هما؟
الأساس الأول هو: أن نربي أبناءنا بعيداً عن العقد النفسية وأمراض القلوب، والإحساس بالنقص في تقدير الذات، وننجح في ذلك عندما نتقبلهم كما هم دون شروط ودون رسم طريق حياتهم بتفاصيل محددة وإرغامهم على السير وفقها لنمنحهم الشعور بأنهم مقبولون ومحبوبون فقط عندما يرضوننا بالسير على النهج الذي نحدده.
ليشعر أبناؤنا بالتوازن والتقدير ينبغي أن نفتح معهم باب الحوار المبني على الاحترام والثقة، ونمنحهم الحرية النفسية من خلال التخلي عن التحكم بهم، لنتيح المجال لثقتهم بأنفسهم أن تكبر بداخلهم، ولا تعتقد أن مديحك لولدك بأنه الأفضل سيمنحه الثقة في نفسه، بل على العكس سيجعله منفوشاً على فراغ، مثل البالون ترمي به ريح ضعيفة، كما سيكسبه عقلية ثابتة Fixed mindset، سبق وأن تحدثنا عنها في مقالاتنا حول العقلية النامية.
وحتى نبني الثقة ينبغي أن يكبر ولدنا دون تحكم في إرادته وقراراته وخطواته، ودون مديح أو مقارنات، فقط علينا أن نمتدح الجهد الذي يبذله ليتعلم أهمية الصبر ويبذل الجهد في تحقيق أهدافه، وأن نمتدح الموقف الأخلاقي الذي قام به - وهو يقوم به - لتشجيعه وإشعاره أنه خلوق وطيب.
كما يحتاج أن نشعره بالحب والقبول دائماً دون شروط، وإذا أخطأ نحاوره ليستنتج الخطأ بنفسه، ونناقشه لماذا يجب أن يتوقف عنه دون إهانة أو ذل أو تهديد.
إن منح الحرية النفسية والقدرة على اتخاذ القرار لا يعني أن أترك له المجال ليؤذي نفسه، بل يعني أن يشعر بالحرية الداخلية أنه قادر على معرفة ما يريد وقادر على اتخاذ القرار، وعند اختلافي معه أفتح له أبواب الحوار والنقاش.
إن تربية ولدنا على نقاء القلب والثقة بالنفس يطلق دافعيته للنجاح ويجعله يميّز بعمق ما يريد، ويجعله إيجابياً مثابراً نحو أهدافه وطموحاته، غير ملتفت لسلبية الناس ونقدهم الهدّام.
الأساس الثاني: بناء علاقته الإيجابية مع الله تعالى وذلك من خلال الخطوات الثلاث:
1- بناء الإيمان من خلال التفكر في النعم والإنسان والكون للاستدلال على آثار وجود الله وغرس محبته من خلال تأمل آثار إكرامه وحكمته وقدرته وعطائه.. اقرأ المزيد في مقال "امتلك مهارة إثارة الأسئلة لتغرس محبة الله في نفوس أبنائك"
2- إثارة دافعيته للعمل من خلال الحرص على مرضاة الله، كأن تقول ادرس ليرضى الله عنك.. فمن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة.. ساعد زميلك ليرحمك الله ويرضى عنك، فالراحمون يرحمهم الرحمن.. اهتم بمظهرك لأن الله جميل يحب الجمال.. وهكذا فإن ربط دوافعه بنيل مرضاة الله يغرس العبودية والإخلاص في أعماقه فيسعد في الدنيا والآخرة.
3- تذكيره دوماً بالشكر على العطاء والصبر على البلاء ليحيا لله ويتذكر الله في النعم والنقم فيتوازن ويؤجر في آن واحد، فلحظات الحياة تتلون بين نعمة وبلاء، وعليك أن تذكره كيف عليه أن يتصرف بما يرضي الله في المحن لينجح في امتحان الحياة الذي يستمر معنا حتى آخر شهيق.
إن قاعدة هذين الأساسين بلا شك هي الإخلاص لله في تربيتهم وليس التباهي بهم أمام الناس، والإحسان في تربيتهم لنجد أبناءنا شفعاء لنا يوم القيامة، ولنترك خلفنا ولداً صالحاً يفعل الخير ويدعو لنا، " رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " آل عمران
"وأنبتها نباتاً حسنا".. نحن ندعو ونستعين بالله ونعذر إلى الله بأن نأخذ بالأسباب، والله هو يصلح وينبت.. ويجعل أبناءنا برحمته قرة عين لنا في الدنيا والآخرة..
"رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا " سورة الفرقان
شاركونا أفكاركم.. ما أكثر خطوة تُهمل عادة في هذين الأساسين؟
إنك لا تعمل عملاً - ولو كان صغيراً بحجم الذرّة - إلا ويكافئك الله الشكور عليه في الدنيا قبل الآخرة..
فلا تحقرن من المعروف شيئاً..
حقيقة إيمانية.. ما من أحد منا إلا وقد لمس أثرها في حياته.. بل وفي حياة من حوله..
أساس هام نرفع به إيماننا وإيمان أبنائنا.. ليبدد القيم الواهية التي تنشر شباكها على مجتمعاتنا التي مرضت بالأنانية واللؤم والعمل للمصلحة الشخصية دون الالتفات إلى الرحمة والحرص على الآخرين..
يقول المثل "اعمل خير وارميه في البحر".. أعتقد أننا يجب أن نكمل هذا المثل قائلين:
"والله سيخرج لك من البحر درراً وجواهر لأنه الشكور"..
قد تكون الجواهر حفظاً أو بركة أو كف أذى أو شفاء أو تيسير أو توفيق أو رزق أو محبة أو نصر أو بر الأبناء أو فتح أو علم أو هداية أو انشراح.. إلخ ما لا يحصى من النعم..
أنت مع الله في ربح دائم.. فافعل الخير من أجله وثق أنه سيكرمك..
حقيقة يجب أن نتغنّى بها مع أنفسنا وأمام أبنائنا في كل يوم ليقبلوا على الخير ويقدّروا فعل الخير مهما كان صغيراً..
عندما نذكر أبناءنا بحب أن الله الشكور يكافئنا على أعمالنا في الدنيا قبل الآخرة، ولكن بشرط:
أن نعمل العمل فقط ليرضى الله عنا.. ونقوم به بحب ورغبة من قلوبنا لا لأننا مكرهين..
فإننا سنربطهم بقاعدة إيمانية عميقة تقوم على التقدير والثقة بالله وبعطاء الله وبخير الله.. في الوقت الذي تحيط بأبنائنا الكثير من المشوشات التي تعمل على تلاشي تلك القاعدة في قلوبهم ليعيش أبناؤنا في فراغ تحكمه الأنا والعمل فقط لأجل إثبات الذات.. متناسين أن الله يكبّر الخير القليل ويربيه لنا ليبلغ مبلغ جبل أحد.. لأنه الشكور..
فعندما يطلب أحد المساعدة في المنزل يتقاعس الجميع (في العادة) .. وكل واحد يقول "اشمعنى أنا".. ولو آمن باسم الله الشكور لعلم أن الله سيكافئه في الدنيا قبل الآخرة عندما يساعد غيره لله ويخرج من أنانيته..
وعندما تسخر مجموعة من الطالبات من زميلة لهن في الصف.. يضحك الجميع ولا يتورع أحد عن رفض الموقف.. ولو آمنت الواحدة منهن باسم الله الشكور لعلمت أن الله سيكافئها في الدنيا لو رفضت الموقف بدل حرصها على مرضاة الناس بسخط الله..
وعندما تطلب طالبة مساعدة من طالبة متفوقة.. ترفض أو تشح عليها بالمعلومات حتى لا تتفوق مثلها.. ولو آمنت باسم الله الشكور لعلمت أن الله الشكور سيكافئها على مساعدتها في الدنيا بتوفيق وانشراح في الصدر يجعلها تذوق السعادة الحقيقة بدل أوهام السعادة التي يزينها الشيطان أمام أعيننا بتعظيم الأنا..
مفاهيم خاطئة أخذت تسود.. مع تقديم القناعة والمبررات لها باستمرار.. "لا تكون أهبل".. "تخليش حدا أحسن منك".. "تخليش حد يجي بطرفك".. " لا تقدم شي ما حدا بيقدّر".. ونسينا أن الله هو الشكور.. وأنه من يكافئك.. فقط اعمل لأجله..
تصرفات كثيرة انتشرت في مجتمعاتنا ومدارسنا وبيوتنا يندى لها الجبين.. يؤلمنا أنها تخرج من مسلمين.. ومن أصلاب المسلمين.. تظهر ضعف العلاقة بالله وضعف الإيمان والأنانية التي تفتك بصاحبها في الدنيا قبل الآخرة فتحرمه الجواهر والكنوز الربانية التي تساق له كل يوم عندما يفعل الخير لله.. كنوز من رضا وطمأنينة وانشراح في الصدر وسلام داخلي وبركة وتوفيق وحفظ وتيسير ورزق ومحبة وألفة بين الأبناء والإخوة والزوج والزوجة ونصر وهداية وبصيرة وكفاية وشفاء وولاية وغيرها من خير الله، الذي تعجز عن كتابته: لو أن ما في الأرض من شجر أقلام والبحار أحبارها..
التفكر في اسم الله الشكور وبركته في حياتنا ينشر الطمأنينة ويطلق بواعث الخير فينا بمحبة وطيبة..
كل مكافأة من الله الشكور تجعلنا نذوق السعادة والحياة الطيبة..
"مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"
يجب أن نغرس في أبنائنا أن كل خير نقوم به لوجه الله سيعود إلينا أضعافاً في الدنيا.. وكل عمل سوء سيعود علينا بسوء أيضاً.. "مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا".. والله هو الغني ونحن الفقراء..
"أنت مع الله في ربح دائم.. فافعل الخير من أجله وثق أنه سيكرمك.. وامتنع عن السوء لأجله وثق أنه سيكرمك"..
قاعدة إيمانية مهمة في مراقبة السلوك الذاتي ورفع الرقابة لدينا ولدى أبنائنا.. فنحن نفعل الخير لأجل نفع أنفسنا بالخير.. وليس لأن الله يحتاج إلى أعمالنا.. وسيئاتنا مهلكات لنا في الدنيا قبل الآخرة ولو زينها الشيطان..
قاعدة إيمانية تستحق أن نجعلها ديدناً في حياتنا وفي حياة أبنائنا.. وسنرزق ألطافها كوالدين عندما ي
الثقة بالنفس هي القدرة على مواجهة التحديات وحل المشكلات، وهذه القدرة تتكون من قدرتين:
أولاً: القدرة على إدارة المشاعر السلبية إلى إيجابية وبث مشاعر الارتياح عند الجزع أو الألم من خلال الصبر والتفكير الإيجابي.
ثانياً: القدرة على التفكير والعبور من المشاعر السلبية التي يفرزها موقف التحدي إلى إيجاد البدائل والحلول للمشكلة ومن ثم اتخاذ القرار واختبار الحل.
كثيراً ما تسيطر علينا المشاعر السلبية عندما نخفق أو نعاني، وللنجاح في إدارة المشاعر السلبية وتحويلها إلى مشاعر ارتياح، لتسهيل عملية العبور إلى التفكير وإيجاد الحلول هناك عدة استراتيجيات يمكنك استخدامها وتدريب أبنائك عليها:
ذكر نفسك وأبناءك بأن المشكلات تجعل ذكاءنا ينمو، ففكر بالبدائل والحلول بدلاً من أن تسخط وتحبط.
3- الخطأ لا يعني الغباء: هي قاعدة مهمة ليكتسب الإنسان القدرة على إدارة المشاعر السلبية وتحويلها إلى إيجابية وبناء الثقة بالنفس.
ذكر نفسك دوماً ألا تقارن وتعلم واشكر، وازرع ذلك في أبنائك لتربية أبناء يمتلئون رضا وحكمة وإيجابية وإبداع.
4- لا تقارن: كل إنسان قدّر الله له أن يولد باستعدادات مختلفة عن غيره، تجعل بعض الأعمال تسهل عليه أكثر من غيرها.
5- التركيز على الهدف: عندما نركز على أنفسنا ونظرة الآخرين لنا عند مواجهة التحديات فإننا نفقد التركيز على عملية إيجاد الحلول وتطبيقها.
6- مشاهدة الوفرة أثناء المعاناة: إن مشاهدة النعم المحيطة بنا أثناء المعاناة لا يقدر عليها إلا إنسان شاكر وإيجابي يمتلك نظرة كلية يرى فيها الصورة الكاملة.
تذكر أن تشاهد النعم المرافقة لك في المعاناة، وقل ماذا لو؟.. وما الحكمة؟.. لتبدأ مناطق أخرى.. في الصورة بالظهور بالتدريج لتتوسع الصورة وتظهر فيها الحياة والألوان حول البؤرة السوداء التي تريد أن تسحبنا بداخلها.
7- التسليم: نحن مأمورون بالعمل وليس بالنتائج، فالعمل الصالح واجب علينا، وأما النتائج فهي بأمر الله خاضعة لحكمته.
تحتاج هذه الاستراتيجيات السبعة منك إلى مراجعة دورية خاصة أثناء مرورك بمعاناة، لتزود نفسك باستراتيجيات تفكير إيجابية تساعدك على إدارة مشاعرك وتمكنك من التفكير بهدوء نفسي وإيجاد البدائل لتجعل من المعاناة وسيلة لنمو ذكائك العاطفي وإيمانك وإبداعك وثقتك بنفسك.